Source: مجالات التعاون المصرفي بين المملكة العربية السعودية ولبنان | 22 February 2004 | Country: Al Riad, KSA

كلمة الدكتور جوزف طربيه رئيس مجلس إدارة الإعتماد اللبناني ش.م.ل. رئيس جمعية مصارف لبنان رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية في الملتقى السعودي اللبناني

 

 


كلمة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس مجلس إدارة الإعتماد اللبناني ش.م.ل.
رئيس جمعية مصارف لبنان
رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية

في الملتقى السعودي اللبناني
الذي تنظمه
مجموعة الإقتصاد والأعمال

"مجالات التعاون المصرفي بين المملكة العربية السعودية ولبنان"

 

الرياض 22-23 فبراير 2004
قاعة الملك فيصل للمؤتمرات


 

إنه لمن دواعي السرور والإعتزاز أن اشارك في هذا الملتقى اللبناني السعودي لهذه النخبة المتميزة من قيادات القطاعين العام والخاص في البلدين العزيزين، والذي يعقد في الرياض تحت الرعاية الكريمة لصاحب السمو الأمير سلمان بن عبد العزيز والحضور المميز لدولة الرئيس رفيق الحريري.


اسمحوا لي بداية أن اضم صوتي للتأكيد على المعاني القيمة والإيجابية لتاريخ وطبيعة العلاقات بين لبنان والمملكة كما ورد في كلمات جلسة الافتتاح.  وأكتفي بالإشارة، في السياق العام، الى البعد العاطفي والانساني المعبر عنه بالمكانة الخاصة للبنان لدى أبناء المملكة التي يقابلها اللبنانيون بكل التقدير والوفاء وهذا البعد يشكل ركيزة أساسية موازية في الاهمية لركيزة المصالح المشتركة في تنمية مجمل الروابط القائمة.


ايها السادة ،

في سياق هذه التوجهات، يشكل التعاون في مجال الخدمات المصرفية والمالية احد الاعمدة المهمة للتعاون الاقتصادي اللبناني السعودي، وقد استعاد خلال العقد الماضي ، كثيراً من وهجه الذي عرفه قبل الحروب المشؤومة في لبنان، وعاد ليحتل موقعاً متقدماً على لائحة اهتمامات المستثمرين والمتمولين والمؤسسات المصرفية والمالية ، مدفوعاً بعمق العلاقات بين البلدين ، وبالتطورات الهائلة في الصناعة المالية وفي التكنولوجية، وبتصاعد الحاجة الى تمتين المواقع الاقليمية لمجاراة زحف موجة العولمة وتأمين الانخراط فيها على قاعدة تحقيق افضل المكاسب ودرء الحد الاقصى من المخاطر والانعكاسات.

ولقد واكب القطاع المصرفي اللبناني هذه التوجهات من ضمن سلسلة التحديات الداخلية والخارجية التي واجهته خلال الاحداث وبعدها فسعى الى استعادة  موقعه في الخريطة المصرفية الاقليمية، ودوره في اعادة بيروت مركزاً مالياً ومصرفياً متقدماً في المنطقة،  عبر عملية شاملة تكاملت من خلالها جهود اعادة الهيكلة، مع الخيارات الاستراتيجية للنمو والتوسع، وفق المواصفات والمعايير الاعلى للصناعة المصرفية الحديثة معتمداً على قدرات وكفاءات بشرية تمرست باعمال الصيرفة وادارة الاموال في لبنان والخارج.

وقد واكبت عملية اعادة الهيكلة والتطوير في القطاعين المالي والمصرفي ورشة مكملة وموازية في تحديث البنية القانونية، فصدرت حزمة من القوانين الجديدة، وتعديلات مهمة وجوهرية على قوانين سابقة، مترافقة مع مجموعة اجراءات وتدابير، جاءت على شكل تعاميم وقرارات أصدرها مصرف لبنان المركزي ضمن صلاحياته بموجب قانون النقد والتسليف، ليصب كل ذلك في تحسين عوامل الجذب الاستثمارية وايجاد عوامل جديدة محفزة للاستثمار، ورسم اطار ملائم لاقتصاد لبنان ودوره المتجدد في المحيط الاقليمي .


