Source: مؤتمر لبنان الدولي للأعمار والاستثمار | 23 November 2006 | Country: Beirut, Lebanon

كلمة الدكتور جوزف طربيه رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية: مؤتمر لبنان الدولي للاعمار والاستثمار

 


كلمة الدكتور جوزف طربيه
رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية

 

مؤتمر لبنان الدولي للاعمار والاستثمار


23/11/2006

بيـروت – لبنــــان

 

 

 

 

 

أشكر معالي الوزير الصديق سامي حداد على تقديمه ورئاسته لهذه الجلسة، وأتوجه بالتحية لكم جميعاً وأكرر الترحيب بإخواننا المشاركين من البلدان العربية الشقيقة، الذين يحرصون، على مشاركة لبنان قضاياه.

أيها الحضور الكريم،

ينعقد مؤتمرنا اليوم في وقت بدأ فيه لبنان بالنهوض مجدداً من بين الركام، نتيجة الحرب الإسرائيلية الحاقدة عليه، والتي لم توفر لا الحجر ولا البشر، وتسببت في تدمير كبير للبنية التحتية الأساسية وتعطيل عملية النمو الإقتصادي القوي الذي كان قد بدأه لبنان منذ أواخر العام الماضي، وفي وقت كانت فيه الأنظار العربية والدولية متجهة نحو لبنان وما يحمله غده من آفاق رحبة نحو الإزدهار والتآلق من جديد وتوفير فرص إستثمارية وإقتصادية متميزة.

