جوزف فرح
اكد رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور جوزف طربيه في حديث لـ«الديار» ان القطاع المصرفي اللبناني ليس بعين العاصفة وجميع الافرقاء متفقون على تحييد القطاع خصوصا ان بلداً مثل لبنان مفتوح على الاسواق العالمية والاقتصاد العالمي ويحمل على اكتافه دينا عاما كبيرا وبالتالي يرفضون تعريض اقتصاده ومصارفه لاية اخطار ناتجة عن عدم الامساك باللعبة الدولية.
واكد طربيه ان لا خطر من اية عقوبات على لبنان والنظام المالي والمصرفي فيه لان هذا النظام ليس مستهدفا ولدينا تأكيدات رسمية على ذلك، والمس به يشكل غلطة كبيرة غير قابلة للتصحيح السريع.
واعتبر ان الاصلاح لا يمكن تأخيره ومن يثبت في الاقتصاد يثبت في السياسة وهذه الحكومة اذا سقطت في الاقتصاد تسقط في السياسة.
واكد طربيه ان لبنان يملك اكبر مخزون للذهب في المنطقة ويعتبر مصرف لبنان اغنى بنك مركزي في المنطقة، معلنا ان اختبارات الضغط التي قام بها البنك المركزي اثبتت قدرة مصارفنا في الخارج على التحمل.
* شهدت الولاية الاولى لترؤسكم جمعية المصارف ازدهارا ونموا في مختلف المؤشرات الاقتصادية، لكن الولاية الثانية لكم والتي ابتدأت في حزيران الماضي شهدت تراجعا في هذه المؤشرات وان هناك تحديات ستواجهكم وتواجه القطاع المصرفي. كيف تقيم الاداء المصرفي في هذه الظروف؟
- اعتاد القطاع المصرفي اللبناني على التحديات في مختلف الانواع الاقتصادية الى سياسية الى اجتماعية واقليمية ناهيك عن الازمة المالية العالمية وانهيار الاسواق وتحديات المديونية في اوروبا وتخفيض التصنيف الائتماني في الولايات المتحدة الاميركية، هذه الاحداث ضخمة جدا ولها علاقة بالقطاع المصرفي والائتمان والانتظام المالي واجتياز عوائق خطيرة وكبيرة.
ان القاعدة الاساسية لنجاح القطاع المصرفي اللبناني هو موضوع الثقة حيث اكتسب القطاع ثقة المودعين والاسواق ومختلف الافرقاء في لبنان وهو القطاع المهني وغير المسيّس والمتفوق تقنيا، والمرن السلس يبحث دائما عن التقدم والتطور ولا يقف طموحه عند حدود، منتشر في المنطقة والعالم حتى اصبح القطاع المصرفي اللبناني قطاعا اقليميا ولم يعد قطاعا محليا محدودا بسبب انتشاره وحجمه. لا يكفي ان تنتشر انما نحن نتكلم باقتصاديات الحجم عندما نقارب مجموعة ميزانية موحدة للمصارف التي ستبلغ في نهاية العام الحالي 150 مليار دولار ودخل قومي بحدود 40 مليار دولار فهذا يعني قطاعا مصرفيا اكبر بكثير من حجم لبنان واقتصاده، بل هو يتناسب مع الحجم العالمي للاقتصاد اللبناني.
الاقتصاد اللبناني هو مؤسسات وينشر مؤسسات طموحة وقادرة على التوسع في المنطقة والعالم، وموارد بشرية مرغوبة ومطلوبة بسبب كفاءاتها وعلمها وتعدد اللغات التي تتقنها.
*المرحلة الاولى من رئاستكم لجمعية المصارف والمرحلة الثانية التي تترأسونها اليوم هل هي التحديات ذاتها او انها زادت في ظل ازمة البنك اللبناني - الكندي وتراجع تصنيف 4 مصارف لبنانية عاملة في الدول المضطربة الوضع السياسي وصدور القرار الاتهامي ومدى تأثيرها على القطاع المصرفي اللبناني؟
- يجب عدم انكار التأثيرات السلبية التي يواجهها الاقتصاد اللبناني وتواجهها ايضا السلطات السياسية في لبنان ويواجهها القطاع المصرفي الذي هو جزء من الوطن والاقتصاد ومسؤولياته تتعرض لتأثيرات المناخ السائد في البلد سواء اكان مناخا سياسيا او مناخا اجتماعيا او مناخا اقليميا كما هو حاصل اليوم. نحن كجمعية مصارف نقوم بتقويم دورنا بكل هذه الاخطار نتعامل معها بوقتها بحيث لا نترك الاخطار لتعالج نفسها بنفسها انما لدينا المبادرة والمعرفة للوصول الى اهم مراكز القرار المالي لان لنا علاقات مميزة مع كل القطاعات المصرفية والمالية الدولية ولدينا علاقات مميزة مع كل مراكز القرار المالي في العالم، تبرز هذه العلاقات وهذه الثقة عندما تدعو الدولة اللبنانية في كل مرة الى اصدار سندات دين وتعرضها على الاسواق ونحن ننجح دائما في جذب احجام كبيرة تفوق حاجات الدولة اللبنانية واحيانا تفوق حاجاتنا مما يعني اننا لسنا مستهدفين ولسنا بعين العاصفة كما يتصور البعض، وهنا اشير الى موضوع البنك اللبناني - الكندي ونعتقد ان ما حصل له يحصل يوميا في القطاعات المصرفية في العالم.
