Source: Maronite League | 08 December 2012 | Country: Beirut, Lebanon

Speech of Dr. Joseph Torbey during the Seminar on “The Establishment of an Economic Zone in Batroun” - Beirut, Lebanon - December 08, 2012

كلمة الدكتور جوزف طربيه
رئيس الرابطة المارونية



في الندوة حول
 "إنشاء المنطقة الاقتصادية الحرّة في البترون"
رعية مار اسطفان- أبرشية البترون المارونية
 


 

ايها السيدات والسادة،

أرحب بكم في هذا الملتقى الذي يضمّ نخبة من أبناء البترون الغنية بتاريخها ورجالاتها الذي سطعوا كالأنجم الزهر في سماء الدين والدنيا.
أقف أمامكم، وتتسلسل أمام ناظري صبيحة هذا اليوم صوراً ولا أبهى عن هذه المنطقة التي تختصر التاريخ قديمه وحديثه، وتشهد عناقاً حميماً بين العراقة والحداثة، والتراث والمعاصرة، فتتشكل لوحة زاهية تتمازج فيها الالوان والظلال وتوغل عميقاً في ثنايا الذاكرة، بدءاً من مدفونها الذي مثلت عند جنباته الوقائع والاحداث التي ورد ذكرها في زجليّات ابن القلاعي، الى سيدة النورية الرابضة فوق رأس الشقعة، فكفرحي المستقّر الاول لمار يوحنا مارون مؤسّس الطائفة، حيث هامته المقدسة، الى حردين التي أطلعت نعمة الله كساب، وجربتا التي تحتضن رفقا الريس، وليس بعيداً منها الطوباوي اسطفان نعمة، صعوداً الى اللقلوق حيث عناق الذرى بين جبل لبنان وراسيّات الشمال، فأرز تنورين صنو أرز الربّ في القدم والبهاء.  في هذه المنطقة التي تنبجس من رحم أرضها المياه العذبة النقيّة كالبلوّر اللألاء، وتنتثر في ربوعها الأديرة كالكواكب المنيرة، تبرز القامات التي سطرّت في كتاب لبنان أروع الملاحم والصفحات. علماء مهّدوا لإنبعاث النهضة كالقولاوي. رهبان يتوثبون للقداسة كالحبيس انطون طربيه. وبطاركة لولا جهادهم ما كان للبنان الكبير أن يولد بعد مخاض طويل شابته المعاناة المصبوغة بدم الشهادة، كالحويك، كبير أحبارنا، المؤسّس لكياننا الوطني، وواضع اللبنة الاولى للدولة التي تفرّدت بسبق الديموقراطية والتعددية وقبول الآخر في شرق سادته التوتاليتاريات والاوتوقراطيات، عقوداً من الزمن. تطول السلسلة، ومعها يطول التعداد، لكن لا بد في هذه العجالة من تذكير من خانته الذاكرة بعظمة هذه المنطقة وأهميتها في تاريخ لبنان.
والسؤال الذي أطرح اليوم: هل أن البترون نالت نصيبها الذي يليق بعطاءاتها ودورها، من إهتمام الدولة وعنايتها؟ وأين هي من الإنماء المتوازن؟ وهل أن واقعها الراهن يعادل تاريخها؟ وهل يجوز أن تبقى على لائحة المناطق المحرومة، فتبقى قراها وبلداتها ضحية لهجرتين: هجرة الداخل وهجرة الخارج؟
إن هذه المنطقة تزخر بطاقات كبيرة أغنت القطاع التربوي الخاص والعام، وأثرت الادارة اللبنانية بقيادات عليا خلفت البصمات الحميدة، كما كانت وما زالت مقلعاً للكفايات التي تسلّمت أعلى المراتب في المؤسسات والشركات الخاصة. ولا بد من التصدي للتحدّيات التي تواجهها على غير صعيد للنهوض بها، ومحاولة ابتداع مشروعات تساعد على تحقيق هذه الغاية، وتوفر فرص عمل لأبنائها، فنوقف نزيف الأدمغة، ونشرع في تطبيق استراتيجية ربط الانسان بأرضه التي تضعها "الرابطة المارونية" مجلساً تنفيذياً ولجاناً في مقدّم اهتماماتها.