إن تداعيات العدوان الإسرائيلي الذي دام مدة 34 يوما" على الإقتصاد اللبناني قد ظهرت فداحتها بعد توقف الأعمال العسكرية بموجب القرار رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن، حيث بلغت الخسائر المباشرة التي تكبدها لبنان من جراء هذا العدوان وفقا" لتقديرات مجلس الإنماء والإعمار حوالي 3 مليار دولار أميركي، وقد لحقت خسائر جسيمة في البنى التحتية والمساكن والمؤسسات التجارية والصناعية ومحطات توزيع المحروقات والمنشآت العسكرية ولم يستثنى أيا" من القطاعات الإقتصادية إذ نال كل منها نصيبه من الأضرار كقطاع النقل الذي يعتبر الأكثر تضررا" من جراء إستهداف الطرق والجسور والمطارات وقطاع الإتصالات والمياه كما شملت الخسائر المدارس والمستشفيات والابنية السكنية والتجارية والسياحية وقطاع الكهرباء في مجال النقل والتوزيع والإنتاج وتدمير وإحراق خزانات الوقود ما أدى الى تسرب نفطي في البحر نتج عنه كارثة بيئية وطنية وإقليمية.
 أما الخسائر الغير مباشرة التي لحقت بالإقتصاد اللبناني فقد قدرت بحوالي 8 مليار دولار أميركي لتشمل الفرص الضائعة والموارد المتوقعة من السياحة والإستثمارات المحتملة التي لم تتحقق والتراجع في الصادرات والواردات وتراجع النمو الإقتصادي.
إن وقوف العالم إلى جانب لبنان في هذه المحنة الصعبة قد خفف من وطأة المصاب وبدأت تباشير الدعم والمساعدات المادية والإنسانية من الدول العربية والأجنبية من خلال القروض الميسرة والهبات أو عبر العديد من المبادرات الفردية للتبرع بإعادة بناء الجسور المهدمة وإعادة إعمار المنازل والبنى التحتية في القرى والبلدات التي دمرها العدوان الإسرائيلي. وقد تجسد هذا الدعم من خلال مؤتمر ستوكهولم للدول المانحة حيث حصل لبنان على موجة أولى من الهبات والمساعدات.
لقد تركت الحرب الإسرائيلية على لبنان تداعيات كبيرة على كافة الأصعدة من سياسية وإجتماعية وإقتصادية ونقدية ومصرفية.  وأحصر مداخلتي هذه بالشق الإقتصادي والمصرفي.
فعلى الصعيد الإقتصادي، تشير التقديرات في حال إستقرار الوضع السياسي في لبنان إلى أن معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي سيقارب 4% العام 2007 مع بقاء التضخم على مستويات مقبولة أي حوالي 5%.  وقد يرتفع معدل النمو هذا بشكل أكبر في حال تحقق التوافق السياسي على مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي يشمل خصخصة بعض الأصول الحكومية وترشيد الإنفاق وتدابير إصلاحية أخرى، الأمر الذي من شأنه الإسهام في خفض حجم الدين العام الذي يبلغ حوالي 40 مليار دولار أميركي، والذي يشكل التحدي الأكبر للإقتصاد الوطني حيث أنه يقدر بضعفي إجمالي الناتج المحلي.  إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يتعزز هذا النمو بشكل أكبر إذا ما توافرت الإرادة السياسية مما يسمح بنجاح مؤتمر باريس-3 للدول المانحة الذي سينعقد في باريس في نهاية الشهر الأول من عام 2007 وحصول لبنان من خلاله على مساعدات وقروض ميسرة تساعده على خفض خدمة الدين العام التي تستأثر بقدر كبير من الإنفاق الحكومي.
على الصعيد النقدي، إن حجم الإحتياطيات بالعملات الأجنبية الذي يتمتع به مصرف لبنان قد ساعد بشكل كبير على تجاوز الضغط المحدود الذي شهده سوق الودائع في لبنان نتيجة العدوان الإسرائيلي عام 2006 حيث بدا واقع السيولة مريحا" وتحت السيطرة خاصة بعد إيداع الوديعتين السعودية والكويتية (أي 1.5 مليار دولار أميركي) إضافة الى المساعدات الإنسانية الأخرى التي أودعت لدى مصرف لبنان.  وفي هذا السياق، بلغ إحتياطي مصرف لبنان حوالي 13 مليار دولار أميركي حتى نهاية آب/أغسطس 2006 وهو يشكل دعامة جيدة تتيح لمصرف لبنان ضبط السوق ومواجهة تحويل الودائع بالليرة إلى الدولار والمحافظة على سياسة ثبات وإستقرار سوق القطع، علما" أن نسبة دولرة الودائع لدى القطاع المصرفي تصل إلى 75% في نهاية آب/أغسطس 2006.
أما على الصعيد المصرفي، وبالرغم من أن هذا القطاع لم يتأثر بشكل كبير من الدمار المباشر الذي خلفه العدوان إذ أن محفظة التسليفات المصرفية الممنوحة في المناطق التي شملتها العمليات العسكرية لا تشكل سوى 6.5% من مجموع التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص في لبنان، لا سيما وأن المنطقة المتضررة بصورة مباشرة نتيجة للعدوان هي، بإستثناء ضاحية بيروت الجنوبية، تشكل منطقة ريفية.  إلا أن التأثيرات غير المباشرة لهذه الأحداث من المتوقع أن تطال تسليفات المصارف في كافة المناطق اللبنانية نتيجة إنعكاسها المباشر على الحركة الإقتصادية وتضرر نشاط مختلف المؤسسات والأفراد.  من جهته، نجح القطاع المصرفي في إستيعاب الضربة القاسية التي تعرض لها الإقتصاد وإسترداد القسم الأكبر من الودائع التي خسرها خلال العدوان الإسرائيلي والعمل فورا" مع السلطة النقدية لتوفير آليات تمويل تساعد القطاعات المتضررة على تجاوز الأزمة.  هذا، وتشير الإحصاءات إلى أن إجمالي موجودات القطاع المصرفي اللبناني قد ازدادت بنسبة 2.4% لتصل إلى 72 مليار دولار أميركي في نهاية آب/أغسطس 2006 بالمقارنة مع كانون الأول/ديسمبر 2005.  إن عودة عامل الثقة إلى البلاد من خلال المنح والمساعدات من الدول العربية والدول الصديقة، وإصرار المستثمرين على المضي قدما" بتنفيذ المشاريع السكنية والتجارية والسياحية قد ساهم في تحصين الأوضاع على كافة الأصعدة.  لذلك، ونتيجة التحسن على صعيد التدفقات النقدية إلى لبنان بعد الاعتداءات الإسرائيلية إستعاد القطاع المصرفي خلال شهر آب/أغسطس ما كان قد خسره نتيجة بعض التحويلات إلى الخارج خلال الحرب.  تجدر الإشارة إلى أن الودائع بالليرة اللبنانية قد تراجعت خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2006 بنسبة 6.56% بسبب خروج المودعين من الليرة إلى العملات الأجنبية، في حين إزدادت الودائع بالعملات الأجنبية خلال نفس الفترة بقيمة 1.57 مليار دولار أميركي أو بنسبة 3.76%.  وبذلك، بلغ مجموع الودائع بكافة العملات لدى القطاع المصرفي حوالي 58.5 مليار دولار أميركي كما إرتفعت نسبة الدولرة في الودائع لدى القطاع لتصل الى 75% لغاية نهاية شهر آب/أغسطس 2006 مقابل 73% في نهاية العام 2005.
بلغ مجموع محافظ التسليفات لدى القطاع المصرفي في 31/8/2006 ما يوازي 18.6 مليار دولار أميركي أي بزيادة سنوية نسبتها 10.16% عن آب/أغسطس 2005.  بلغت نسبة دولرة التسليفات معدل 83.5% حتى نهاية الشهر الثامن من العام 2006 أي نفس النسبة المسجلة في نهاية العام 2005.  شكلت التسليفات لدى القطاع المصرفي نسبة 32% من إجمالي الودائع في 31/8/2006.  فيما يتعلق بالسيولة، فقد حافظت المصارف على مستوياتها المرتفعة السابقة إذ بلغت نسبة السيولة الوسطية لديها معدل 84.2% في 31/8/2006.
كذلك إرتفعت الأموال الخاصة للقطاع المصرفي اللبناني خلال العام 2006 لتصل الى مستويات غير مسبوقة إذ بلغت قيمتها 5.58 مليار دولار أميركي في نهاية شهر آب/أغسطس 2006 أي بزيادة نسبتها 31.2% عما كانت عليه في نهاية العام 2005 بحيث أصبحت تشكل نسبة 7.75% من إجمالي موجودات القطاع المصرفي.  تأتي هذه الخطوة من ضمن الإستراتيجية التوسعية التي تنتهجها غالبية المصارف الكبرى والتي تقضي بتعزيز حصتها داخل لبنان ودخول أسواق خارجية جديدة تمكنها من تفعيل الإستثمارات التي وظفتها في الأنظمة التكنولوجية الحديثة والكفاءات البشرية العالية التي بحوزتها والخبرات التي تتمتع بها في مختلف الأنشطة المصرفية.
وفي الحقيقة، إستمرت المصارف في دورها كالوعاء الامثل لإستقطاب الرساميل والاستثمارات في مرحلة عبورها للتوظيف في المشاريع والانشطة الاقتصادية كما لعبت دور الممول والمساند والمستشار في إدارة المال والمحافظ الاستثمارية في معظم القطاعات لصالح المستثمر والمنتج والتاجر والصناعي والمقاول وسواهم، ووفقاً لهذا الموقع الحيوي ، فإن التمويل والاستثمار يستفيدان الى اقصى حد من وجود بنية مصرفية ومالية مناسبة قادرة على استقطاب المدخرات الوطنية والتدفقات الاستثمارية واعادة ضخها في الاقتصاد الوطني مشاريع الاعمار والاستثمار.

