رئيس "جمعية المصارف" ومجلس ادارة "بنك الاعتماد اللبناني " جوزيف طربيه:
القطاع المصرفي تخطى الضغوط الخارجية... ونمول احتياجات الدولة بتعقل
اكد رئيس جمعية المصارف، رئيس مجلس ادارة "بنك الاعتماد اللبناني" الدكتور جوزف طربيه على ان القطاع المصرفي تخطى الضغوطات الخارجية ، وبالتالي "تأثيراتها تكاد تكون معدومة"، وعلى ان عدم وجود لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة في موضوع مكافحة تبييض الاموال، هو تأكيد على ان "القطاع ليس في خانة اللاعبين الذين تحوم الشبهات حولهم". مشيرا الى ان "مساعد نائب وزير الخزانة الاميركية ابدى اطمئنانه الى قدرة القطاع وسمع كلاما موثقا عن دور القطاع المصرفي الذي ساهم بقاء الدولة اللبنانية". ولفت الى ان الصارف اللبنانية التي تعمل في بعض العواصم العربية والاقليمية تتأثر بما يجري في تلك الدول من تطورات، حيث ان الودائع في سوريا هي في "اتجاه تراجعي كبير نتيجة عدم رغبة المصارف في تنمية الودائع". ورأى ان ركوب بعض الفرقاء "موجة الاضطرابات في المنطقة خاصة في سوريا بمحاولة الاستفادة منها سلبا او ايجابا" كان سببا للاضرار بالاقتصاد اللبناني. واكد طربيه ايضا على ان مشكلة "الشراكة مع القطاع العام في المشاريع الاستثمارية ليست في التمويل، انما المشاركة في الادارة هي موضوع حذر الدولة، وهذا ما نعتبره من الاسباب الرئيسية لتأخير الشراكة مع القطاع العام".
تحديات وضغوط متواصلة
* يتعرض القطاع المصرفي والمالي ومعه الاقتصاد ككل إلى تحديات وضغوط مستمرة نتيجة الظروف الإقليمية الأمنية منها والسياسية، ما هو مدى انعكاس هذه الضغوط على النشاط المصرفي بشكل عام وما هي مخاطرها؟
ــ المخاطر التي تتعرض لها المنطقة ولبنان ضمنها هي مخاطر جيو سياسية، ليست محددة في نشاط ما او مهنة ام قطاع معين، اما اذا كان القصد ما تداوله الاعلام في الفترة الاخيرة من ضغوط ناتجة عن منظمات ضغط خارجية تراقب القطاع المصرفي اللبناني عن بعد، وتحاول بطريقة او بأخرى تسويق اهدافها المعلنة، والمتمثلة بمحاربة البرنامج النووي الايراني، من خلال اعتباران هناك تواصلا ماليا او اقتصاديا بين لبنان وايران، وبالتالي أي ضرر بالقطاع المصرفي اللبناني تدعي المنظمة بانه يلحق الضرر بايران. هذه قصة تخطيناها، وتبين ان تأثيراتها تكاد تكون معدومة، ونحن كقطاع مصرفي نعمل بطمأنينة في الاسواق الدولية التي لا تحتاج الى منظمات مدنية صغيرة هامشية لتحدد نظرتها للقطاع المصرفي اللبناني. نحن جزء من السوق المالية العالمية نتقيد بكل القواعد الراقية في العمل المصرفي، نتعاطى يوميا بالوف العمليات المالية والمصرفية مع البنوك المراسلة، وهي من اهم البنوك في العالم، ولسنا طارئين عليها. نتعاطى العمليات المالية منذ عشرات السنين مع هذه المؤسسات، ولم نشعر في وقت من الاوقات ان هناك أي شكوك تسيء الى العمليات التي يقوم بها القطاع المصرفي اللبناني. وقد سمعنا كلام التقدير ايضا من المرجعيات الرسمية، سواء في موضوع "غافي" التي هي مسؤولة عن مكافحة تبييض الاموال او الادارات الرسمية في الغرب. وهنا اريد ان اذكر ان لبنان لا يوجد على أي لائحة للدول غير المتعاونة في موضوع مكافحة تبييض الاموال ، وبالتالي فان وجود لبنان خارج هذه اللوائح يعطي التأكيد الرسمي على ان قطاعه المصرفي هو في خانة اللاعبين الجيدين في المجتمع الدولي وليس في خانة اللاعبين الذين تحوم الشبهات حولهم.