تعرف ان المجتمع الدولي وبصورة خاصة الولايات المتحدة الاميركية تعتبر القطاع المصرفي ساحة للحرب على الارهاب وساحة للحرب السياسية احيانا ومن الواضح ان هذه الساحة تستعمل حتى في قلب الولايات المتحدة التي تعاقب احيانا كثيرة مصارف اميركية نتيجة عدم التزامها بالقواعد والتشريعات التي فرضتها الولايات المتحدة على اقتصادها وايضا بسبب قوتها وجبروتها تفرضها عالميا.
ان الولايات المتحدة تعتبر العالم كله خاضعا لصلاحياتها في الحقل المالي نتيجة قوة الموقع المصرفي الاميركي في الولايات المتحدة وسيادة الدولار على كل العملات مما يجعل المرور بالولايات المتحدة ومصارفها الطريقة الطبيعية للعمليات المصرفية التي تجري بالدولار الاميركي والتي تشكل اكبر حجم لعمليات مصرفية في الاقتصاد العالمي.
هذه القوة الاميركية تجعل من كل قطاع مصرفي يواكب ويراقب هذه الاوضاع ويحول دون الوقوع في مطباتها.
واجباتنا كجمعية مصارف ان نحمي القطاع المصرفي اللبناني من اي عثرات ناتجة عن اللعبة الدولية ونحن متدخلون في اللعبة السياسية الداخلية عندما، لا سمح الله، تتجاهل الاخطار الدولية في ما يتعلق بالعمل المصرفي.
لذلك عند تأليف الحكومة الجديدة راقبنا بدقة تصريحات رئيس الحكومة الذي اعلن مرارا وتكرارا التزام حكومته بالقرارات الدولية واكد ذلك مرات عديدة لانه يدرك ونحن ندرك انه لا يمكن لبلد مثل لبنان مفتوح على الاسواق العالمية ومفتوح على الاقتصاد العالمي ويحمل على اكتافه دينا عاما كبيرا جدا ان يعرض اقتصاده ومصارفه الى اية اخطار ناتجة عن عدم الامساك والاحاطة بالمناخ الدولي واللعبة الدولية، واؤكد هنا ان ما يحصل على الصعيد اللبناني والمصرفي هو موضوع قناعة عند كل الافرقاء بحيث لا يوجد تغليب رأي على اخر بالنسبة لحماية القطاع المصرفي.
نحن لدينا تأكيدات من كل الفرقاء اللبنانيين مهما اختلفوا وتساجلوا بان القطاع المصرفي هو حصن حصين للبنان وان اي مس به يعرض مصالح اللبنانيين الاساسية والرئيسية لاضرار لا يمكن تعويضها، وانا اعتبر ان القطاع المصرفي اللبناني هو باهمية النفط والغاز الذي نتكلم عنه اليوم سواء اكان في البحر او البر لان هذا القطاع يشكل بالفعل الوقود الفعلي للاقتصاد اللبناني وهو بين ايادينا بينما الامور الاخرى نسعى للحصول عليها.
اللعبة الاميركية
* اللعبة السياسية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية، الا تخشون ان تدخل الى القطاع المصرفي اللبناني الذي يعتبر حسب قولكم الوقود للاقتصاد الوطني من خلال المحكمة الدولية وغيرها من الامور السياسية ؟
- نحن لا نخشى ذلك اطلاقا.
* لماذا؟
- نحن نعمل ضمن اطار مسؤولياتنا على الصعيد المالي والمصرفي بطمأنينة كبيرة لاننا قطاع خاص وبالتالي نلتزم بما يحقق مصالحنا التي هي مصالح الوطن.
ثانيا كما اشرت هناك اجماع لبناني على تحييد القطاع المصرفي وتجنيبه كل ما يمكن ان يلحق به من ضرر.
ثالثا نحن ايضا لدينا تأكيدات من كل المراجع الدولية بما فيها الاميركية ان القطاع المصرفي اللبناني في حصن حصين وحرص حريص اذا التزم بالقواعد المصرفية وباللوائح التي تأتي من الامم المتحدة في ظل سلطة نقدية تحسن التعامل مع هذا الموضوع الذي له طابع دولي وليس طابعا محليا.
