المركزية- اعتبر رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه أن "التحديات التي تواجه عالمنا العربي الآن ليست اقتصادية فقط بل كيانية، في ظل خلط كل الاوراق وتغيير كل الثوابت"، وقال إن "قياداتنا ومسؤولينا في المنطقة العربية مدعوون إلى التعاطي مع مشهد آخر لم نَعتدْ عليه، بعد ركود الأحداث وانتهائها". ولفت إلى أن "العمل على الإصلاحات السياسية والاجتماعية وحتى البيئية، إضافة إلى استحداث فرص عمل لاستيعاب موجات الشباب الزاخر بالطاقات، بات مطلباً ملحّاً لا بل حياتياً لنا ولأجيالنا الصاعدة".
برعاية رئيس مجلس الوزراء الأردني هاني فوزي الملقي وحضوره، افتُتح المؤتمر المصرفي العربي لعام 2017 بعنوان "آليات ومتطلبات التنمية المستدامة في الوطن العربي" في فندق "لاندمارك" في الأردن، شارك فيه إلى طربيه، محافظ البنك المركزي الأردني زياد فريز، رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية محمد الجرّاح الصباح، عضو مجلس إدارة الاتحاد ممثل المصارف الأردنية ورئيس جمعية البنوك في الأردن موسى عبد العزيز شحادة، وقيادات المصارف العربية.
طربيه: وألقى طربيه في الافتتاح الكلمة الآتية: "يسعدني بداية أن أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى المملكة الأردنية الهاشمية ملكاً وحكومة وشعباً على استضافتهم هذا المؤتمر. كما أهنئ جلالة الملك عبدالله، ملك الاردن، على نجاحه في عقد مؤتمر القمة العربية على أرض الاردن الشقيق وتأمين حضور قياسي على مستوى زعماء العالم العربي، والسعي لتوحيد الجهود العربية بحيث تعود الى العرب مسؤولية حل المشاكل العربية.
يأتي مؤتمرنا اليوم تحت عنوان: "آليات ومتطلبات التنمية المستدامة في عالمنا العربي"، في إطار سعينا لتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال رؤية متكاملة لقطاعنا المصرفي العربي، تساهم في دفع عملية التكامل الاقتصادي العربي، وتعزيز جهود التنمية المستدامة.
في هذا السياق، يمثّل القطاع المصرفي العربي قاطرة الاقتصاد، وهو يلعب دور الرافعة للقطاعات الاقتصادية الوطنية لناحية التمويل المتواصل لها، حيث تشير التقديرات إلى أن الموجودات المجمّعة للقطاع المصرفي العربي بلغت نحو 3.4 تريليون دولار أميركي في نهاية العام 2016، وأصبحت بالتالي تشكّل نحو 140% من حجم الناتج المحليّ الإجمالي العربي. ما يدلّ على المساهمة الكبيرة التي يقوم بها القطاع المصرفي العربي في تمويل الاقتصادات العربية، على الرغم من انخفاض أسعار النفط، واستمرار الاضطرابات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في عدد من الدول العربية التي شرذمتها الحروب.
في ضوء التطوّرات التي شهدها القطاع المصرفي العربي عام 2016، وآفاق عام 2017، من المتوقّع أن يحمل العام 2017 استمرار الضغوطات والتحديات للمصارف العربية، المتمثّلة في استمرار تقلّص السيولة مع تباطؤ النمو في الودائع والتراجع في نوعية الأصول بسبب الزيادة في نسبة القروض المتعثّرة نتيجة التقشّف المالي وضعف النمو الاقتصادي. فانخفاض فوائض الحكومات أثّر على سيولة الأسواق والاستمرار في تمويل مشاريع البنى التحتية الكبرى. وقد تكون لانخفاض السيولة في الأسواق العربية والخليجية بشكل خاص – ومصارف الدول العربية الأخرى المصدّرة للنفط كالجزائر والعراق - آثار سلبية على المصارف تتمثّل في استمرار التراجع في نمو الودائع، وبالتالي التراجع في الائتمان المقدّم إلى الأفراد والقطاعات الاقتصادية الحيوية.
كما يعاني عالمنا العربي بشكل عام من معدلات منخفضة جداً من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية تكاد تكون من الأدنى في العالم، اضافة الى نقص في الابحاث والابتكار. فإلى جانب الأضرار الاقتصادية المباشرة للحروب التي طالت بعض الدول العربية، فأدّت التحوّلات في بلدان الاضطرابات، الى تفاقم حجم التحديات التي كانت سائدة فيها قبل الاحداث، وكذلك زيادة معدّلات البطالة وخصوصاً بين الشباب، والتي كانت أصلاً من أعلى معدلات البطالة في العالم، أضف الى ذلك الارتفاع في معدلات الفقر والتراجع في مستوى المعيشة والتعليم. هذا عدا عن دفع رؤوس الاموال العربية إلى مزيد من الهجرة، وترسيخ البيئة الطاردة للاستثمار في الوطن العربي.
