الدكتور جوزف طربيه
رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
فــــي
حفل إفتتاح الملتقى العربي
"الأمن الاقتصادي العربي في ظلّ المتغيرات الجيوسياسية"
25-26 أبريل/نيسان 2024
بيروت – فندق فينيسيا انتركونتيننتال
دولة رئيس مجلس الوزراء، السيد نجيب ميقاتي،
أصحاب الدولة والمعالي والسعادة،
زملائي المصرفيين ،
أيها الحضور الكريم،،،
يسعدني الترحيب بكم جميعاً في هذا الملتقى الاقتصادي الذي يعقده اتحاد المصارف العربية، بالتعاون مع الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وبلقائكم جميعاً، وخاصة الاخوة العرب، الذين حضروا اليوم للمشاركة، سواء كخبراء ومتحدثين في جلسات المنتدى، أو كحضور لفعالياته. ويتناول ملتقانا هذا أهم مواضيع الساعة في الدول العربية، الا هو الأمن الاقتصادي العربي والتحديات التي تواجهه، مع إضاءة على الأزمة المتعددة الاوجه في لبنان والحلول الممكنة لها.
كما أودّ أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى دولة رئيس مجلس الوزراء اللبناني، الرئيس نجيب ميقاتي، لرعايته هذا الملتقى وحضوره بيننا اليوم.
قد يبدو للبعض انه من غير الملح اليوم ان نجتمع حول موضوع الامن الاقتصادي العربي، بينما تجتاز منطقتنا واوطاننا اخطار مصيرية اكثر الحاحاً ناتجة عن الحرب الاسرائيلية العربية، وكذلك تفجّر الصراعات السياسية والعسكرية الاخرى في المنطقة، وحول المنطقة. وبالطبع من شأن هذه الصراعات وتوسعها خارج منطقة الصراع الاساسي، وخطورة تصاعد تدخل الدول الكبرى فيها، ان تزيد من مخاطر عدم اليقين في افاق الشرق الاوسط وشمال افريقيا، مما ينتج عنه تبعات اقتصادية حادة على العديد من الدول العربية، والتي يواجه بعضها منذ زمن صراعات داخلية دموية مهدّدة لكياناتها الوطنية ووحدة شعوبها.
وفي الواقع ان التحديات الحالية هي من الخطورة بحيث سترسم خريطة المستقبل لمنطقتنا في ظل عدم الاستقرار المتمادي، وانعكاسه على مختلف البلدان بصورة متباينة. فالصراع السياسي داخل بعض الدول، يسبب انخفاض الاستثمار والانصراف عن جهود التنمية، يرافقه تباين في معدلات النمو بين دولة واخرى، وارتفاع معدلات البطالة، وازدياد حركة الهجرة وتدفق اللاجئين الى البلدان الاوروبية. كما تواجه بعض الدول العربية إضطرابات داخلية، تضعف من تركيز الدولة على ادارة الاقتصاد، وتفعيل محركات النمو المستدام، وتثبيت حكم القانون، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. وقد أظهر أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي أن النمو الضعيف، وارتفاع مستوى المديونية قد القى بظلاله على معظم اقتصادات المنطقة.
ومن نافل القول ان معالجة هذه التحديات، يتطلب تعاون اقليمي ودولي تحتاجه منطقتنا بإلحاح. وهو الدافع الى عقد هذا الملتقى اليوم، وهو يندرج ضمن سلسلة المؤتمرات التي يعقدها اتحاد المصارف العربية، والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، بغية السعي لجمع القيادات المصرفية العربية، لتفعيل دورها، ودور المصارف، كقاطرة للاستثمار والتنمية في اقتصادات المنطقة.
فتفعيل الاستثمار، والتنمية الاقتصادية، هما مدخل للامن الجماعي العربي، وبالمقابل، ان تحقيق اي تقدم على طريق النمو والازدهار يساعد على خفض التوترات الداخلية في بلداننا، والتخفيف من الازمات، والحد من أوجه عدم المساواة التي تولّد عدم الاستقرار. وقد أفرد مؤتمرنا اليوم مساحة كافية لمعالجة تأثير الاضطرابات الجيوسياسية على القطاعات الاقتصادية والتمويل المصرفي، وادارة سياسات التنوع الاقتصادي وتفعيل التعاون العربي.
أيها الحضور الكريم،،،
بينما نجتمع هنا اليوم، أتناول بقلب مثقل، التحديات الاقتصادية التي عانى منها لبنان خلال الأربع سنوات الاخيرة. إن لبنان، البلد الذي اشتهر ذات يوم بمرونته وتنوعه وحيويته الاقتصادية، يجد نفسه الآن غارقاً في مستنقع من الاضطرابات الاقتصادية والمالية والمصرفية والنقدية، وكذلك السياسية، والتي تتطلب وفاقاً داخلياً وتعاوناً دولياً لحلها. وهو ما تسعى اليه مختلف مقّومات السلطة من حكومية وعسكرية ونقدية في اتصالاتها مع مختلف المرجعيات في الداخل والخارج.
