23 April 2019
كلمة د. جوزف طربيه فــــي منتدى " اليوم العربي للشمول المالي، 23 نيسان 2019
كلمة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس جمعية مصارف لبنان
فــــي
اليوم العربي للشمول المالي
بيروت في 23 نيسان 2019
سعادة الحاكم
أيّها الزملاء والحضور الكرام،
يشرّفني ويطيب لي، كرئيس لجمعية مصارف لبنان، أن أشارككم حفلة افتتاح هذا المؤتمر الذي يُعقد بمناسبة اليوم العربي للشمول المالي، برعاية وحضور سعادة حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة، والسادة المشاركين من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، والمنظّمات الدولية.
لا شكّ في أن تحديد يوم عربي للشمول المالي هو نقلة نوعية في التفكير والممارسة وهو ينطوي بحدّ ذاته على دلالة جوهرية لجهة احترام الشرعة العالمية لحقوق الإنسان ، عبر الحرص لدى الجهة التي اتّخذت هذا القرار والتي تحتفل بهذا اليوم سنوياً على تمكين أكبر عدد من مواطني العالم العربي من الحصول على الخدمات المالية المنظَّمة واستخدامها، بما فيهم ذوي الدخل المحدود والشباب وذوي الحاجات الخاصة على أنواعها. وقد أتاحت منجزات التقدّم التكنولوجي المعاصر مجالات واسعة أمام المصارف والمؤسّسات المالية لتزويد الناس تشكيلة كبيرة من المنتجات والخدمات بسرعة وأمان، في كل زمان ومكان، مع مراعاة متطلّبات الامتثال من جهة، وتأمين ضرورات النمو المستدام من جهة أخرى.
أيّها السيّدات والسادة،
يمكن اعتبار القطاع المصرفي اللبناني قطاعاً رائداً على المستوى العربي في سلوك درب الشمول المالي، أولاً عبر انتشاره الجغرافي الكثيف على مساحة الوطن كلّها بحيث باتت منظومتنا المصرفية المحلية المكوّنة من 65 مصرفاً تضمّ 1069 فرعاً منتشراً في جميع المحافظات وفي شتى أنحاء البلاد ، ولديها شبكة أجهزة صرّاف آلي من 1968 صرّافاً ، وثانياً من خلال تقديم تشكيلة واسعة ومتنوّعة من المنتجات والخدمات المصرفية التي تتوافق مع حاجات كلّ الفئات العمرية والشرائح الاجتماعية. وتبيّن إحصاءات البنك الدولي أن ثمّة 23,8 فرعاً مصرفياً لكل 100 ألف راشد في لبنان مقابل 15 فرعاً في الدول ذات الدخل المتوسط والمرتفع ، وهي الفئة التي ينتمي لبنان إليها. وقد أظهرت الأرقام أيضاً أن نحو 45% من اللبنانيّين البالغين من العمر 15 عاماً وما فوق لديهم حساب فردي أو مشترك في مؤسّسة مالية في نهاية العام 2017. ثم أن المصارف اللبنانية أصبحت تتيح لزبائنها الذين يملكون نفاذاً الى شبكة الإنترنيت، لا سيّما في صفوف الشباب، إمكانية تنفيذ عدد كبير من العمليات المصرفية عبر تطبيقات خاصة مبتكرة من تصميم المصارف أو عبر فروع إلكترونية بالكامل، تنتفي فيها الحاجة الى التعامل اليدوي.
وقد نجح القطاع المصرفي اللبناني خلال العقدين الأخيرين في إيصال المنتجات والخدمات المالية والمصرفية الى شرائح عريضة وجديدة من الأفراد والمؤسّسات، من خلال الحسابات والبطاقات المصرفية ، وقروض الشركات والقروض الشخصيّة وبخاصة التعليميّة والسكنيّة، والتسليفات لقطاع اقتصاد المعرفة والقروض الصديقة للبيئة، والتسليف المتناهي الصغر وحلول الدفع الإلكترونية، والتأجير التمويلي، والخدمات التأمينية، وتوطين الرواتب والمدفوعات، والتحويلات المالية الداخلية والدولية، وبرامج التقاعد وحماية المستهلك مالياً... وتكملةً لتوسيع شبكة الفروع، طوّرت المصارف أنظمة الصرّافات الآلية التي وصل عددها الى نحو 2000 صرّاف (1968 جهازاً في نهاية أيلول 2018)، والتي تمّ تحديثها للقيام بعمليات الإيداع والسحب النقدي وتسليم الشيكات، إضافةً الى تعزيز وسائل الأمان في التجارة الإلكترونية والدفع الالكتروني، وإجراء عمليات مصرفية عبر الهاتف الخلوي. وبلغ عدد بطاقات الدفع والائتمان الموضوعة في التداول قرابة 3 ملايين بطاقة من مختلف الأنواع (2,75 مليون في أيلول 2018). كل هذه الوسائل التكنولوجية سهّلت عملية نشر الشمول المالي ووضعت لبنان في مقدّمة الدول العربية على هذا الصعيد.