ان إداء القطاع المالي، وإداء البنك المركزي، وإلتزام المصارف بأقصى دراجات الإنفتاح وإحترام قواعد السوق سمح بإجتياز كل الصعوبات وهذا ما يعكس بوضوح قدرة القطاع المصرفي على الاحتفاظ بعناصر قوته وعلى إستمرار دوره كقاطرة للإقتصاد الوطني، وهو يمثل بموجوداته النامية مركز الثقل النوعي في التمويل وادارة المدخرات الوطنية واستقطاب الرساميل الخارجية، وصمّام الامان الذي يسهم بفعالية بدرء المخاطر النقدية والمالية في الظروف الصعبة والاستثنائية.

لقد سعت المصارف ونجحت مرة أخرى في تحييد نفسها عن إنعكاسات المخاطر الجيوسياسية التي تحيط بعملها وساعدت في أن يبقى لبنان مركز جذب للودائع والإستثمارات في المنطقة، كما نجحت في الإنتشار خارج حدود لبنان بحيث أصبح القطاع المصرفي اللبناني ذو إمتدادات إقليمية ودولية.

أيها السيدات والسادة،

بين لبنان والمصارف، ولبنان الآخر المكشوف على كل المخاطر والمستباح مسافة سنوات ضوئية.  ففي حين نرى القطاع المصرفي ينهض بالحياة الإقتصادية للبنان، ويؤمن التمويل اللازم للقطاعين العام والخاص،  وتتجاوز موجوداته 3 مرات الناتج القومي للبنان، ويتمدد الى الخارج مانحا" لبنان دورا" إقليميا" على الصعيد المالي، نرى على الصعيد السياسي إنقساما" عميقا" حول معظم القضايا، ونقاشا" أقرب الى الجدل البيزنطي منه الى الحوار، وخلافات داخلية نخشى إذا إستمرت مع إمتداداتها الإقليمية والدولية، أن تلقى بظلالها السلبية على الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، وأن تضيّع فرصة إنعقاد ونجاح مؤتمر باريس 3 المرتقب للدول المانحة.

وإننا نأمل أن لبنان الذي يخوض اليوم إستحقاقات ذات أبعاد وطنية مهمة واساسية سيجتاز الأخطار المحدقة به في ظل إنبعاث وحدته الوطنية.  ولكن هذا لن يتحقق إلا في ظل قيام وفاق وطني، وتبني ورقة إصلاحية ذات أبعاد بنيوية، لا تقتصر على معالجة مشاكل الساعة، إنما ترسم رؤيا شاملة للغذ، وتعيد تحديد دور لبنان، في وقت تتنافس فيه على الأدوار معظم دول المنطقة.
شكـراً لاصغــائكم
 

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close