ما رأيناه حتى اليوم، بعد كل التوقعات السلبية على الصعيد السياسي المرتبطة بالمحكمة الدولية والتغيير الحكومي، ان الحكومة اللبنانية تحافظ على هذه البديهيات في العلاقات الدولية بالنسبة لمصلحة لبنان المالية والامنية والسياسية والاقتصادية ورأينا ايضا الفرقاء بدون استثناء يسلمون بان هذه هي الطريقة الوحيدة ليسلم لبنان وتسلم مقوماته التي ليست الاقتصاد والمصارف انما الامن والحدود ومصالح لبنان في نفطه وغازه وسلمه الاهلي، كلها حزمة من المصالح الكبرى التي نرى اليوم انها في ظل الاخطار وعدم الاستقرار السائد في المنطقة، استطاع لبنان ان يستمر محافظا على استقراره وضمن اطار المستوى المقبول وان الاخطار التي هزت كل ارجاء الوطن العربي وبصورة خاصة الدول العربية المؤثرة على لبنان (مصر، سوريا الاردن، تركيا، ايران) اي مجموعة الدول التي هي بحالة اشتباك ظاهر او غير ظاهر والساحة اللبنانية في العادة كانت ميدانا واسعا للاشتباك، نرى اليوم والحمد الله ان هذه الساحة محيّدة عن الاشتباكات الفعلية، وما نراه من توتر ذي مستوى محدود ناتج عن انعكاسات وشظايا القضايا الكبرى التي تهز المنطقة ولا يمكن للبنان الا ان يتأثر بها بمنسوب مقبول.
} العقوبات الاقتصادية }
* سؤال افتراضي ولكن المواطن يخشى اذا تعرض لبنان لعقوبات اقتصادية ومصرفية؟
- انا اؤكد انه لا خطر من اية عقوبات على لبنان وعلى النظام المالي والمصرفي لان هذا النظام ليس مستهدفا ونحن لدينا تأكيدات رسمية انه ليس مستهدفا على الاطلاق، بل على العكس هو ضمانة لبقاء لبنان مجتمعا متماسكا يربط مصالح كل فئاته ضمن خزائنه واوراقه ودفاتره، وكل المجتمع اللبناني له مصلحة في القطاع. وهذا القطاع كان في حوار مع كل المراجع الدولية بما فيها الاميركية حيث اتى نائب وزير الخزانة الاميركية الى لبنان واجتمع معنا وتفهم باننا غير داخلين في اللعبة السياسية واننا قطاع خاص مدعوم من المجتمع الاهلي وسمعنا كلاما مطمئنا حول عدم استهداف القطاع المصرفي لسبب سياسي.
وابلغ دليل على ذلك ما يحصل اليوم في سوريا، العقوبات طاولت مؤسسات كثيرة حتى طاولت المصرف التجاري السوري وهو اكبر مصارف سوريا والذي تملكه الدولة السورية ولم تتعرض مرجعية دولية لاي مصرف من مصارف القطاع الخاص العاملة في الاقتصاد السوري.
القطاع المصرفي هو قطاع استراتيجي في الاقتصادات والمس به يشكل غلطة كبيرة لانها ليست قابلة للتصحيح السريع، وبالتالي اللاعبون الدوليون الذي يتعرضون احيانا لانظمة وحكام لا ينظرون الى امور الساعة بل الى ما يحصل نتيجة الاضطراب المالي الكبير لانه يفقد السيطرة على الناس ويفقد التوازن الاجتماعي ويولد بؤر عدم استقرار وفقر مما ينعكس على المجتمع المحلي والدولي باخطار كثيرة.
اداء الحكومة
* كيف تنظرون الى اداء الحكومة وهل يمكنها ان تقوم بالاصلاحات المطلوبة؟
- نحن نعتبر الاصلاحات اولويات للحكومة لانه اذا كان هناك صعوبات في النجاح في السياسة فان العمل في الاقتصاد ميادينه اوسع وانعكاسه على لبنان اسرع وهو مطلوب شعبيا ومن كل القطاعات الفاعلة في المجتمع اللبناني وبالتالي نحن نأمل من الفريق الاقتصادي في هذه الحكومة ان يحقق نجاحات خصوصا انه اتى من القطاع الخاص ووراءه نجاحات حققها في الميادين التي عمل فيها سابقا.
