كلمــــة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
رئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس مجلس ادارة مجموعة بنك الاعتماد اللبناني ش.م.ل.
في حفل إفتتاح
المؤتمر المصرفي العربـي السنوي لعام 2019
" إنعكاسات التقلبات السياسية على مسار العمل المصرفي "
8-9 ديسمبر/كانون الأول 2019
القاهرة ـ جمهورية مصر العربية
معالي الأستاذ طارق عامر – محافظ البنك المركزي المصري
معالي الشيخ محمد الجراح الصباح – رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية
سعادة الأستاذ محمد الأتربي – نائب رئيس مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية و رئيس بنك مصر
سعادة الأستاذ هشام عز العرب – رئيس إتحاد بنوك مصر
سعادة الدكتور محمود محيي الدين – نائب رئيس البنك الدولي
السادة/أعضاء مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية
والسادة/أعضاء مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
أصحاب المعالي والسعادة والسيادة
زملائي المصرفيين
أيّها الحضور الكريم،،،
يُسعدني أن أرحّب بكم جميعاً وأتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى مصر العزيزة رئيساً وحكومة وشعباً على هذه الإستضافة الكريمة وعلى حسن الضيافة وحفاوة الإستقبال، والشكر والتقدير إلى معالي الأخ الفاضل الأستاذ طارق عامر محافظ البنك المركزي المصري على رعايته هذا المؤتمر وإفتتاح أعماله، وأنتهز هذه المناسبة لأتقدم من معاليه بالتهنئة القلبية لمناسبة التجديد المستحق له لولاية ثانية.
يأتي مؤتمرنا هذا العام في ظل استمرار الاضطرابات المتنقلة التي تهز العالم العربي حيث تطغى المستجدات الاقليمية والدولية بتداعياتها وحالات عدم اليقين التي تولدها، على اي جدول اعمال آخر. فمنطقتنا تتموضع اليوم في اعالي سلم نقاط الاستقطاب العالمي بفعل حجم ثرواتها وصراع المصالح عليها. كما تتفاقم فيها الازمات الاقتصادية المتنقلة من بلد الى آخر، في ظل تصاعد المديونيات العامة، وضعف النمو الاقتصادي، والانفاق المتمادي لتمويل الحروب والصراعات. وقد تأثر تدفق الاستثمار الاجنبي المباشر بهذه الاجواء السلبية وتقلصت مستويات النمو الاقتصادي وارتفعت البطالة الى معدلات قياسية شكلت ابرز محركات الاحتجاجات والتوترات الاجتماعية في العالم العربي، وهددت الاستقرار السياسي كما هو حاصل حالياً في العراق ولبنان وبلدان عربية اخرى.
وقد تأثر القطاع المصرفي العربي من جراء هذه المستجدات، وان كان بصورة متفاوتة بين بلد وآخر، مما حال دون ان تتمكن المصارف العربية من استخدام طاقاتها الكامنة بالشكل الامثل لخدمة اقتصادات بلدانها وشعوبها.
يُضاف الى ذلك ان الاستدانة الكبيرة التي قامت بها بعض الحكومات العربية من المصارف العربية، وضع تلك المصارف في وضع صعب جداً من زاويتين. الأولى هي منافسة الحكومة للقطاع الخاص في الحصول على التمويل، ما أدى الى انخفاض قدرة المصارف على تمويل الاقتصاد الحقيقي. والثانية، تتمثل في ان ارتفاع مديونية بعض الحكومات قد يؤدي الى عدم قدرتها على تسديد تلك الديون، ومن ضمنها ديون المصارف، وهو ما يؤدي الى كارثة على المصارف والمودعين والمساهمين.
إلى جانب ذلك، فإن تراجع النمو الاقتصادي في دول عربية، وتراجع نوعية الخدمات العامة، مع تراجع كبير في مؤشرات الحوكمة في القطاع العام أدّى إلى تفشي الفساد، وتسجيل مستويات منخفضة جداً في مجالات تطبيق القوانين، ونوعية التشريع، والثقة بالقطاع العام، إضافة الى مزيد من التراجع في النشاط الاقتصادي وريادة الاعمال، وبالتالي فاقم مشكلة البطالة والفقر والامية التي تعاني منها المنطقة العربية أصلاً. وبسبب كل ذلك، سجلت بعض الدول العربية أدنى النسب في مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية بين دول العالم، على الرغم من حيازتها لثروات طبيعية وبشرية ضخمة.