فعلى الصعيد النقدي، إستمرّت سياسة الإستقرار النقدي نتيجة الثقة التي خلفها نجاح مؤتمر باريس-2 وتزايد الطلب على الإيداع بالليرة اللبنانية مما سمح لمصرف لبنان أن يتدخل شاريا" الدولار الأميركي معززا" بذلك إحتياطاته بالعملات الأجنبية التي بلغت مستويات قياسية لم يشهدها في السابق وفاقت 12 مليار دولار أميركي في نهاية العام 2003.  كما سمحت السياسة النقدية المتّبعة بإحتواء إرتفاع مؤشر أسعار الإستهلاك الذي قاربت نسبتُه 2.2% في العام 2003 مقارنة بمعدل 3.7% في نهاية العام السابق، وذلك على الرغم من تطبيق الضريبة على القيمة المضافة (نسبتها 10%).

كما تراجعت معدّلات الفائدة على جميع فئات سندات الخزينة بالليرة اللبنانية وجميع فئات شهادات الإيداع الى مستويات دنيا لم يشهدها لبنان في السنوات السابقة بحيث تراوحت بين حدود 5.47% لثلاثة أشهر و8.70% لثلاث سنوات.  ويعكس ذلك تعاظم الثقة بالعملة الوطنية كأداة للتوظيف نتيجة الإيجابيات التي نتجت عن مؤتمر باريس-2 وما تبعه من تعزيز لقدرات المصرف المركزي المالية.

أمّا على الصعيد المصرفي، فقد إنخفض عدد المصارف العاملة في لبنان إلى 61 مصرفا" في نهاية العام 2003 (63 مصرفا" في العام 2002) موزّعة على 51 مصرفا" مساهما" لبنانيا" و10 مصارف عربية وأجنبية، مما يؤكّد إستمرار التوجه نحو إعادة هيكلة القطاع المصرفي بحيث تسعى السلطات النقدية الى إعادة العمل بقانون الدمج الذي يعطي حوافز مالية وضريبية للمصارف ويساعد على تقليص عددها بشكل جذري مما يسمح بإنسحاب المصارف الضعيفة الغير قادرة على مجاراة متطلبات الصناعة المصرفية العالمية وبإنشاء وحدات مصرفية قوية قادرة على المنافسة ومواجهة متطلبات السوق.  تجدر الإشارة إلى أن المصارف اللبنانية تضمّ عددا" كبيرا" من المساهمين العرب والأجانب.

اما لجهة المعطيات والارقام، فقد حقق التطوير المنهجي في بنية القطاع المصرفي اللبناني وهيكليته  خلال العقد الماضي، نتائج باهرة ، في مقاييس قوة المركز المالي ومعدلات النمو والتوسعات الافقية والعمودية في الاسواق الداخلية والخارجية، وفي تركيبة وتشكيلة الخدمات والمنتجات التي يوفرها. وحسب احصاءاتنا للفترة 1992 – 2003 فان مجموع موجودات القطاع المصرفي إرتفع من 8.5 مليار دولار عام 1992 الى حوالي 60 مليار دولار عام 2003، حيث أصبح حجم تلك الموجودات يفوق ثلاثة أضعاف الناتج المحلي، وهي نسبة فريدة من نوعها في المنطقة، ويندر وجودها في العالم.  كما قارب معدل الملاءة الوسطي للقطاع المصرفي 20% علما" أن المعدل المطلوب محليا" هو 12% والمعدل المطلوب عملا" بإتفاقية بازل 8%، كما بلغ معدل السيولة حوالي 40% وهو معدل مرتفع وفقا" للمعايير الدولية.

كما تسارعت وتيرة نمو الودائع المصرفية خلال العام 2003 وهو مؤشّر إلى نمو المدّخرات، إذ ازدادت بنسبة 13.7% أي بحوالي ضعفي نسبة الإرتفاع المسجلة في العام 2002، وتراجع معدّل دولرتها إلى 66.2% مقارنة بمعدل 69.4% في نهاية العام 2002 نتيجة إستمرار التحاويل من العملات الأجنبية الى الليرة اللبنانية.