ويعيد بعض المحلّلين جذور الازمة الاقتصادية في لبنان الى التعثّر غير المنظم الذي اعلنته حكومة لبنان السابقة عام 2020 بالتوقف عن دفع الدين السيادي واخراج لبنان من الاسواق المالية الدولية. وقد رافق ذلك قرارات شعبوية، كقرار دعم بعض السلع، عبر هدر سيولة مصرف لبنان، التي مصدرها الودائع. وتقاذفت الحكومة ومصرف لبنان والمصارف المسؤولية عن الازمة، بينما الواقع يشير ان الازمة نظامية ليست نتيجة ظرف عابر او مسؤولية فريق واحد، إذ أن النظام هو الذي اهتز وتهاوى نتيجة سياسات مالية متمادية مارستها السلطة السياسية من حكومة وبرلمان، يؤازرها البنك المركزي، وانصياع القطاع المصرفي له، وكذلك استجابة المودعين.
ويدخل ضمن اهداف هذا الملتقى الكبير اليوم، حشد الخبرات العربية واللبنانية، لمناقشة وإيجاد الحلول للواقع المصرفي والنقدي الحالي في لبنان.
أيها الحضور،،،
في الواقع، لقد خطى لبنان خطوات ايجابية عديدة في السنة الأخيرة، نحو تصحيح المسار. ما يهم المودعين والمستثمرين معرفته، ان مجلس شورى الدولة، وهو القضاء الاداري الاعلى في لبنان، أصدر قراراً تاريخياً يلزم الدولة اللبنانية بتغطية خسائر البنك المركزي اللبناني عملاً بالمادة 113 من قانون النقد والتسليف، وكذلك بعدم شطب ودائع المصارف لديه، التي هي في الواقع ودائع للمودعين.
وقد اعتبر مجلس شورى الدولة، شطب الدولة لهذه الموجبات يتعارض مع القوانين، ومع الدستور اللبناني الذي يحمي الملكية الخاصة، وكذلك يتعارض مع المعاهدات الدولية التي تحمي الاستثمار.
إن حزم القضاء في موضوع اقرار مسؤولية الدولة عن خسائر مصرفها المركزي والاموال التي اودعتها المصارف لديه، يشكّل إشارة حاسمة للمستقبل على استمرار اهلية لبنان كبلد حامي للاستثمارات بحكم نظامه القانوني المرعي الإجراء الذي يحفظ حق المستثمرين بأموالهم، وبفعل شجاعة قضائه، الذي حدد المسؤوليات بصورة قاطعة مما يرسي الاساس الصالح لاعداد خطة نهوض حقيقية تحمي الودائع وتحفظ القطاع المصرفي ليبقى صلة الوصل بين لبنان والاسواق المالية العالمية، ويحول دون سيطرة الاقتصاد النقدي في البلد، الذي من شأنه ان يؤدي الى تخفيض تصنيف لبنان على صعيد مكافحة تبييض الاموال، وتعريضه للعقوبات الدولية، وعزله عن النظام المصرفي العالمي. وقد حقق البنك المركزي اللبناني في الفترة الاخيرة خطوات ملموسة في الداخل والخارج على هذا الصعيد لتفعيل عمل المصارف لتجنيب توسع إنتشار الإقتصاد النقدي والأخطار التي يجرها على لبنان.
وموازاة مع دور القضاء، يُسجل للمجلس النيابي مواقف رافضة من معظم الكتل السياسية لشطب ودائع المودعين، صغارهم وكذلك كبارهم، وبينهم مؤسسات مصرفية عربية ومستثمرون ومودعون لبنانيون وعرب، رافعاً شعار قدسية الودائع، وان كان ليس واضحاً كيف سيترجم هذا الشعار على الصعيد العملي.
وفي الواقع، لن تستطيع الدولة تسديد مستحقاتها فوراً للمصارف والمودعين، وليس المطلوب منها بيع أصولها، بل عليها قيادة الحل والمشاركة في تحمل الاعباء الاساسية، خلافاً لما كان حاصلاً في السابق، في وقوفها على الحياد، وتحميل المودعين والمصارف منفردين أعباء الأزمة النظامية التي تسببت بها، تحت عنوان إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ ورسم خطط التعافي القائمة على تصفير رساميل المصارف، وعلى أساس تحويل التزامات مصرف لبنان تجاه المصارف الى خسائر تطيح بمعظم المصارف وبمودعي المصارف. ومن الايجابيات أن مجلس الوزراء الأخير رفض مشروعاً لإعادة الهيكلة يحمل هذا التوجه السلبي.
أيها الحضور الكريم،،،
على الرغم من كل الصعوبات التي يعيشها لبنان، فإن الأمل لا يضيع. إن أعظم أصول لبنان تكمن في شعبه الصامد وواسع الادراك، وقطاعه الخاص المليء بالحيوية، الذي أظهر مراراً وتكراراً قدرته على التغلب على الشدائد. ومن الضروري أن يحصل اليوم توافق وطني عريض، وسد الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس جمهورية جديد، ووقف الحرب في الجنوب اللبناني، وعودة المجلس النيابي لاستكمال التشريعات المطلوبة منه من صندوق النقد الدولي، كما أنه من حق لبنان أن يتطلع إلى المجتمع الدولي للحصول على الدعم والتضامن في هذه الأوقات العصيبة.
وأخيراً، أتوجه بالشكر مجدداً لدولة الرئيس نجيب ميقاتي، ونشدّ على يده في تحمله للمسؤولية الدقيقة في هذا الظرف بالذات للعبور بلبنان إلى مرحلة التعافي المرجوة.
وشكراً لإصغائكم،،،