فالكلفة الاقتصادية إذاً لما يحصل من حروب وقتال، كبيرة جداً، مما يضعنا جميعاً أمام تحديات مصيرية تتناول وجوب الضغط لإنهاء النزاعات القائمة وإعادة البناء السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي والانساني.
وبالأرقام، قُدّرت كلفة ما سمّي بالربيع العربي، بحسب دراسة أعدّها البنك الدولي والأمم المتحدة ، ما يناهز الـ 834 مليار دولار اميركي خلال السنوات الست الماضية في الدول الأكثر تضرراً، وهي: مصر، سوريا، تونس، ليبيا، البحرين، الاردن، اليمن، وكذلك لبنان. وقد تسبّبت النزاعات بتشريد أكثر من 14 مليون شخص.
في المقابل، قُدّرت كلفة النزاع في سوريا وحدها بنحو 700 مليار دولار لغاية العام 2016، وخلّفت الحرب فيها أكثر من ربع مليون قتيل، وخمسة ملايين لاجئ خارج سوريا، ناهيك عن تبعاته الثقيلة على دول الجوار، حيث ان البلدين الاكثر تضرراً هما لبنان والاردن.
أمام هذا الواقع، وفي مواجهة هذه التحديات، علينا أن نعيد صياغة توجهات ومسار التنمية العربية. فإن تحسين بيئة الاستثمار، يمرّ حكماً من خلال تعزيز الحريات الاقتصادية وحكم القانون والادارة الرشيدة والشفافية. وإن بناء السلم الدائم للمنطقة العربية يتطلّب تنمية دائمة، والعمل على تطوير التعليم التكنولوجي وتضييق الفجوة ما بين التعليم واحتياجات سوق العمل، وهذا بطبيعة الحال، يتطلب بيئة سياسية وأمنية مناسبة مستقرّة، تحمي فئات المجتمع وتحفظ حقوق الإنسان الأساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة.
وأشير في هذا المجال، إلى أن الاستثمار في تطوير الموارد البشرية في عالمنا العربي، هو من الدعائم الاساسية للتنمية المستدامة ولصنع السلام. وعليه، لا بد من إعادة الهندسة للموارد البشرية العربية بشكل يتوافق مع متطلبات العصر، وهذه مهمة استراتيجية تتطلب رؤية شمولية وإطار تفكير مختلف، وإرادة سياسية صادقة وواضحة وقوية، وسياسات إصلاح عادلة وواضحة للتنمية المستدامة، قادرة على خلق فرص عمل للتخفيف من حدّة البطالة التي تهدّد مجتمعاتنا العربية كافة.
وهذه الرؤية تنبع من إيماننا في اتحاد المصارف العربية، ليسَ بضرورة التكامل فحسب، بل بجدواه أيضاً، لأننا نرى في التعاون والتعاضد حشداً للكفاءات والطاقات، وترشيداً للموارد، وتعزيزاً للقدرات، وأن التكامل هو الشرط والأداة لتثبيت دعائم الاستقرار، ولتحقيق التنمية المتوازنة والشاملة والمستدامة.
مع الاشارة الى أن انتهاء الأحداث والوصول الى تسويات سياسية عادلة، سيخلق فرصاً استثمارية هائلة توفرها مشاريع إعادة الإعمار، ويمكن أن تلعب فيها رؤوس الأموال العربية الدور البارز من خلال تحقيق التعاون والتكامل المصرفي العربي، عن طريق الآليات المعروفة لعقد الشراكات الاستراتيجية بين المصارف وخلق التجمّعات العملاقة، وتشجيع الاستثمار العابر للحدود بين الدول العربية.
وفي المحصلة، إن التحديات التي تواجه عالمنا العربي الآن ليست اقتصادية فقط بل كيانية، في ظل خلط كل الاوراق وتغيير كل الثوابت. من هنا إن قياداتنا ومسؤولينا في المنطقة العربية مدعوون إلى التعاطي مع مشهد آخر لم نعتد عليه، بعد ركود الأحداث وانتهائها. إن العمل على الإصلاحات السياسية والاجتماعية وحتى البيئية، إضافة الى استحداث فرص عمل لاستيعاب موجات الشباب الزاخر بالطاقات، بات مطلباً ملحّاً لا بل حياتياً لنا ولأجيالنا الصاعدة.
RELATED SPEECH: "آليات ومتطلبات التنمية المستدامة في الوطن العربي"
RELATED PRESS ARTICLE: Torbey: Stability crucial for economic recovery in region - 04 April, 2017