كما بقي القطاع المصرفي المموّل الرئيسي للإقتصاد اللبناني بقطاعيه الخاص والعام.  ففي نهاية العام 2003، بلغ مجموع التسليفات للقطاع الخاص المقيم 22507 مليارات ل.ل. (14.9 مليار دولار)، فيما بلغ إجمالي التسليفات للقطاع العام 21006 مليار ل.ل. (13.9 مليار دولار).

ويطرح موضوع تسليف المصارف للدولة اللبنانية تساؤلات عن حجم هذا التسليف ومخاطره على المصارف في ظل تدني التصنيف الإئتماني السيادي للبنان؛ وعلى هذا الصعيد نشير الى أن حجم إقراض المصارف للدولة اللبنانية يبلغ حوالي 23% من الميزانية المجمعة للمصارف، وهو ما يعادل نمو الموجودات المصرفية لمدة 18 شهرا" وفقا" للمعدلات الحالية لنمو هذه الموجودات؛ وبالتالي فإن المصارف تضع سقوفا" مدروسة بالنسبة لإقراضها للدولة، وهو ما تتبعه بالنسبة لتسليفها لكافة القطاعات الإقتصادية في لبنان.

كما تجدر الإشارة الى أن المصارف حققت من إقراضها للدولة في السنوات العشر الأخيرة جزءا" كبيرا" من أرباحها، ناهيك عن جاذبية أوراق الدين اللبنانية حيث تباع سندات الخزينة اللبنانية حاليا" بأعلى من قيمتها الإسمية محققة لحامليها أرباحا" رأسمالية، كما نشير الى أن إقراض الدولة اللبنانية قد إستعمل جزء غير يسير منه في تمويل إعادة الإعمار وتحديث البنية التحتية مما إنعكس بصورة إيجابية على الإقتصاد اللبناني، وبالتالي أفادت منه المصارف التي هي جزء أساسي من هذا الإقتصاد.وفي تناولنا للنشاط المصرفي في لبنان، يجدر بنا أن نتوقف عند آخر مستجداته وهي التالية:

اولاً : حسم النقاش في موضوع اصدار قانون خاص لتنظيم العمليات المصرفية والمالية الاسلامية عبر تعاون مثمر بين مصرف لبنان المركزي وجمعية مصارف لبنان في مرحلة اولى، ومع وزارة المال واللجان المختصة في مجلس النواب في مرحلة ثانية. وفي تقديرنا ، ان هذا القانون سيكسب البنية القانونية المصرفية المالية بعداً حيوياً اضافياً والسوق اللبناني نافذة مهمة لاستقطاب رساميل واستثمارات جديدة ، مع الاشارة الى ان العمليات المالية الملتزمة الشريعة الاسلامية كانت متاحة عبر قانون العقود الائتمانية الصادر قبل اعوام عدة.

ثانياً : عالج القطاع المصرفي بمسؤولية ذات ابعاد قانونية ودولية مشكلة الودائع الرسمية العراقية من دون التخلي عن اي من المبادئ التي تنظم العلاقة بين المصرف والعميل،  ومن دون الرضوخ ايضاً لأي تدخل لا يتوافق مع النظام المصرفي، وعلى الرغم ان المصارف اللبنانية لم تواجه وضعاً مماثلاً في السابق، فان التزامها القوانين المرعية الاجراء والتحامها المتنامي مع المعايير والمواصفات الدولية أتاحا لها سلوك الخيار الامثل للمعالجة، وهذا ما لاقى تفهم وتقدير المراقبين والمتابعين في الداخل والخارج، بمن فيهم الجانب المعني اي الجانب العراقي – الذي اشاد بمبادرة
المصارف اللبنانية في المحافظة على هذه الودائع واعتبارها حقاً مطلقاً للشعب العراقي وعدم السماح بأي تصرف بشأنها إلا من من خلال مرجعية بديلة من الناحية القانونية والرسمية.

