Source: الأزمة رؤية للغد | 19 April 2009 | Country: Dubai, UAE

الدكتور جوزيف طربيه رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب رئيس مجلس الإدارة – المدير العام بنك الإعتماد اللبناني في المؤتمر المصرفي العربي 2009 "الأزمة رؤية للغد"

كلمة

الدكتور جوزيف طربيه

رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس مجلس الإدارة – المدير العام بنك الإعتماد اللبناني


في المؤتمر المصرفي العربي 2009

"الأزمة رؤية للغد"


دبي 19-20 /4/2009

 


صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم،
نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي
أصحاب المعالي والسيادة،
ايها الحفل الكريم،

يسعدني أن أتقدم من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالشكر والتقدير على تكرّمه برعاية هذا المؤتمر، واحتضان فعالياته، وتأمين فرص نجاحه بإذن الله.
كما يسعدني أن أرحب بأصحاب المعالي والسيادة، وبالحضور الكريم على اهتمامهم وحضورهم. كما أشكر دولة الإمارات العربية المتحدة حكومة وشعباً على تأمين كل الفرص لإنجاح هذا اللقاء.

أيها السيدات والسادة،
نلتقي اليوم، لنتباحث ونتفاكر في مستقبل منطقتنا وإقتصاداتنا على ضوء ما عكسته الأزمة المالية العالمية، وهي واحدة من أقسى الازمات المالية التي هزت أقوى الكيانات الاقتصادية وضربت، فيما ضربت، مقومات ومؤسسات طالما إعتقدنا أن متانتها أقوى من أي خضات، وقوتها أفعل في جبه إهتزازات مفاجئة أو غير محسوبة.
وأود التأكيد بإسم الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الذي يضم نخبة القيادات المصرفية العربية في العالم، تعاوننا الثابت مع إتحاد المصارف العربية في عقد هذا المؤتمر وغيره من الندوات التي تشارك في تسهيل صوغ السياسات والمخططات من خلال ما يتم طرحه ومناقشته من قبل أهل الفكر والخبرة على المستويات الوطنية أولاً ثم في التجمعات الأوسع عربياً ودولياً لما فيه خير مصارفنا وإقتصادنا.

أيها السيدات والسّادة،

إن  الحراك الكبير، الذي يشهده العالم أوطاناً وتجمعات إقليمية وعبر القارات وعلى كل المستويات، بفعل الإعصار المالي هو حراك غير مسبوق حجماً ونوعاً.  وما تم صرفه أو تخصيصه حتى الان بهدف وقف الانهيار وليس الانقاذ الفعلي، بلغ أرقاماً غير مسبوقة.  وهذا يظهر عنف الاعصار داخل هيكل النظام المالي الدولي، وما أفرزه من نتائج كارثية، يصعب حتى الآن حصرها، وإستبيان مداها وعمقها وإنعكاساتها القادمة.  وخير إثبات لذلك السباق العكسي للخروج من العولمة كخشبة خلاص، بعدما كان الانغماس فيها مظهراً للتقدم والازدهار.  فالمشهد الحاضر  يظهر أن الأسواق الأكثر إنفتاحاً هي الاكثر تضرراً، والاكثر تعرضاً للانعكاسات.
إنها اذاً محطة تاريخية فاصلة ترتب فيما ترتب تغييرات شاملة في المفاهيم والرؤى وإنقلابات جذرية في المهام والادوار. وها نحن نشهد اليوم عودة دراماتيكية للحكومات لتكون اللاعب الأساسي في الأسواق، فيما تتهاوى المؤسسات ويصمت اللاعبون الكبار المتهمون بخيانة القيم والمثل التي تحكم مبدأ الاقتصاد الحر، وبالانجرار الى التلاعب والغش وسلب أموال الناس ومدخراتهم".
ومن البديهي أن هذه المتغيرات ستزداد حدة وعمقاً مع تواصل الازمة وتداعياتها وسرعة إنحدار الاقتصاد العالمي صوب الركود والكساد خصوصاً بعدما أظهرت الوقائع المتواصلة في الأسواق بأن ما يتم ضخه من مئات المليارات يذوب سريعاً في أتون الخسائر الهائلة التي ترتفع تقديراتها تباعاً لتبلغ أرقاماً فلكية بعدة تريليونات دولار.
وهذا ما يؤدي الى مزيد من تداعي الثقة وربما فقدانها في وقت ليس ببعيد ما لم يصل حراك قادة العالم وآخر محطاته إجتماعات مجموعة العشرين الى إرساء معالجات جدية تلجم، على الاقل، النزف الخطير المتواصل.

وفي خضم هذا الاعصار وتداعياته الحاصلة والمرتقبة الممتدة حكماً الى منطقتنا وإقتصاداتنا ومؤسساتنا بشكل مباشر تبعاً لإنخراطنا في الاقتصاد العالمي وتأثرنا طبيعياً بمعطياته وتطوراته، فإننا نرى، أنه من الاهمية القصوى، تزخيم تحركاتنا في ساحاتنا وأسواقنا الوطنية وعبر الحدود بهدف تبادل الافكار والخبرات وتنسيق الجهود الآيلة الى إبعاد الاضرار ودرء ما أمكن من انعكاساتها، فنكون بالتالي مشاركين في معالجة ما يعنينا من الازمة وتداعياتها بدلاً من أن نصبح من ضحاياها أو كبش فداء لدول أو تجمعات تسعى الى تحميل الآخرين أوزار تهور وتلاعب أفراد ومؤسسات كانوا الى الامس القريب، يدعون الريادة والاحتراف في إدارة الاعمال والاموال.