ومن نافل القول ان الازمات تخفي فرصاً للتطوير والتغيير، وان الخطر يخلق الصحوة. ومهما كانت الظروف صعبة، فان القطاع المصرفي العربي بقي صامداً ومتماسكاً، مستشعراً على مدى السنوات الماضية، ضرورة مواكبة تحديات المهنة من قوانين، وتشريعات، وكذلك ضرورة الاستمرارية في خدمة اقتصاداته ومجتمعه. كما تلعب السلطات النقدية العربية دوراً رئيسياً في تأمين امتثال مصارفها للقواعد والتشريعات الدولية، ورسم استراتيجية تؤمن متطلبات الانفتاح المصرفي العربي على المجتمع المالي الدولي.
وبالاشارة الى مناخات الاستثمار، فإن منطقتنا العربية تتمتع بالكثير من الامكانات لكنها في الوقت نفسه بحاجة الى تطوير التعاون بين بلداننا على كل المستويات. وفي هذا المضمار، لا بد من التأكيد بأن القطاع المصرفي العربي يملك من الامكانات ما يزيد عن حاجات تغطية التمويل والائتمان للنمو المرتقب في عمليات الاستثمار البيني والتبادل التجاري . كما يملك ميزات خاصة في سرعة الحركة والكفاءة البشرية والتقنية يمكن للحكومات إستثمارها في تسريع إعداد وتنفيذ المشاريع المشتركة. ان تعزيز مناخات الاستثمار في العالم العربي وتفعيل التجارة البينية يبقى هدفاً استراتيجياً لمستقبل بلداننا وشعوبنا، في سبيل تحقيق التنمية الشاملة وتحسين قدرات شعوبنا للتقدم والرخاء . ونحن نقر مسبقاً بأن هذا الهدف ليس سهل المنال في واقعنا العربي المشتت، وهو ليس بالمستحيل أيضاً.
كما ان فتح قنوات التعاون والتجارة والإستثمارات الثنائية بين بلداننا، من شأنه أن يعود بفوائد كبيرة ومتبادلة بالنظر للانعكاس الايجابي للتنمية الاقتصادية على الاستقرار الاجتماعي والسياسي والامني في كل بلدان المنطقة.
ان صورة المستقبل ليست كلها بائسة، اذ يشهد عالمنا العربي اضافةً الى دول الخليج، نشوء مراكز اقليمية جديدة للنفط والغاز، بعضها بدأ يتحقق كما هو حال مصر، والبعض الاخر في طريق التحقق كما هو الحال بالنسبة للبنان قريباً وربما غيره ايضاً من الدول العربية.
وهنا لا بد للتوقف والاشادة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنـّته مصر مؤخراً والذي عرف نجاحاً كبيراَ مبني على رؤية طموحة وضعتها القيادة السياسية، وأدّى الى تحسين مناخ الاستثمار وبيئة الأعمال من خلال إصلاحات تشريعية ومؤسسية وهيكلية. وبالفعل، فقد أشادت المؤسسات الدولية بهذا البرنامج واعتبرته نموذجا يُحتذى به، حيث تقدمت مصر 15 مركزًا في تقرير التنافسية العالمية للعام 2019، وكذلك مؤشر هارفارد الذي صنف مصر ضمن أسرع خمسة اقتصادات حققت نموًا. وهذا مثال على النتائج الفورية التي تنشأ بفعل سياسة نقدية ورؤية اقتصادية واضحة قادرة على احداث مفاعيل ايجابية سريعة في بيئة حاضنة للاستثمارات والاعمال.
ايها السيدات والسادة،
إن الرسالة التي يهدف إتحاد المصارف العربية الى إطلاقها في هذا المؤتمر، تشكل دعوة للقطاع الخاص في منطقتنا العربية الى المشاركة بفاعلية في تعزيز التنمية، وللمصارف العربية إعادة توجيه إمكاناتها التمويلية الى الاقتصاد الحقيقي والتنمية، وللحكومات تخفيف الإعتماد على الإقتراض من المصارف، ومزاحمة القطاع الخاص في سعيه للحصول على التمويل، والتقيد بإجراءات إدارة المخاطر وليس تجنبها، مع التأكيد على الإلتزام بالقوانين والتشريعات، وعدم التقيد بالإملاءات التي تساهم في هروب الرساميل أو التقاعس عن دعم المشاريع الإنتاجية، بإعتبار أن تطبيق القوانين لا يمنع الإستمرار في تمويل التنمية بشتى مجالاتها.
أتمنى لهذا المؤتمر أن يحقق الأهداف المرجوة منه، وأشكركم على اصغائكم.