ثالثاً : كان للتعاون بين المصرف المركزي وجمعية المصارف في لبنان دورا" كبيرا" في اعادة هيكلة وتنقية القطاع المصرفي، خلال العقد الماضي. وكان من جملة نتائجه شطب 26 رخصة مصرفية مع تسديد كامل الودائع وتغطية كامل الالتزامات إزاء الغير، ولم يشذ عن هذه القاعدة أي من الحالات الطارئة بما فيها قضية بنك المدينة التي تشكل بفصولها حالة معزولة في القطاع المصرفي اللبناني.

وفي موازاة هذه المحطات واصلت المصارف اللبنانية ، بما تتمتع به من قوة في المركز المالي والتزامها المعايير الفنية والمحاسبية الدولية،  تنمية تعزيز حضورها الاقليمي والدولي، فدخلت  مباشرة الى اسواق جديدة ووسعت من اعمالها في اسواقها السابقة والتقليدية كما كثفت إصداراتها للصكوك والاوراق المالية التي تلاقي قبولاً ورواجاً في اسواق المنطقة والعالم، وتحقق لحامليها عوائد ذات مخاطر مقبولة وتحقق لمصدريها مصادر تمويل اضافية، تم ضخ حصيلتها في الاقتصاد الوطني وفي توسيع العمليات والانشطة في اتجاه آفاق جديدة تساهم بدورها في تحفيز النمو الإقتصادي وتأمين استمراريته، كما نوعت المصارف من محافظ اوراقها لتصدر شهادات الايداع العمومية وسندات اليوروبندز ، وايصالات الايداع العمومية وسندات الدين المرؤوسة والاسهم التفضيلية، ضمن عمليات هندسة مالية حديثة جذبت مساهمات ومشاركات خارجية مباشرة وغير مباشرة وخصوصاً خليجية وسعودية، ساهمت في رسملة بعض المصارف اللبنانية، الى جانب الاستثمارات المباشرة في ملكية كثير من المصارف او في انشاء مصارف تابعة .

وتعلمون بلا شك، ان لبنان ينفرد بنظام مصرفي متكامل يقوم على مبدأ السرية المصرفية الذي صدر قانونه عام 1956، وقد تم تحديثه وجعله اكثر مواءمة وانفتاحاً على تطورات الصناعة المصرفية عبر مجموعة مستمرة من الضوابط والاجراءات التي يصوغها المصرف المركزي بالتعاون مع جمعية مصارف لبنان .

كذلك  تم تعزيز الاجراءات الاحترازية عبر القانون الرقم 318  الذي استجاب لقناعة اللبنانيين ورغبتهم بأن تكون مؤسساتهم المالية والمصرفية مركزاً لاستقطاب الأموال المشروعة . وفي الواقع فان هذا القانون الذي حدد مفهوم الاموال غير المشروعة وآلية مكافحتها لم يمس مطلقاً جوهر السرية المصرفية التي تبقى العنوان الاطار لعلاقة المتعاملين العاديين مع المصارف افراداً ومؤسسات.

وفي خط موازٍ، تنوعت مجموعة القوانين الجديدة الصادرة والهادفة الى تعزيز المركز المالي والمصرفي للبنان ، بين قوانين تحاكي تطوير الاسواق المالية وقوانين جاذبة للاستثمارات والتوظيفات في هذه الاسواق وفي رسملة المؤسسات العاملة. فصدر قانون تطوير الاسواق وقانون العقود الائتمانية الذي يسمح بعمليات تمويل خاصة بما فيها العمليات التي تتوافق مع الشريعة الاسلامية والقانون الخاص بانشاء شركات التمويل التأجيري، وقانون الوساطة المالية الذي ينظم المهنة على وجه يؤمن حقوق واموال المتعاملين وقانون انشاء الوديع المركزي ( ميدكلير) وقانون انشاء المؤسسة العربية للتقاص لتسوية المعاملات المالية المجراة من خلال البورصات العربية، وقانون تنظيم فتح حسابات للصكوك المالية والقيم المنقولة لحامله عبر المصارف والمؤسسات المالية. والقانون الخاص بتنظيم تداول اسهم المصارف وتملكها لغير اللبنانيين دون موافقة مسبقة بنسبة 5 في المئة، تخضع بعدها لرأي المجلس المركزي في مصرف لبنان. وأخيراً وليس آخراً القانون الخاص بانشاء حساب لادارة الدين العام وخدمته وتخفيضه.

