Source: World Union of Arab Bankers | 10 June 2014 | Country: Beirut, Lebanon

Speech of Dr. Joseph Torbey at BEC Conference: “ Banque du Liban after Half a Century”

Speech of Dr. Joseph Torbey at BEC Conference: “ Banque du Liban after Half a Century”

كلمة الدكتور جوزيف طربيه
رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس اللجنة التنفيذية في اتحاد المصارف العربية


في اللقاء المصرفي
"مصرف لبنان بعد نصف قرن"
بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيس مصرف لبنان

10 حزيران 2014  
فيرست بروتوكول
فندق فينيسيا – بيروت
أصحاب المعالي والسعادة،
سعادة حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامه
أيها الحضور الكريم،

تتوالى الاحتفالات هذا العام بمناسبة مرور 50 سنة على تأسيس مصرف لبنان، هذه المؤسسة التي تشكل علامة فارقة في حياة لبنان الاقتصادية، للأدوار التي لعبتها في تعزيز الدور المصرفي والمالي للبنان، وتأمين الاستقرار النقدي، واتباع سياسات ائتمانية ونقدية ساعدت في تحفيز النمو الاقتصادي، وتشجيع إعادة تكوين الطبقة الوسطى، والاستثمار في اقتصاد المعرفة والبيئة والتعليم والسكن، وغير ذلك من أوجه دعم قاطرة النمو والحداثة.

وفي رحلة الخمسين عاماً، ترك كل من الرجالات الذين تعاقبوا على ادارة المصرف المركزي، بصماتٍ طبعت مسار المؤسسة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذا الوطن.  

تأسس مصرف لبنان في عهد رئيس الجمهورية، اللواء فؤاد شهاب، الذي حمل شعار دولة المؤسسات، والذي شكل عهدُه علامة فارقة في تاريخ لبنان المعاصر، يعود الجميعُ إليها عند الحديث عن إمكانية نجاح التجربة اللبنانية في بناء الدولة.  وقد حرص الرئيسُ شهاب على تجهيز مصرف لبنان بقانون النقد والتسليف الذي أمـّن الإستقلالية الإدارية اللازمة والضرورية ليقوم المصرف بمهامه بعيداً عن المداخلة الحكومية والسياسية .  
كما واكب هذه المسيرة صدور تشريعات رؤيوية كان لها الأثر الحاسم في بروز لبنان كمركز مالي للمنطقة، أهمها صدور قانون السرية المصرفية وقانون الحساب المشترك.  وقد طمح واضعها العميد ريمون اده أن يصبح لبنان مصرف الدول العربية، خاصة في ظل موجات التأميم التي ضربت وقتها عدة دول عربية، فصادرت الأرزاق وهجّرت الودائع، التي قصد بعضها القطاع المصرفي اللبناني الذي ازدهر، بحيث وصل عدد المصارف الى 85 مصرفاً في العام 1962، منها 17 مصرفاً أجنبياً.
وقد تعاقب على حاكمية المصرف أفضلُ رجالات لبنان ممن كان لهم الدور الكبير في صنع الحياة الوطنية منذ الاستقلال، مما يستدعي إستذكارَ جليل أعمالهم، من فيليب تقلا، أحدِ أبرز الوجوه السياسية في عصره، إلى إلياس سركيس الذي كوّن الاحتياط الذهبي لمصرف لبنان، إلى ادمون نعيم الذي قاد مصرف لبنان في احلك ظروف الحرب الأهلية وأصبح صاحب القرار المالي في البلاد بعد إنقسام الحكم بين حكومتين، إلى الشيخ ميشال بشارة الخوري، إبن أول رئيس جمهورية للبنان بعد الاستقلال.
وأخيراً وليس آخراً، رياض سلامة، الحاكم منذ أكثر من عشرين سنة لمصرف لبنان، صاحب الهندسات المالية المبتكرة التي حمت لبنان من السقوط المالي والنقدي والاقتصادي، في وقت هزت العالم كوارث مالية طالت ارتداداتُها بلدان عظمى واقتصادات كبرى. هو العين الساهرة على حفظ الاستقرار المالي والمحافظة على ثروة لبنان واللبنانيين، المقيمين وغير المقيمين، عن طريق المحافظة على الثقة الداخلية والخارجية بالقطاع المصرفي التي أوصلت الودائع الى ما يزيد عن ثلاثة أضعاف الناتج المحلي.  وهذا ما استحق – بجدارة وحق - تكريمَه ومنحَه العديدَ من الجوائز محلياً واقليمياً ودولياً.  وغني عن القول ان القطاع المصرفي اللبناني لم يعرف استقراراً تاماً بعيداً عن الاهتزازات، الا منذ تسلم رياض سلامة الحاكمية التي حصّنها بحكمته، ونجح خلال ثلاث ولايات متتالية في تكريس نموذج خاص للسلطة النقدية، يجمع بين خصوصيات لبنان واقتصاده وبين الالتزام الصارم بالمعايير والمواصفات الدولية والتحديث والتطوير المؤسساتي والبشري، حتى أصبح قطاعنا المصرفي عابراً للحدود بفعل إنتشاره في الخارج، وتواجده في 33 دولة حول العالم.
هذا لا يعني أن قطاعنا المصرفي لا يتأثر بما يدور حوله في لبنان وفي المنطقة، اذ ينشط ضمن مناخ عدم اليقين السائد.  فأزمات البلد تتوالى وهي من كل الأنواع والأشكال: نوع في السرايات ومرابع الحكم، وآخر في الشارع.  وفي أوج الأخطار والأوضاع الدقيقة، تسقط حكومة بالضربة القاضية، ثم نعجز عن تأليف حكومة جديدة لمدة تقارب السنة.  تنتهي ولاية رئيس الجمهورية، ونعجز عن انتخاب رئيس يقود البلاد، مع كل ما يجرّه الفراغ ُ الرئاسي من قلق، في وطن يعيش على شفير الهاوية الاقليمية، التي دفعت الى أرجائه مئات ألوف النازحين السوريين الهاربين من الموت والمتلمسين النجاة، ولو في خيمة أو في أي مرقد عنزة.
أما في الشارع، فحركة مطلبية أجـّجَها التباطؤ في المعالجة من سنة الى أخرى، حتى كبرت كرةُ الثلج، وبدأت تتدحرج في كل اتجاهٍ، مالئة الشوارع بطوابير المحتجين من العمال، والموظفين، والمستأجرين، والمالكين وغيرهم، بما يؤشر الى اختلال هيكلي في العلاقة بين مختلف المكوّنات الاجتماعية، لا يمكن معالجته بالمسكنات العابرة التي تقدمها الدولة حالياً.  والأغرب في ما يحصل، أن تجنح الحركة المطلبية عن مسارها بوجه الدولة، فتأتي للإعتصام أمام مصرف لبنان، حارس الاستقرار النقدي، كما تتوجه بالمنطق نفسه الى جمعية المصارف، وهما المؤسستان اللتان لولاهما، لما كانت سيولة ولا موارد لدفع الحقوق المُدلى بها، علماً أن القطاعَ المصرفي في لبنان، المتضامنَ مع المطالب المحقة للموظفين، وضرورة تلبية المشروع منها، ضمن حدود الإمكانات المالية للدولة، يقدّم النموذج الأمثل لإعطاء الحقوق لمستخدميه، حيث تـُنـَظمُ العلاقة بين الفريقين بموجب عقد عمل جماعي يرعى حوالي 24 ألف موظفٍ وموظفةٍ، يتمتعون بالكفاءات العالية لمواكبة المعايير العالمية الواجب اتباعها في المهنة المصرفية.  كما أن المصارف تساهم بأكثر من ثلث مجموع الضرائب على الأرباح، كون هذا القطاع ملتزم بتسديد الضرائب بكل شفافية.  اضافة الى مساهمة موظفي القطاع المصرفي بالجزء الأكبر من ضريبة الدخل على الرواتب في لبنان.  
أيها السيدات والسادة،