بالطبع يجب الاعتراف بالصعوبات السياسية الموجودة والتي يمكن ان تعرقل الانجازات المطلوبة ولكن الاصلاح لا يمكن تأخيره، ومن يثبت في الاقتصاد يثبت في السياسة، هذه الحكومة اذا سقطت في الاقتصاد تسقط في السياسة، والملفات الاقتصادية الحادة التي بين يديها تكوي وتحرق بدءا من موضوع الكهرباء الى البنية التحتية. نحن ضيعنا من الوقت في الماضي وبالتالي، يجب الا نتأخر في الحاضر بالنسبة للاصلاحات وبالنسبة للافادة من البروتوكولات المالية التي وقعها لبنان في مؤتمر باريس ولم يستفد منها، وضيع فرصا كبيرة بالنسبة للبنية التحتية التي لا يمكن انهاضها في ظل حكومة واحدة وحكم قصير وخلال اشهر انما تتطلب مدة انجاز طويلة لتظهر ثمارها.
} انشاء فروع المصارف }
* استمرار الاضطرابات في الدول التي تنتشر فيها فروع للمصارف اللبنانية الا يؤثر سلبا على اوضاعها خصوصا بعدما تم تخفيض تصنيف المصارف اللبنانية الاربعة؟
- مصرف لبنان يراقب القطاع المصرفي داخل لبنان وخارجه واجرى ما يعرف باختبارات الضغط على المصارف اللبنانية العاملة في اقتصادات الدول العربية المضطربة ونتيجة هذه الاختبارات تبين ان المخصصات الرأسمالية الملحوظة والمعززة في هذه الدول كافية لاستيعاب اية صدمات قد تتعرض لها الاقتصادات المذكورة ومحفظة الديون فيها، بما معناه انه ليس هناك من اسباب تجعل السلطة النقدية وهيئة الرقابة تشعران انه سيكون هناك اي انعكاس لما يجري في الاقتصادات حيث تعمل المصارف اللبنانية على وضع هذه المصارف في لبنان لان كيانها المستقل خارج لبنان كاف لاستيعاب اية اضرار قد تحصل لانها معززة بالرساميل الكافية وبالارباح المتراكمة لديها سابقا وبالتالي لا انعكاس كبيرا من العمل المصرفي الخارجي على المصارف في لبنان الا ضمن حدود الربح الفائت وليس ضمن حدود تغطية العجوزات من مصارف لبنان لنشاطات تؤديها فروعها ومصارفها في الخارج، علما ان كل المصارف التي نتحدث عنها هي شركات قائمة مستقلة. ليست فروعاً لمصارف في لبنان .. وليست فقط للبنانيين بل ان رساميلها ليست مئة في المئة رساميل لبنانية.
* هل تتوقع ازمة مالية عالمية ثانية على ضوء الديون الاميركية والاوروبية؟
- العالم لا يزال يعيش ترددات الازمة المالية السابقة التي حصلت منذ ثلاث سنوات واللاعب الخطير الذي ادى اداؤه المتهور الى الحاق الاذى بالاقتصاد العالمي هو بصورة خاصة الولايات المتحدة الاميركية التي استغرقت في مديونيات غير مجدية وخارج اطارالعمل المالي الرشيد وايضا بعض دول الاتحاد الاوروبي التي لم تكن معتادة على الانضباط المالي.
العالم اليوم هو عالم مترابط والتأثيرات السلبية التي تضرب الوضع المالي في بلد ما تنعكس على البلدان الاخرى حتى البلدان غير الصديقة واذا نظرنا الى ما حصل بالنسبة للمديونية الاميركية نرى ان البلد الأكثر تضرراً كان الصين التي تحمل أكبر محفظة ديون على الولايات المتحدة نتيجة اشتباك وتشابك المصالح المالية الدولية.
في لبنان ضعفت البورصة نتيجة هذه السياسات وضعف الاسواق العالمية، انما كان للبنان ناحية ايجابية هو ارتفاع سعر الذهب حيث يملك لبنان أكبر مخزون للذهب في المنطقة ويعتبر مصرف لبنان أغنى بنك مركزي في المنطقة، والذهب يرتفع بصورة صاروخية مما أعطى ويعطي الوضع المالي والمصرفي في لبنان الكثير من الصدقية لانه مدعوم «بثروة ذهبية» مؤثرة وثابتة وخيراً فعل لبنان منذ عدة سنوات عندما منع التصرف بالذهب ونحن اليوم نقطف الكثير من ثمراته.
* والمستثمر الى أين يتجه في ظل الاضطرابات في اسعار الأسهم والنقد وغيرها؟
افضل طريقة للاستثمار هي في الاقتصاد الحقيقي، ومن الأفضل ان يوظف رجال الأعمال بتوسعة أعمالهم بسبب الكساد الذي يعاني منه العالم، اضافة الى ان القطاع الاساسي للتوظيف في لبنان هو القطاع العقاري. وانا اشجع اللبنانيين على التوظيف في العقار اللبناني وعلى منافسة «الغريب» حيث أفضل ان تبقى هذه الثروة بيد اللبنانيين، وهي افضل ما يمكن ان نورثه لأبنائنا.