Source: تكريم نواب حاكم مصرف لبنان الجدد | 25 October 2003 | Country: Beirut, Lebanon

تكريم نواب حاكم مصرف لبنان الجدد

سعادة حاكم مصرف لبنان ونوابه الأكارم
أصحاب السعادة رئيس واعضاء لجنة الرقابة على المصارف
أيها الزملاء الأفاضل

 يسرني بإسمي الشخصي وباسم مجلس ادارة الجمعية وباسم جميع المصارف العاملة في لبنان أن نقيم هذا الغداء التكريمي بمناسبة تعيين السادة نواب الحاكم الجدد، لتهنئتهم على تولّيهم هذه المسؤولية وللإعراب لهم عن استعداد الأسرة المصرفية اللبنانية للتعاون التام معهم، كفريق عمل، برئاسة سعادة الحاكم، وكأفراد من خلال اللجان التي سيتولّون رئاستها من أجل متابعة تطوير وتحديث القطاعين المالي والمصرفي في لبنان.

 لقد حقَّق مصرف لبنان، بقيادة سعادة الحاكم، العديد من المنجزات، وفي مقدمها الاستقرار النقدي الذي أدى الى تعزيز مكانة القطاع المصرفي ودعم صمود الاقتصاد الوطني ونهوضه. وقد اتّخذت الحاكمية في السنوات الأخيرة العديد من الخيارات الهامة التي شكّلت معالم سياسة نقدية واضحة وجريئة في ظروف محلية واقليمية ودولية غير مستقرة وغير مشجّعة. كما شارك مصرف لبنان في وضع مشاريع قوانين وإعداد أنظمة رامية الى تحديث التشريعات والتنظيمات المالية والمصرفية، تيسيراً لعصرنة اداء مؤسساتنا المصرفية وتعزيزاً لمكانتها ومتانتها، في الداخل والخارج.

 أيها السادة،
 لقد عملنا مع الحاكم ونوابه ومع رئيس لجنة الرقابة على المصارف وأعضائها على ملفات عديـدة كـان الغرض منها دوماً تنقية القطاع المصرفي من الشوائب التي لحقت به خلال الحرب، وتطوير هذا القطاع وتنميته وتحصينه والسعي الى الارتقاء بأدائه لمواكبة المقاييس المعتمدة في الصناعة المصرفية العالمية، خصوصاً فـي مجـال معدلات الملاءة وكفاية الرساميل ومعايير السيولة وأمان انظمة الدفع ونظم العمل واجراءاته، وفي الرقابة والتدقيق وادارة المخاطر، وأخيراً، في مجال شروط الإقراض والتسليف وقواعد تصنيفها وتكوين المؤونات الكافية عليها وأسس التعامل مع الضمانات العينية المتملَّكة استيفاءً لديون والاقراض للجهات المقرَّبة واقراض المجموعات الكبيرة، كما في مجال قواعد المحاسبة والافصاح والتصريح والنشر وكل ما يدعم مقتضيات الشفافية. إن من يتطلَّع الى مسيرة السنوات العشر الأخيرة من التعاون المستمر والبنّاء بين الجمعية وادارات المصارف، من جهة، ومصرف لبنان ولجنة الرقابة، من جهة ثانية، يمكنه أن يقيس بوضوح اتساع وعمق المدى الذي بلغته ورشة تحديث وتطوير الصناعة المصرفية في لبنان على الأصعدة كافة، القانونية والادارية والتنظيمية والتقنية والبشرية. فقد بات قطاعنا المصرفي مؤهَّلاً ليس فقط لخدمة متطلبات الاقتصاد الوطني بل وكذلك لتوفير مروحة واسعة من الخدمات المصرفية والمالية لقاعدة عملائنا في الداخل وفي الخارج. كما بات قطاعنا بفعل هذه الورشة الكبرى مؤهَّلاً لإحداث انطلاقة واعدة وواثقة باتجاه الأسواق المصرفية للدول الشقيقة المجاورة كما هي الحال اليوم بالنسبة الى أسواق سوريا والأردن، وغداً إن شاء الله في العراق. إن توسيع السوق المصرفية باتجاه الخارج بات ضرورة ملحّة لتثمير الجهود المبذولة وللاستمرار في معدلات ربحية متناسبة مع رساميلنا ومع القدرات والإمكانات التي طوّرناها معاً .