في السياق ذاته، يجدر التذكير بإنجازيْن اثنين كان لهما أكبر الأثر في في إعادة تكوين الطبقة الوسطى أو في التمكين الإقتصادي للأُجَراء والمستخدمين في لبنان: أولاً، تأمين التمويل الميسّر لشراء المساكن بالتعاون مع مصرف لبنان والمؤسّسة العامة للإسكان، بحيث استفاد من هذا التمويل حوالى 132 ألف أُسرة لبنانية في مختلف المناطق، ما رفع حجم محفظة القروض السكنية الى نحو13 مليار دولار حتى نهاية العام 2018؛ وهي بمعظمها قروض لمصلحة ذوي الدخل المحدود والمتوسط وبفوائد متدنّية ومدعومة. وثانياً، توقيع بروتوكولات خاصة مع هيئات نقابية واقتصادية ومع مؤسّسات كثيرة في القطاعين العام والخاص، بغية منح تسهيلات وخدمات مصرفية للمنتسبين الى هذه الهيئات والكيانات. وبفضل توطين رواتب الموظفين في المصارف، أصبح بإمكان مئات الألوف من الأُسر اللبنانية ، ومن الأُجَراء والمستخدمين ، الإفادة من مختلف الخدمات والمنتجات المصرفية التي يحتاجونها لتحسين مستوى معيشتهم وتأمين احتياجاتهم في شتّى مراحل حياتهم.
مع ذلك، يبقى أن تعميم نطاق الإستفادة لا يزال يقتضي المزيد من التثقيف المالي عبر مختلف الوسائل المتاحة، سواء داخل المؤسّسات المصرفية والتربوية والجامعية أم بواسطة وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي. وفي هذا الإطار، يندرج الإحتفال باليوم العربي للشمول المالي وبرامج التوعية والمؤتمرات المتخصّصة التي تقام وطنياً وإقليمياً لهذا الغرض. وقد كان لمصرف لبنان دور حيوي وأساسي في التحفيز على هذا التوجّه وفي تنشيط هذا المسار اقتناعاً منه بأن إحراز أيّ تقدّم في ميدان الشمول المالي يعزّز الاستقرار الاجتماعي في البلاد.
إننا نتطلّع الى أن تتلاقى جهودنا الوطنية والعربية مع التوجّه العالمي نحو تعزيز الشمول المالي، والذي تجسّدت معالمه في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للعام 2030، حيث تمّ إبراز أهميّة الموضوع للقضاء على الفقر بجميع أشكاله، والتشديد على استخدام التكنولوجيا الحديثة فى الخدمات المالية. وقد عمدت معظم الدول الى إدراج مبدأ الشمول المالي ونشر الثقافة المالية ضمن أجنداتها وأهدافها الاستراتيجية لتطوير مجتمعاتها. في هذا السياق، قامت جمعية مصارف لبنان، بالتعاون مع وزارة المالية ومعهد باسل فليحان المالي والاقتصادي ووزارة التربية والتعليم العالي، وبدعم من الشبكة الدولية للتربية المالية في منطمة التعاون والتنمية الإقتصادية OCDE ، بإعداد وثيقة بعنوان: "نحو إستراتيجية وطنية للتربية والمعرفة المالية"، وهي عبارة عن مقاربة تشاركيّة لتعزيز الثقافة المالية العامة لدى المواطنين اللبنانيّين، نأمل أن تشكّل ورقة عمل صالحة تُضاف الى غيرها من المساهمات التشريعية والتنظيمية الجدّية في هذا المجال.
أيّها السيدات والسادة،
على الرغم من حراجة الأوضاع المالية والإقتصادية في لبنان، يبقى قطاعنا المصرفي اللبناني قادراً على تقديم الخدمات لأوسع الفئات والشرائح في المجتمع، ونحن على ثقة بأن الوضع الاقتصادي الصعب في بلدنا قابل للمعالجة بالنظر الى مقوّمات موضوعيّة عدّة. غير أن المطلوب إرادة سياسية إصلاحية صلبة، تترجَم في أقرب وقت أفعالاً وإجراءات ومنجزات كي يستعيد المواطن اللبناني ثقته بدولته، وتستعيد الدولة اللبنانية ثقة المجتمع العربي والدولي بها، وكي نستحقّ مبادرات الدعم والمساندة المتّخذة حيالنا.
الأولويات والعلاجات باتت معروفة ، وفي طليعتها وقف الهدر وترشيد الإنفاق العام، وتحسين جباية الضرئب والرسوم، وتحسين مناخ وبيئة الأعمال ، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وإطلاق عدد من مشاريع البنى التحتية المُجدية في خفض عجز الموازنة وكبح جماح المديونية العامة.
وعلى رجاء ألاّ يتأخّر الشروع في تنفيذ برنامج الإنفاق الإستثماري التي حظي بدعم مؤتمر " سيدر" ، نجدّد باسم القطاع المصرفي اللبناني الإستعداد التام لكلّ مساهمة في ورشة جدّية للنهوض الاقتصادي والتكافل الإجتماعي، من شأنها أن تشكّل رافعة أساسية للتنمية المستدامة ولخلق فرص العمل وتعبئة الطاقات والكفايات الشابة، التي هي رأسمال لبنان الأبقى والأثمن.
آمل أن يخرج مؤتمرنا اليوم بتوصيات تخدم تطلّعاتنا المشتركة لتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي والشمول المالي في لبنان، وشكراً لإصغائكم.
Share on