Source: إعادة بناء وأعمار العراق | 17 March 2004 | Country: Beirut, Lebanon

كلمة الدكتور جوزيــف طربيـه رئيس جمعية مصارف لبنان رئيس اتحاد المصارف العربية: الملتقى الاقتصادي العراقي في لبنان

 كلمة الدكتور جوزيــف طربيـه
رئيس جمعية مصارف لبنان
رئيس اتحاد المصارف العربية


الملتقى الاقتصادي العراقي في لبنان
17/19 آذار /مارس 2004
فينيسيا – بيروت

 

 

 

دولة رئيس مجلس الوزراء السيد رفيق الحريري
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها السيدات والسادة

لقد طغى الموضوع العراقي بقضاياه المتشعبة على معظم الاحداث في المنطقة وخارجها، وقد يمر وقت طويل قبل ان يتزحزح عن موقع الصدارة في الاهتمام الذي يحوزه اقليمياً ودوليا"، وهذا يعود بالدرجة الاولى الى مركز الثقل الجيو استراتيجي الذي يمثله العراق، وكذلك الى ثرواته الظاهرة والكامنة المؤثرة في حركة الاقتصاد العالمي، بحيث ان كل تطور او تغيير يشهده هذا البلد سيكون مؤثراً بطبيعته وبنتائجه في المنطقة او في العالم وغالباً فيهما معاً، وقد ظهر كل ذلك جلياً، من خلال الاحداث والتداعيات المستمرة قبل عام، وكانت محطتها الحاسمة سقوط النظام السابق وانطلاق مرحلة جديدة بكامل معطياتها ومن اهم عناوينها اعادة بناء الدولة والمؤسسات والنظام الاقتصادي بفلسفة وتوجهات تغييرية في العمق وفي الادوات والوسائل.

وفي هذا السياق، يندرج موضوع اعادة بناء واعمار العراق، كأحد أهم الركائز لاعادة بناء الدولة وهو محط انظار ومتابعة على الصعيدين الاقليمي والدولي، سواء على مستوى الحكومات او على مستوى القطاعات والمستثمرين افراداً ومؤسسات ، وهذا ما يلقي على السلطات الجديدة مسؤوليات مضاعفة في مهامها، لاعادة تكوين البيئة القانونية والاقتصادية والاستثمارية وحتى الاجتماعية على اسس جديدة ومتطورة توازن بين التكيف الهيكلي للاقتصاد الحر والانفتاح، وبين حاجات التنمية الملحة التي لا تزال تتطلب دوراً مؤثراً للدولة والقطاع العام.

وفي السياق ذاته ، نعتقد ان مهمة ترتيب الاولويات الاعمارية لن تكون اقل صعوبة وتعقيداً، قياساً الى الاحتياجات الهائلة المقدرة بين 70 و100 مليار دولار للسنوات الخمس المقبلة، وهي مبالغ تفوق بكثير التقديمات الخارجية.

وعلى هذا الصعيد، يبرز دور القطاع المصرفي كواحد من اهم القطاعات التي يُفترض ان تدير جزءاً هاماً من مرحلة اعادة البناء والاعمار، الى جانب الدولة والمؤسسات الدولية والاقليمية المعنية.  ويمكننا القول، ان البيئة القانونية ومدى الانسجام مع المعايير والمواصفات الدولية وتحرير السوق واحترام مبدأ تكافؤ الفرص وتسهيل استقدام واستخدام التكنولوجيا واعادة النهوض بالقضاء والمحاكم ووضع الاليات المناسبة لمكافحة الاموال غير المشروعة ، تشكل الركائر الاساسية لاعادة تكوين بنية مصرفية ومالية سليمة، لتشكل بدورها الوعاء الامثل للثروة الوطنية والتدفقات الاستثمارية في مرحلة عبورها للتوظيف في الاقتصاد الوطني والتنمية.  وإذا كان تطوير النظام المصرفي العراقي هو المدخل الفعلي الى تحقيق النمو الإقتصادي في العراق، يجب أن لا ننسى أن مصارف العراق تواجه تحديات كل منها يتطلب جهودا" متواصلة للتغلب عليها: أولها التحدي التكنولوجي الذي سيشكل تحد دائم في ظل المنافسة التي ستقوم في القريب العاجل مع المصارف العربية والدولية القادمة الى العراق، وثانيها التحدي الإقتصادي نتيجة الأوضاع الإقتصادية السائدة، وثالثها تحدي الرسملة والتمويل بسبب ضعف قاعدة الأموال الخاصة للمصارف حاليا" وعزلتها الطويلة عن الاسواق الدولية، ورابعها التحدي الإداري حيث تلعب التقنيات الإدارية وكفاءة الموارد البشرية وحسن إدارتها عنصرا" أساسيا" لنجاح العمل المصرفي.