وإذا أردنا إختصار المشهد، تبدو أمامنا الحكومات والسلطات النقدية غير قادرة على متابعة المنتجات والهندسات المالية الغامضة والخطرة لبعض رجال المال والمصارف. ويظهر فيها المضاربون وصانعو الأسواق المالية خفة ولا مبالاة بنتائج أفعالهم على مصارفهم ومساهميهم ومستخدميهم واقتصاد بلادهم، مما يشير إلى خلل في سلم القيم أكثر منه جهلاً بالإقتصاد والعلوم المالية.
وإن بعض الدروس المستقاة من الأزمة تتلخص بما يلي:
- إن الأزمة فاجأت بحجمها كل التوقعات، وأضراها تفوق الإحتمال للذين انفتحوا دون قيود أو حدود على السوق الدولية، لذلك فإنهم اليوم يدفعون الثمن باهظاً.
- إن الأزمة أنهت عدة سنوات من النمو السريع في العالم العربي نتيجة ارتفاع اسعار النفط والإصلاحات الإقتصادية.
- إن محاربة الأزمة يكون بتفعيل مؤسساتنا وتنشيط الاستثمار في اقتصاداتنا، وخاصةً الاستثمار في البنية التحتية، واقتصاد المعرفة، والسعي إلى تفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وتذليل ما يعتري التجارة بين دولنا من معوقات، والعمل على ايجاد بيئة استثمارية مشجعة للاستثمار في بلداننا.
أما على الصعيد العالمي، فقد خلصت قمة العشرين المنعقدة في لندن الى أن هذه الأزمة بفعل حجمها، تحتاج الى حل عالمي وأن حلها يتطلب إرساء قواعد جديدة للإقتصاد العالمي قائمة على العدالة والنمو المستدام وإعادة تنظيم القطاع المصرفي العالمي، وتفعيل المؤسسات الرقابية المشرفة، من وزارات مالية إلى بنوك مركزية وغيرها، ومساعدة الدول الفقيرة، وتوفير مزيد من المال لصندوق النقد الدولي ليساعد الدول التي تواجه ضغوطاً مالية، والحؤول دون انزلاق التجارة العالمية نحو الحمائية.  وإن تأثير الأزمة ليس متكافئاً وخاصة على  الدول الاكثر فقراً، وهناك مسؤولية جماعية لعلاج هذا الموضوع وإن كان يوجد إختلاف في أساليب المعالجة بين مختلف الدول المؤثرة.
كما يقتضي إصلاح وتحديث المؤسسات المالية الدولية بإعادة النظر بعملها وأهدافها وإدارتها لتعكس التغيرات الحاصلة في الإقتصاد العالمي والتحديات الجديدة للعولمة.
والأهم من ذلك كله يقتضي إعادة النظر في المعايير الدولية من أجل المزيد من الشفافية والتأكيد على إعتماد مستويات أعلى من الرصانة المالية في الممارسات وفي الأدوات المالية المعتمدة.
وبدون أي شك، فإن عالمنا العربي الذي استفاد من الفورة الاقتصادية العالمية على مدى السنوات الخمس الأخيرة محققاً نسب نمو متميزة ساعدت قطاعه المصرفي على التقدم والانتشار وتحقيق أرباح عالية، فإنه قد يتأثر بتداعيات الأزمة العالمية لجهة ما قد يتأتى عن الاحتمالات الكبيرة لدخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود الاقتصادي، يشكل الهبوط المتسارع في أسعار النفط إحدى أولى نتائجه.

لذلك، فإن ما يهم مؤتمرنا أن يشارك في وضع رؤية واضحة لغدنا، كما يبين عنوان هذا المؤتمر، تبحث عن الاستقرار بأبعاده الأمنية والتشريعية والسياسية والاجتماعية.
لقد أضاءت قمة العشرين في مطلع الشهر الجاري شمعة تفاؤل، ووضعت يدها على أساس المشكلة، في محاولة منها إلى إرجاع الثقة من خلال إعادة تنظيم القطاع المالي، وتعزيز الشفافية، والمساءلة والتنظيم السليم، وتعزيز النزاهة، في الأسواق المالية، وتعزيز التعاون الدولي، وهذه عناصر مهمة لتطوير محاور مؤتمرنا اليوم، واستخلاص التوصيات اللازمة لمستقبل منطقتنا العربية.

أجدِّد شُكري وتقديري لصاحب السموّ،
ولدولة الإمارات العربية المتحدة حكومةً وشعباً،
ولجميع المشاركين معنا اليوم،
أتمنى لمؤتمركم النجاح ولكم التوفيق في مسعاكم.
وشكراً لإصغائكم.

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close