في خمسينيات القرن المنصرم شهدت بلدة شكا ومنطقتها وثبة صناعية أحدثت تحولاً في نمط حياتها فاستقطبت الآف اليد العاملة من قضاء البترون وما جاوره من أقضية. ونشأت صناعات ثقيلة ومتوسطة متقدمّة إنعكست إنتعاشاً اقتصادياً وتمدّداً عمرانياً، على الرغم مما خلّفت من مشكلات بيئية ينبغي أن تتضافر الارادات الطيبة لحلها. ولكن – ونظراً لاتساع الحاجة الى مشروعات جديدة تواكب العصر، وتلبي متطلبات التنمية المستدامة والنموّ- وجدنا أنه من الضروري بمكان أن يكون لمنطقة البترون مشروع رائد يعيد الحياة الى أوصالها، ويفتح أمام أبنائها آفاقاً جديدة، ويوفرّ للكثيرين منهم سبل العيش الكريم في أرضهم. ونكون بالتالي قد وضعنا الحجر الاساس لخطة تفضي الى تعزيز الدورة الإنمائية- الاقتصادية- الاجتماعية للمنطقة. وانطلاقاً مما تقدم فقد أعدّت "الرابطة المارونية" مشروع اقتراح بـ" إنشاء منطقة اقتصادية حرّة للتكنولوجيا المتقدمة" وأنه غاية هذا المشروع هو تفعيل المشروعات الاستثمارية في حقل التنكولوجيا المتقدمة والنشاطات المتفرعة عنها من إبتكارات وبرامج واستشارات وتطوير للتقنيات القائمة. وتستمعون لاحقاً الى شرح مفصل حول هذا الموضوع من الأمين العام للرابطة الاستاذ انطوان واكيم، والخبير الاقتصادي والمالي الاستاذ جو فضول اللذين سيكونان على استعداد للردّ على أسئلتكم واستفساراتكم وملاحظاتكم.
وبهذه المناسبة نتطلع الى تعاون وثيق من ممثل المنطقة في الحكومة ونوابها، وفاعلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهيئاتها الأهلية، من أجل احتضان المشروع والمساعدة على إنجازه، خصوصاً ما يتصل منه بالجانب التشريعي في المجلس النيابي، والجانب التنفيذي في مجلس الوزراء. وإننا لعلى ثقة بأنهم سيكونون الى جانبنا سنداً وعضداً، فهم أبناء هذه المنطقة، وقد فطروا على محبتها، ولم يدخروا يوماً أيّ جهد في متابعة قضاياها والسعي الى خدمتها في جميع المجالات. كما نعوّل على إحتضان الكنيسة لهذا المشروع، ونحن على يقين بأن نيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي سيرفدنا بكل أسباب الدعم والتأييد وكذلك مطران المنطقة سيادة المطران منير خير الله، من دون أن ننسى التعاون الدائم مع الرهبانيات المارونية عبر أديرتها الموجودة في منطقة البترون. كما أننا نأمل مساندة مرجعيات الطوائف المسيحية والإسلامية في المنطقة لمشروع "الرابطة" لأنه يتصل بالمصالح الحيوية لكل أبنائها على تنوع إنتماءاتهم، ويعكس صورة التعايش الرحب والسمح التي تتميّز به البترون.
إن منطقة البترون تستحق العناية والاهتمام... ومن حقها على الدولة اللبنانية بأن تحظى بنصيب وافر من الإنماء الذي يليق بتاريخها العظيم، ودورها الوطني الكبير. وواجبنا أن ننطلق الى العمل على قاعدة "كل بتروني خفير" لتحقيق المشروعات الطموحة التي تطاول الانسان في هذه البقعة العزيزة من لبنان. أرض القداسة والبطولة، ومقلع الرجال الرجال الذين لم يمرّوا على التاريخ مروراً عابراً، بل  نقشوا على جبينه آيات الإبداع والعطاء غير المحدود فداء لوطن الأرز الذي ترخص في سبيله كلّ التضحيات.

وفي الختام، أتمنى لإجتماع هذا اليوم أن يرسم الطريق لإنجاح مشروع حيوي لهذه المنطقة، لا بد من أن تتضامن المرجعيات في البترون وكل القوى الخيرة فيها لإنجاحه، وإنهم لفاعلون.

وشكراً.
 

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close