القطاع المصرفي ساعد على بقاء الدولة
* خلال الزيارة الاخيرة لمساعد نائب وزير الخزانة الاميركية بيل كوهين، هل عكستم هذه الصورة الايجابية، وكان انطباعه ايجابيا؟
ــ مساعد نائب وزير الخزانة الاميركية هو اعلى شخص في الادارة الاميركية، مسؤول عالميا عن ملف مكافحة تبييض الاموال وفرض العقوبات، ورأينا تكرار اسمه في القضايا الدولية التي حصلت خلال الشهرين الماضيين، سواء كان في " تشارترد بنك" ام "اش اس بي سي" زار لبنان والتقى مسؤولين وعقد اجتماعا مطولا وناجحا مع مجلس ادارة جمعية المصارف. جاء الرجل ليطلع عن كثب على كيفية عمل القطاع المصرفي اللبناني، وابدى اطمئنانه الى قدرة القطاع وسمع كلاما موثقا، عن ان القطاع المصرفي اللبناني يعمل في الحاضر للمستقبل، ليس قطاعا ناشئا او طارئا، او مبتدئا، انما هو قطاع له تاريخ عريق في العمل المصرفي، هو ملتزم بلبنان وبالمجتمع اللبناني ساعد على بقاء الدولة اللبنانية، منذ عام 1975 ، على قيد الحياة ماليا، كان يمولها بشراء سندات الخزينة في وقت جفت ايرادات الضرائب نتيجة الفلتان الامني وسيطرة الميليشيات على مرافق الدولة. المصارف لعبت دورا تاريخيا في ابقاء الكيان اللبناني قائما، وفي قيام مؤسسات الدولة، وما زالت حتى اليوم تلعب هذا الدور، واي اضرار عليها هو اضرار على عامل استقرار في لبنان وفي منطقة الشرق الاوسط. اذا اردت ان تضرب لبنان اضربه ماليا. وهذا غير مرغوب لا لبنانيا ولا عربيا ولا دوليا.
المصارف تتاثر بإقتصادات الدول
* القطاع المصرفي اللبناني يتواجد في بعض العواصم الاقليمية والعربية التي شهدت تطورات، هل تأثر القطاع؟ تراجع النمو هذا العام مقارنة مع الماضي، ما هو حجم تأثره بهذا الوضع؟
ــ بالنسبة للتأثيرات على القطاع المصرفي العامل، بصورة خاصة في سوريا ومصر، القطاع المصرفي سواء كان لبنانيا او غير لبناني، يتأثر بالاقتصادات التي يعمل فيها. الوضع بالنسبة للاقتصاد السوري هو وضع دولة في حالة حرب، هناك تأتيرات كبيرة لهذه الحرب على الحياة الاقتصادية وعلى النمو الاقتصادي، وعلى كافة الحركة التي يمكن ان تقوم بها المصارف. بالنسبة للودائع في سوريا فهي في اتجاه تراجعي كبير نتيجة عدم رغبة المصارف في تنمية الودائع، لان للودائع كلفة، وبسبب فقدان او ضمور حالات التوظيف لهذه الودائع. فأي مصرف لا يتشجع على جلب الودائع اذا لم يكن هناك امكانية لتوظيفها في الاسواق، وبالتالي هذا الوضع من الطبيعي ان يؤدي الى ضمور في العمل المصرفي. من جهة ثانية هناك الاضرار التي لحقت بالمؤسسات لا بد من تكوين مؤونات على الديون المشكوك بتحصيلها، ووفقا لقرار صادر عن مصرف لبنان، فان هذه المصارف كونت كل الاحتياطيات اللازمة لمواجهة كل الاضرار التي لحقت بوحدات التسليف. وبالتالي يمكن ان نعتبران الاضرار التي لحقت بالوحدات الخارجية العاملة في سوريا من مصارف لبنانية قد جرى استيعابها. اما في مصر فالوضع افضل لانها لم تمر في حرب داخلية، الا انها تشهد تباطؤا في الاقتصاد نتيجة انتقال السلطة والاضطرابات المحدودة التي لحقت بالبلاد. الوضع في مصر يختلف تماما عن الوضع في سوريا. في كل الاحوال حجم القطاع المصرفي اللبناني في هاتين الدولتين لا يشكل نقطة من بحر امكانياته، فأي تاثيرات لن يكون لها أي انعكاسات على وضع المصارف اللبنانية لبنانيا وعالميا.