 

ايها السادة،

لقد سعيت من خلال هذا التوصيف الموجز والعاجل للمحطات الجديدة ولواقع بنية القطاع المصرفي في لبنان ان اؤكد على الخيارات الاستراتيجية التي يسلكها هذا القطاع وهي موضع اهتمام الاشقاء والاصدقاء كما انها موضع متابعة وترحيب لدى مؤسسات دولية مرموقة يتقدمها، صندوق النقد الدولي، الذي اشاد مراراً بقوة وحيوية المؤسسات المصرفية اللبنانية وقدرتها على اجتذاب الاستثمارات وحسن ادارتها لمخاطر ومحاذير السوق المحلي، كذلك الامر بالنسبة لمؤسسات التصنيف الدولية التي تمنح المصارف اللبنانية درجات تفوق التصنيف السيادي خلافاً للقاعدة المعتمدة لديها، ووفق هذه التوجهات الاهداف ، فاننا نتطلع الى تنمية التعاون التاريخي في مجال الخدمات المالية والمصرفية بين لبنان والمملكة العربية السعودية وتحويله نوعاً من الشراكة الاستراتيجية المتعددة الخيارات،  سواء بين المؤسسات  مباشرة او بينها وبين المستثمرين والمتمولين او عبر الانشطة والخدمات والعمليات في الاسواق الوطنية وخارجها.

ونحن اذ نعتز بالمكانة المرموقة التي بلغها القطاع المصرفي السعودي على الصعيدين العربي والدولي، وتنامي قدرات مؤسساته في اجتذاب المدخرات الوطنية واعادة ضخها تمويلاً وخدمات في الاقتصاد المحلي، نعتز ايضاً بالثقة الكبيرة والغالية التي يحوزها القطاع المصرفي اللبناني ومؤسساته لدى
المستثمرين السعوديين والتي تجلت بابهى صورها في اوقات الازمات والايام الصعبة فلم يترددوا او يتراجعوا وتعاملوا مع الواقع اللبناني كما عرفوه واختبروه مباشرة، فحصدوا في المقابل مردوداً جيداً ومستقراً لاستثماراتهم مقروناً بمحبة وصداقة اللبنانيين .

ولعل هذا التناغم الفريد بين العوامل الموضوعية المتمثلة باهلية وكفاءة القطاعات المصرفية والمالية والعوامل الانسانية المتمثلة بالاحترام والثقة المتبادلين  وبتموضع لبنان الخاص في قلوب السعوديين واستعادته تباعاً لدوره كمركز مفضل لديهم لسياحتهم واصطيافهم وتعليمهم واعمالهم، يدفعنا الى القول  بان التعاون القائم حالياً في مجال الخدمات المصرفية والمالية محدود ولا يعبر عن الصورة الحقيقية لطبيعة العلاقات القائمة وافاق تطورها. وما قصدته بالشراكة الاستراتيجية المطلوبة يصب في هذا الاتجاه، سواء بالتملك او بالمشاركة او بالتمويل والاستثمار وفي تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والمشاريع المشتركة بين البلدين، وفي محيطهما الجغرافي عبر منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وموقع لبنان كصلة وصل بين الشرق والغرب، واتفاقاته الخارجية وآخرها ابرام اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي.

واذ اترك لزملائي السعوديين الحديث عن مزايا الاستثمار في المملكة ورؤيتهم لتطوير التعاون، اود التذكير فقط بالعناوين الاساسية لمجالات التعاون المستقبلي في المجالات المصرفية والمالية واهمها:

- ان لبنان بمزاياه الاستثمارية ، وبقطاعه المصرفي المتطور، يمكن ان يتقدم الى مواقع افضل على لائحة الدول المختارة لاجتذاب الاستثمارات السعودية خصوصاً بعد التحولات الايجابية التي شهدها الاقتصاد الوطني بعد مؤتمر باريس 2 .