ننطلق في هذا التوسع مرتكزين الى أرضية صلبة من الصدقية والمهنية والخبرة والعراقة المكتسبة على امتداد عقود طويلة من العمل المصرفي في لبنان ومع منطقتنا العربية وجالياتنا اللبنانية المنتشرة في كل أصقاع العالم. لقد وفّينا بالأمس القريب والبعيد تجـاه عملائنا في الداخل والخارج، أفراداً ومؤسساتٍ، بالتزاماتنا في خلال أحلك وأصعب أوقات الحرب في لبنان. وسنفي طبعاً بالتزاماتنا اليوم كما بالأمس. فحق المودع بوديعته مقدس لدينا وفوري، والوديعة لدينا غير قابلة لأي تجميد او مصادرة او مساءَلة إلاّ في اطار قانون مكافحة تبييض الأموال.
 
 ايهــا السيـدات والسـادة ،
 ونحن اليوم نعلن تكراراً استعدادنا التام لتحمّل التبعات التي يفرضها علينا موقعنا الريادي والمحوري في الحياة الاقتصادية اللبنانية. لكننا نؤكّد، في الوقت نفسه، أن قطاعنا الذي يعي تماماً مسؤولياته الوطنية والذي لم يتوانَ يوماً عن الاضطلاع بها، لا يمكن أن يحمل وحده أعباء خسائر القطاع الخاص وعجوزات القطاع العام، وهو بصورة خاصة يطلب بأن يجري القطاع العام التصحيح المالي المطلوب وفي طليعته معالجة مشكلة المالية العامة للدولة التي باتت تتطلب برنامجا" متكاملا" للإصلاح الجذري الاقتصادي والمالي.  إننا نطالب بأن تكمل الدولة تطبيق لائحة الإصلاحات التي التزمت بها في مؤتمر باريس، والتي دعمها المجتمع الدولي ومصرف لبنان، ودعمناها نحن كقطاع مصرفي بقوة وزخم غير مسبوقين بقرض دون فائدة بلغ ثلاثة مليارات وستماية مليون دولار اميركي. ولقد تراجعت بفعل هذا الجهد الدولي وكذلك الداخلي ، معدلاتُ الفوائد على اجمالي كتلة الدين العام بالليرة والعملات من 12,5% الى 9,5% خلال الفترة الممتدة من تشرين الثاني 2002 الى آب 2003 مما يعني تراجعاً للفوائد بنسبة 25% بالمئة وتالياً تراجعاً في خدمة الدين بذات النسبة.كما سيسمح هذا الدعم للدولة خلال عام 2004 بأن تقترض لتغطية حاجاتها الجديدة المترتبة على العجز في الموازنة والخزينة بمعدلات فوائد أدنى بكثير من تلك التي كانت قائمة عشية مؤتمر باريس – 2 .

إن اجمالي عبء المديونية المدرج في الموازنة بقيمة 4300 مليار ل.ل. كان سيصل الى 6400 مليار لولا مؤتمر باريس – 2 والدعم الكثيف الذي تبلور في ظله. فالوفر في خدمة الدين بلغ 28% في ادنى حد. وكان مفترضاً ان تباشر الدولة ضغط نفقاتها خارج خدمة الدين بما يوازي الخفض المحدث في خدمة الدين. ولكن، مع الأسف، ما حدث فعلاً هو ان النفقات خارج خدمة الدين في الميزانية والخزينة ازدادت بدل ان تتراجع !! فارتفع العجز بذلك بدلا" من أن ينخفض.

 وهكذا، فإن عدم ترجمة برنامج التصحيح المالي بمختلف أبعاده وتفرّعاته قد يؤدّي مستقبلاً الى انعكاسات سلبية ومؤلمة تطاول جميع شرائح المجتمع اللبناني. ان الاستمرار في انتفاخ القطاع العام بينما يتقلص القطاع الخاص فهو منحى خطير نحذر بقوة من عواقبه. وسندفع ثمنه جميعاً بغض النظر عن انتماءاتنا السياسية او اوضاعنا الاجتماعية او مواقعنا الاقتصادية والمالية . لأجل ذلك، تضمّ الجمعية صوتها الى أصوات سائر الهيئات الاقتصادية في الدعوة الى ضرورة العودة الى تنفيذ الإلتزام ببرنامج التصحيح المالي وترجمة ذلك أولاً وبخاصة من خلال مشروع الموازنة. فالموازنة هي في الديمقراطيات التعبير الأكثر شمولية عن التوجهات العامة للسلطة السياسية في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.   كما أن الإيفاء بالالتزامات سمة بالغة الأهمية، وهي التي يسَّرت، على سبيل المثال، شطب اسم لبنان نهائياً عن لائحة البلدان قيد المتابعة والمراقبة من قبل مجموعة "غافي" لمكافحة عمليات تبييض الأموال. وقد جاء ذلك بعد أن تأكّدت مجموعة غافي من التطبيق السليم لمندرجات قانون مكافحة تبييض الأموال، إن لناحية هيئة التحقيق الخاصة او لناحية اجراءات ونظم العمل الداخلية في المصارف العاملة في لبنان. لقد رُفِعَ اسم لبنان العام الفائت عن لائحة الدول غير المتعاونة، بعد أن وضعت الحكومة وأقرّ المجلس النيابي التشريع المطلوب. وهو يُرفع اليوم عن لائحة الدول قيد المتابعة بفضل وضع القانون موضع التنفيذ السليم. هكذا انخرط لبنان، على صعيد السلطات السياسية والنقدية وادارات مصارف، في الجهود الدولية لمكافحة تبييض الأموال. ولقد كانت سياسة حكيمة، ونحن مستمرّون فيها لأنها في مصلحة البلد العليا.