تجاه ما تقدم، فإنني ، وباسم اتحاد المصارف العربية، أعيد التأكيد على دور الإتحاد في النهوض بمسيرة العمل المصرفي والمالي العربي، والإلتزام بتوزيع امكاناتنا وجهودنا حيث تحتاجنا المصارف العاملة في كل الدول العربية، كما نؤكد ايضاً، ان العراق الشقيق يحظى باولوية لدينا ونحن على اتصال مباشر وحيوي مع اغلب المؤسسات المصرفية والمالية العاملة فيه، وقد سعينا خلال السنوات الماضية ، وبالاخص في مرحلة الحصار، الى تقديم كل عون ممكن لها من ضمن مهامنا ووظائفنا المعروفة، ونحن على استعداد تام الآن ، ولدينا كل الحماسة للعب دورنا كاملاً في اعادة نهوض هذا البلد الغالي علينا جميعاً، وبالاخص على المستويين الاقتصادي والمصرفي – المالي.


واعتقد ان اعضاء الاتحاد الذين يربو عددهم على 300 مؤسسة مصرفية ومالية سيكون لبعضهم اسهامات موازية، سنسعى الى صياغتها وتظهيرها بالتعاون مع الاخوة العراقيين . ولا يسعني في هذه العجالة إلا أن اشير الى أن تطوير النظام المصرفي العراقي هو المدخل الى تحقيق النمو الإقتصادي في العراق.   ولعل التجربة اللبنانية تشكل مثالا" مذهلا" لما يمكن أن يفعله القطاع المصرفي على هذا الصعيد، ولست أغالي القول بأن مصارف لبنان شكلت على مدى السنوات الماضية قاطرة النمو الإقتصادي، فبعد حرب دامت 15 عاما" وكانت في كثير من ظروفها مشابهة أو أسوأ من الظروف التي مر بها العراق في الأمس واليوم، إن لجهة تدمير البنية التحتية، والأسواق التجارية، وإدارات الخدمات العامة، وإنهيار المؤسسات الدستورية، وفي ظل تحديات لا توصف، أعاد القطاع المصرفي اللبناني تحديث نفسه، في ظل سلطة نقدية كفؤة، فأدخل أحدث التقنيات المصرفية الى اعماله، وكان المدير والممول والمساهم والمستشار في أنشطة رئيسية للصناعة والتجارة والزراعة والخدمات. كما نجح من خلال التمويل المياشر وعقد إتفاقات لخطوط تمويل مع مؤسسات عربية ودولية من توسيع إمكاناته وتعزيز خطوط التعامل المالي مع لبنان.

أما لجهة المعطيات والأرقام، فقد حقق القطاع المصرفي اللبناني نتائج باهرة.  وتشير الإحصاءات للفترة بين 1992-2003 الى أن مجموع موجودات القطاع المصرفي إرتفع من 8.5 مليار دولار عام 1992 الى حوالي 60 مليار دولار عام 2003، حيث أصبح حجم تلك الموجودات يفوق ثلاثة أضعاف الناتج المحلي، وهي نسبة فريدة من نوعها في المنطقة، ويندر وجودها في العالم.  كما قارب معدل الملاءة الوسطي للقطاع المصرفي 20% علما" أن المعدل المطلوب عملا" بإتفاقية بازل 8%، كما بلغ معدل السيولة حوالي 40% وهو معدل مرتفع وفقا" للمعايير الدولية.

كما بقي القطاع المصرفي المموّل الرئيسي للإقتصاد اللبناني بقطاعيه الخاص والعام.  ففي نهاية العام 2003، بلغ مجموع التسليفات للقطاع الخاص المقيم (14.9 مليار دولار)، فيما بلغ إجمالي التسليفات للقطاع العام  (13.9 مليار دولار).

بين ما جرى في العراق من حروب وتداعيات، وما يشهده لبنان من عودة قوية الى دائرة الضوء وعودة بيروت كمركز مالي متقدم في المنطقة، ثمة دروس مستفادة يفهمها اللبنانيون جيداً بفعل ما عانوه في الربع الاخير من القرن الماضي، من حروب عسكرية ومن حروب لاعادة الاعمار، لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم.  ونحن، على ثقة تامة، بان اخوتنا في العراق يدركون جيداً كيفية خلاصهم من محنتهم بدعم وتأييد العرب والعالم، ونحن نعول كثيراً على المجتمع العراقي بما يختزنه من كفاءات وخبرات علمية ، وهي الثروة الاهم المولجة بتولي الدور الريادي في البناء والاعمار، ونقول ايضاً بأن الشعب العراقي هو صاحب الحق الوحيد في تقرير نظامه السياسي والاقتصادي بما يجنب العراق من أن يتحول بكافة سماته البشرية والتاريخية والجيوستراتيجية متنفسا" للتعبير عن إحتقانات التاريخ وعوارض السياسة في المنطقة. إن للعراقيين علينا حق المصارحة والنصيحة الصادقة ونحن نقول لهم: استفيدوا من محن وتجارب الآخرين ولا تخشوا الحرية والانفتاح فهما السبيل الاقرب الى التقدم، ولا تخافوا على اقتصادكم من الارتهان، فالحرية الاقتصادية تسمح بالمنافسة وتدفع بالمؤسسات الوطنية الى تحسين إدائها مما ينعكس إيجابا" عليها وعلى الإقتصاد الوطني.  إن فجرا" جديدا" يبزغ أمام العراق وإننا جميعا" متطلعون الى أن تجتاحه نفحة كبيرة من زخم الحياة،
 وشـــكـــرا".

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close