- لقد حقق لبنان بقطاعه المصرفي والمالي حضوراً قوياً في الاسواق المالية الدولية خلال السنوات الماضية، واكتسب خبرات مميزة في عمليات اسواق الرساميل وباتت مؤسساته مؤهلة للعب دور وساطة مالية بمواصفات عالية لمصلحة الحكومات والمؤسسات في المنطقة. وسيكتسب هذا الدور، بلا شك، قيمة مضافة كبيرة، من خلال الشراكات او التحالفات مع المؤسسات السعودية التي تتمتع بامكانات تمويلية كبيرة.

- ان وجود جالية لبنانية كبيرة ودائمة في سوق العمل السعودي يزيد عددها عن 150 الفاً ، ووجود نحو 150 الف سائح سعودي في لبنان سنويا اضافة الى الاعداد الكبيرة للحجاج والمعتمرين اللبنانيين، يشكل قاعدة مثلى لتعاون متكامل يلبي الاحتياجات الحالية والمستقبلية لهذه الشريحة المتميزة من العملاء، عبر قنوات مالية متطورة يكون عمادها التكنولوجيا الحديثة التي يمكن ان تختصر مجمل الخدمات والمنتجات المطلوبة عبر بطاقة الكترونية او خدمة الانترنت المصرفي .

- يخوض لبنان حالياً ولسنوات عدة مقبلة ورشة متكاملة للتخصيص والتسنيد ، مما سيوفر فرصاً كبيرة  للتمويل والاستثمار. والمصارف اللبنانية حاضرة بقوة، بما تملكه من كفاءات علمية وخبرات وامكانات لتكون الاداة والقناة الفاعلة لتأمين التواصل الايجابي بين المستثمر وهذه المشاريع. وفي امكانها عبر وحداتها الاستثمارية التابعة ، ان تتولى الدور الاستشاري لتوجيه هذه الاستثمارت وتحديد حجمها وتوقيتها لتعطي افضل مردود ممكن.


- لقد اظهرت التجربة المستدامة، ان الاوراق المالية اللبنانية الحكومية والخاصة، كانت من الادوات الاستثمارية المجدية والاكثر ربحية في السنوات الاخيرة. وخصوصاً بعد الارباكات والتداعيات التي شهدتها الاسواق المالية العالمية وانخفاض مردود الودائع في الخارج الى ادنى المستويات . ونحن اذ نقدر ان عامل الربحية لم يكن الحافز الوحيد لدى الاخوة السعوديين لشراء وحيازة الاوراق المالية اللبنانية ، نقدر ايضاً نتائج قراراتهم بالاستثمار تجاوزت توقعاتهم لجهة النجاح والمردود المحقق بدليل التحسن الكبير الذي شهدته اسعار هذه الاوراق في السنة الماضية اضافة الى عوائدها المجدية. ونعتقد بان هذا الاستثمار قابل للتفعيل والزيادة سيما في ظل التنويع الذي اعتمدته المصارف اللبنانية في طبيعة هذه الاوراق ومردودها.

- ان قوة القطاع المصرفي اللبناني وملاءته العالية وتطور ادواته وقنوات اعماله وانشطته، وتناغمها مع متانة وقوة القطاع المصرفي السعودي وامكاناته الكبيرة للتمويل، تزيد من عمليات تمويل المشاريع المشتركة في مختلف اوجه النشاط والتعاون الاقتصادية. وبالاخص في مجال التبادل التجاري والمشاريع السكنية والاعمارية والسياحية والتعليمية والصحية وسواها.

 

ايها السادة،

خلاصة القول، ان فرص تعزيز التعاون متوافرة والارادة متوافرة ومؤسساتنا مؤهلة تماماً لتحويل هذه الفرص مشاريع حقيقية ، وفي اعتقادي ان القطاع الخاص في البلدين يجب ان يطور آليات التعاون لتكون في مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة بين حكومتي البلدين وشعبيهما.

وشكراً لاصغائكم.

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close