 على صعيد آخر، وإذ نؤكّد حرصنا الكامل على أموال المودعين وعلى سلامة القطاع المصرفي في ظل المتطلبات المتزايدة التي تفرضها معايير الصناعة المصرفية الدولية، نعلن استعدادنا الصادق للتعاون معكم، يا سعادة الحاكم، ومع لجنة الرقابة، وصولاً الى رؤية موحَّدة للتعامل مع الديون التجارية غير المنتجة، من جهة، للإسراع في تسوية هذه الديون على قاعدة التعميم الذي صدر مؤخراً والتعديلات التي نأمل ادخالها عليه تطبيقا" للمعايير المحاسبية الدولية، ومن جهة ثانية، للاسراع في تنقية ميزانيات المصارف من هذه الديون. ونأمل نجاح مبادرتكم هذه بحيث تسمح ليس فقط بمجرّد تسوية الديون وتنقية الميزانيات على أهمية هذين الهدفين، بل وكذلك بإعطاء فرصة جديدة للمؤسسات المعنية لإعادة هيكلية ماليتها وادارتها، فتساهم مجدداً في النمو وفي خلق فرص العمل والمداخيل الحقيقية. إنه لتحدٍ لنا جميعاً، كسلطات نقدية ورقابية وكإدارات مصرفية وقطاعات اقتصادية. ونرجو أن تتكلّل هذه المبادرة بالنجاح.


 أيها السادة
 إن مسار التطوير والتحديث والانخراط في الأسواق الاقليمية والعالمية مسار لا ينتهي، لأنه، باختصار، مواكب للحياة الانسانية نفسها وجزء لا يتجزأ منها. من هنا إدراكنا لضرورة متابعة سلسلة الإنجازات التي تحققت في القطاعين المالي والمصرفي، ومن هنا ترحيبنا بالسادة نواب الحاكم الجدد منهم، عنينا الدكتور احمد الجشي والاستاذين مجيد جنبلاط وآلان باليان، والمستمر معنا، عنينا الدكتور مروان النصولي، ونعرب لهؤلاء جميعاً عن تهانينا الحارة وعن تطلعنا في جمعية المصارف الى مواصلة التعاون معهم من اجل التوفيق في تحقيق المهام الجليلة الآتية والمتمثلة اختصاراً في أربعٍ : الحفاظ على استقلالية البنك المركزي، وتدعيم متانة وسلامة الجهاز المصرفي، وإرساء سياسة نقدية مؤاتية للنمو الاقتصادي، وتوفير افضل الشروط لتمويل القطاعين العام والخاص من قبل القطاع المصرفي. لقد أخذت الابعاد النقدية والمالية مع العولمة أهمية كبيرة، وهي تأخذ في لبنان بشكل خاص أهمية أكبر مقارنةً مع حجم البلد وحجم اقتصاده، حتى نكاد نقول إن مستقبل لبنان بات مرتبطاً عضوياً بسلامة قطاعه المالي وحسن أداء مصرفه المركزي أكثر من أي وقت مضى ومن أي بلد آخر. هذا الصرح المتألق، الذي نشهد فيه انتقال الأمانة من يد الى يد ضمن الأطر المؤسساتية الراقية. ونحن على ثقة بأن الايادي  الجديدة التي تسلّمت الأمانة ستنهض بالمسيرة بكل العلم والعزم ووحدة الرأي والرؤية.  أخذ الله بيدكم وقوّاكم، فنحن وإيّاكم ماضون في ورشة تطوير وتحديث وتدعيم القطاع المصرفي والمالي، خناصر معقودة، وأيدي متشابكة في خدمة لبنان.
رئيس جمعية مصارف لبنان
             د. جوزف طربيه
 

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close