لقد نجح مصرف لبنان في توفير الاستقرار النقدي والازدهار المصرفي على مدى العقدين الماضيين، على الرغم من الظروف السائدة في لبنان.  ولكن لم يسبق أن واجه لبنان استحقاقات ملحّة ومعقدّة، كالتي يواجهها اليوم دفعةً واحدة.  فكلفة الفراغ الرئاسي والتأزّم السياسي عالية جداً، تزيد خطورتـَه أزمة ُ المنطقة على اقتصاده.  فلبنان بحاجة سنوياً الى 35 ألف فرصة عمل غير متوفّر الجزء الأكبر منها، مما يرمي في سوق البطالة والهجرة سنوياً ألوف الشباب. كما أن تصاعد انفاق الدولة يزيد من حجم الدين العام، وكذلك فوائد الدين التي تستمر في السريان دون توقف.  في وقت تزداد المخاطرُ الائتمانية، نتيجة المالية العامة المتعثرة، وتفاقم عجز الموازنة، وانخفاض التصنيف الائتماني، ناهيك عن استهداف قاعدة الودائع والقطاع المصرفي بأعباء ضريبية غير مسبوقة ستحدّ من تنافسيته، بما يؤثر على استمرار تدفق الودائع بنفس الوتيرة السابقة.

هناك حاجة ملحـّة لتحسين مناخ الاستثمار وتشجيع حركة الرساميل، وتنفيذ حزمة من الاصلاحات الهيكلية، والتوظيف في إنهاض البنية التحتية وشبكات الرعاية الاجتماعية، والحفاظ على البيئة، ودعم القطاع الخاص في تحريك العجلة الاقتصادية والاسراع في موضوع ملف الغاز.

ان وقت المعالجة لم يفت، والمطلوب هو إبعاد أولويات الشعب عن السياسة، فالاقتصاد مُلكُ الجميع، واذا كانت السياسة تفرّق، فإن الاقتصاد يجمع.

وفي المحصلة،

ان الأحداث التي تواجه لبنان من الخارج والداخل داهمة فعلاً، بحيث تجدنا امام تحديات تزداد تعقيداً وتفرض علينا وعياً وحنكة، في صياغة المخارج ورسم الاستراتيجيات المناسبة لها، ضماناً لاستقرار لبنان الاقتصادي والنقدي والاجتماعي ولمستقبل افضل لأجيالنا الناشئة.
هنيئاً لمصرف لبنان بعيده الخمسين، وشكراً لحاكمه لقيادته الناجحة لهذه المؤسسة.  
 

Cookie Policy

We use cookies to store information about how you use our website and show you more things we think you’ll like. Also we use non-essential cookies to help us improve our digital services. Any data collected is anonymised. By continuing to use this site, you agree to our use of cookies. If you'd like to learn more, please head to our cookie policy. page.
Accept and Close