* هل تتوقعون ان يحافظ قطاع المصارف على نمو الودائع مقارنة مع السنوات الماضية، في ظل الوضع الداخلي الراهن ، ماذا يمكن ان يحقق من نشاط، وكيف هو وضع الرساميل الاتية من الخارج؟
ــ ما نشكو منه هو التدمير الذاتي الذي الحقناه بلبنان، وهواكثر من الضرر الذي نتج عن اوضاع المنطقة، وهذا التدمير الذاتي ناتج عن ركوب بعض الفرقاء في لبنان موجة الاضطرابات في المنطقة خاصة في سوريا بمحاولة الاستفادة منها سلبا او ايجابا، وذلك خلافا لما اعلنته الحكومة من نأي بالنفس عن الاضطرابات، وهذا سبب اساسي للضرر بالاقتصاد وبموسم الاصطياف وبسمعة لبنان، كبلد استقرار يحتاجه كل اللبنانيين لعودة نمو الاقتصاد وعودة لبنان الى جاذب للاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة التي هي اساس نجاح لبنان للعودة الى الحياة الطبيعية.
تمويل احتياجات الدولة ضمن التعقل
* دور القطاع المصرفي في الاقتصاد هل تعتبرونه كافيا ؟ القطاع المصرفي في تمويل الدولة إلى أي مدى يستطيع الاستمرار في تلبية احتياجاتها؟ وهل يستمر بالتمويل من دون شروط؟
ــ في الظرف الحالي نعمل ضمن اطارات مختلفة عن السنوات السابقة التي مرت. نحن نركز اليوم على السيولة وليس على الربحية، وعلى الامان والسلامة وليس على النمو بالرغم من اننا سنحقق هذا العام نموا في الودائع بحوالي 7 في المئة، وفي التسليفات ما يقارب 12 في المئة. اما بالنسبة للدولة وتمويل الدولة، فقد قلنا في السابق اننا ملتزمون باستمرار تمويل احتياجات الدولة ضمن اطار التعقل وضمن اطار سقوف تسليف لها عائد اقتصادي واجتماعي، ولكن يؤسفنا ان ما شاهدناه هذا العام من تراكم استحقاقات اجتماعية واقتصادية، وان كانت مشروعة، الا انها تتعدى امكانيات الدولة المالية، لذلك وقفنا كهيئات اقتصادية بوجه اية ضرائب جديدة، اراد البعض تسويقها في وقت يمر الاقتصاد اللبناني فيه بحالة تراجع مما يستوجب تحفيزه من اجل الصمود والعودة الى النمو، ولذلك قلنا ان الوقت ليس لفرض ضرائب جديدة قمعية على هذا الاقتصاد، فذلك تحت حجة زيادة رواتب او غير ذلك من الحجج. نحن لا نعرف حتى الان كيف ستتمكن الدولة من تمويل السلسلة الجديدة للرتب والروتب، التي تتجاوز كلفتها المليار و200 مليون دولار،. السؤال من اين ستمول السلسلة؟ هل سيكون التمويل عن طريق الاستدانة؟ ومن يقدم على تأمين هذه الاستدانة غير المنتجة، في وقت يتضاءل فيه نمو الودائع في القطاع المصرفي، بسبب الاوضاع في المنطقة وفي لبنان، في وقت تمارس الدول الاخرى التي هي في وضع لبنان من حيث المديونية، سياسة تقشفية مؤلمة. ان اعلان أي هدف بالاستدانة لتمويل زياد الرواتب وتمويل السلسلة لتغطية نفقات انفلاشية، لا تأخذ بالاعتباران اي مصرف دولي او سوق دولية تقبل بتأمين مثل هذا التمويل، لذلك على الدولة ان تجد حلولا عاجلة بعيدا عن المصالح الانتخابية، وان الاستحقاقات التي ستنتج عن أي زيادة غير عقلانية في وقت لا تتوفر الموارد المالية سيكون لها انعكاسات تضخمية بحيث يأكل التضخم الزيادة المنتظرة.
*هل تطبقون مبدأ اعرف عميلك، المختصة بالقطاع المصرفي ، وقانون “ FATF” الاميركي؟
ــ قانون “ FATF” سيتناول قعلا الاميركيين والمقيمين على الاراضي الاميركية، الحكومة الاميركية ستلاحق مواطنيها وتطبق تشريعاتها عليهم، بالطبع ليس من واجبنا ادبياً الوقوف بوجه هذا الهدف المعلن، اما بالنسبة الى القانون، فنحن نرى ان يتبع الاميركي قانون بلده، وبالتالي ان يتعاون بهذا الموضوع ويدفع الضريبة عن حساباته لمصلحة الادارة الاميركية، والحل الاخر ان يطلق حسابه لدى البنك لعدم توريطه، لان أي بنك مضطر للتعاطي مع الدولة الاميركية وفقا لقوانينها، اذا كان يبغي ان يتعامل مع السوق الاميركية، لان التعامل مع السوق الاميركية، والحاجة الدائمة للتعامل مع هذه السوق من ضمن النظام المصرفي العالمي وعدم رغبة بعض الاميركيين بالخضوع لقوانين بلادهم على هذا الصعيد، المصارف تضطرالى ان تختار مصلحتها، ضمن اطار القانون اللبناني.
*على صعيد بنك الاعتماد اللبناني، هل لديكم خطة للتوسع في الخدمات المصرفية، في ضوء التطورات الداخلية والخارجية؟
خطة للتوسع خارجيا
ــ نحن نوسع خدماتنا خارج الحدود، وقد افتتحنا في العراق مركزين في بغداد وفي اربيل، ونففتح حاليا في شاطىء العاج، بعدما افتتحنا منذ سنتين في السودان. لدينا خطة للتوسع باتجاه البلدان التي تضم جاليات لبنانية وعربية. كما اننا نطور اعمالنا داخليا من خلال المنتجات الجديدة، وبصورة خاصة منتجات التجارة الالكترونية، بعدما ادخلنا برنامجا هو من احدث البرامج في العالم، وهذا سيساعدنا على تقديم خدات سريعة واكبر مع تأمين امكانيات ادارة حديثة تساعدنا على الاحاطة بالشبكة العالمية التي يبنيها الاعتماد اللبناني.
* يلاحظ تطور في التسليفات الاستهلاكية اكثر من القطاعات الانتاجية، هل من ظواهرها ان القطاع العقاري يتراجع؟
ــ يوزع القطاع المصرفي اللبناني موارده على فئات المجتمع. وتوسع التسليف الاستهلاكي لا يتم على حساب التسليف الاستثماري والتوظيف في الاقتصاد. امكانيات المصارف المالية هي امكانيات تتيح تغطية حاجات كل الاقتصاد. على هذا الصعيد هناك دور كبير للقطاع المصرفي اللبناني بتوسيع قاعدة عملائه والوصول فيها الى اخر لبناني في اخر قرية، وهذه من مؤشرات النمو والتقدم الاجتماعي ان يستطيع كل لبناني الوصول الى التسليف المصرفي الذي هو قاطرة النمو لبناء الانسان والفرد والعائلة وبناء المجتمع.
* هل هناك خوف من الديون المشكوك بتحصيلها؟
ــ لا خوف بالنسبة للديون المشكوك بتحصيلها، احجام الديون هذه صغيرة وتحت السيطرة، ومراقبة من المصرف المركزي، الذي يمارس رقابة مشددة من اجل ان تضطر المصارف لارتقاب اية اخطار وتغطيها بواسطة المؤونات. الاقتصاد اللبناني لا يمر بمسار كارثي انما بمسار عادي ما ينقصه هو النمو السابق، ولكن النمو ما يزال ايجابيا وليس سلبيا. وبالتالي أي تباطؤ في حركة االتسليف ام في ادارة محفظة ستؤمن المصارف لها المؤونات الكافية.
* هل تستطيعون الدخول في المشاريع الاستثمارية مع القطاع العام؟
ــ ما نشكو منه هو انه بالرغم من دلائل التغييرالذي حصل عن موضوع الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام، لم يعرض علينا حتى الان مشروع شراكة واحد، بالرغم من اننا نسعى وراء ذلك ونريده ان يتم ضمن اطار الجدوى الاقتصادية وضمن اطار التخفيف من مديونية الدولة ومشاركة القطاع العام لجهة التوظيف في البنى التحتية. المشاركة في التمويل ليست المشكلة انما المشاركة في الادارة هي موضوع حذر الدولة، وهذا مانعتبره من الاسباب الرئيسية لتأخير الشراكة مع القطاع العام.
* هل النمو الاقتصادي يسير باتجاه ايجابي، وما هي تقديرات نموه، وهل هناك خوف على الاستقرار المالي والنقدي في لبنان؟
ــ في ظل السياسة الحالية للدولة اللبنانية وبصورة خاصة للبنك المركزي هناك ضمانة لاستمرار الاستقرار النقدي. اما بالنسبة للنمو الاقتصادي هناك تقديرات منذ بداية العام ولا زالت حتى اليوم مقبولة، انما تبقى الامور مرهونة بالتطورات السياسية والامنية، تفاجأنا هذا الصيف بما حصل، وهذه المفاجأة كانت غير مرتقبة لانها من فبيل التقدير الذاتي وليست فقط انعكاساً للاسباب الخارجية او القرارات الخارجية على الوضع اللبناني. هنا نطلب من المسؤولين ان يمارسوا فعلا مسؤولياتهم ويتحملون بعض المخاطر، لان مسؤولية تأمين الاستقرار، ستكون كلفته باهظة وستسيء الى الصورة الحضارية للبنان وستنعكس على النمو وعلى الاستقرار وعلى الافتصاد.