جوزف طربيه:
تعويض الاضرار باعادة بناء الثقة جديا
لكل قرار مترتباته. لهذا، تدرس الهيئات الاقتصادية بقلق الآثار التي سيخلفها إقرار سلسلة الرتب والرواتب على الإقتصاد الوطني، وخصوصاً انعكاساتها على مالية الدولة ومفاعيلها على الاستقرار النقدي والدين العام ومعدلات التضخم. لذا، يسأل رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه "كيف تقرّ الحكومة خطوة بهذه الكلفة ولا توفر في الوقت نفسه مصادر تمويل لها مقنعة ومستمرة؟".
¶ ما برأيكم الحل لـ"مشكلة" سلسلة الرتب والرواتب؟
الدولة، اذا التزمت السلسلة، هي المسؤولة عن ايجاد التمويل اللازم لها، ويجب أن نترك لها المرونة في تمويلها سواء بتجزئة التنفيذ أو التقسيط على ضوء إمكان توفير الموارد لتغطية كلفتها من خارج الضرائب، ودرس انعكاساتها على الاسعار وعلى العمال واصحاب العمل. ثمة آثار تضخمية لها ستظهر في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية.
¶ هل تأتي السلسلة في توقيتها الصحيح؟
مما لا شك فيه أنه يجري فرض السلسلة على الدولة تحت ضغط الحركات المطلبية وفي ظل مناخ متعاطف مع وجوب انصاف العاملين في الخدمة العامة. لكن الامر متوقف على توفير التمويل اللازم من غير الضرائب التي تزيد اعباء اقتصاد يتراجع، كما يستحيل اضافة 1,2 مليار دولار هي كلفة الزيادة سنويا على الدين العام. لذلك، يبقى موضوع السلسلة معلقاً على إيجاد صيغة التمويل المقبولة مع التأكيد على ضيق الخيارات المتوافرة.
¶ ما كانت مسبّبات خلوة بكركي؟
يتطلب الوضع الاقتصادي مؤازرة القوى الحيّة في لبنان، وعلى رأسها المرجعيات الروحية. لذا، كان طلب عقد قمة روحية-اقتصادية. ولان خطاب بكركي الاخير جذب الهيئات بمحتواه المفتوح على المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بصراحة، وجدت الهيئات في بكركي صوتا صارخا يشبه ما اطلقته قبل اشهر نتيجة تدهور السمعة الاقتصادية للبنان بفعل انعكاسات ازمة المنطقة وخصوصا سوريا.
¶ وهل من توقعات عمليّة من الخلوات؟
نحن على حوار دائم مع الحكومة ومع المرجعيات لتجنيب البلاد قرارات تتخذ في وقت يسود عدم الاستقرار ويطغى المناخ الانتخابي بما يلقي من اعباء يعجز لبنان عن تحملها، وتستحيل العودة عنها بعد اقرارها وظهور آثارها السلبية على الاقتصاد.
¶ يتحرك السياسيون... ولكن في اي اتجاه؟
الانقسام السياسي من الثوابت في المشهد الوطني اللبناني. لم يجرِ في بعض المراحل، استيعاب حجم الأخطار الناتجة من استيراد بعض جوانب أزمة المنطقة. حصلت أضرار كبيرة نتيجة إهتزاز صورة لبنان كمساحة آمنة في منطقة مضطربة. لكن برزت إرادات داخلية للجم الانتحار مما ساعد في تهدئة الأوضاع.
¶ طار الصيف. ماذا بقي للاقتصاد من نشاط؟
يستحيل تعويض الاضرار فورا، اذ يتطلب اعادة بناء الثقة في الداخل والخارج حيال استعادة الدولة لقدرتها في ادارة الشأن العام السياسي والامني الذي هو المدخل لعودة الاقتصاد للعمل، بما فيها السياحة والتصدير والاستيراد ومجيء الوفود. ويذكر ان لبنان ضعف موقعه كمركز رئيس للمؤتمرات في المنطقة وملجأ للمؤسسات الدولية التي كانت بدأت تعود لاعتماده مقرا اقليميا. ولكن اعادة بناء الثقة جديا وبصدق يستلزم وقتاً وجهداً.
¶ هل من تأثير لعمل لجنة المؤشر على هيكلية الاسعار والفوائد وربما الاداء المصرفي ايضا؟
نحن مع استمرار عمل لجنة المؤشر، ونطلب حماية الحد الادنى للاجور لاننا نرفض ان يعمل احد من دون الحد الادنى للكرامة الانسانية. لكن ما لا نسلّم به هو فرض زيادات عبر الشارع. نؤيد اعادة النظر بالسياسة الضريبية، لكن لا يمكن اقتصاد في ازمة ان يحمّل زيادة العبء الضريبي. بل يفترض ايجاد حوافز لاعادة جذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة. فعبء الضرائب يعوّق النمو وعودة الحيوية المطلوبة.
¶ ماذا ينتظر القطاع المصرفي من استحقاقات مهمة؟
يعيش القطاع ضمن اطار السلامة التي رسمها لنفسه. فالتسليفات تبقى ضمن سقوف مدروسة. المصارف مستعدة لتمويل حاجات الدولة، لكن ضمن حدود الإنفاق المجدي.
أما بالنسبة الى الضغوط الخارجية لجهة العقوبات على ايران وسوريا ومكافحة تبييض الاموال الناتجة من المخدرات او الارهاب، نؤكد ان القطاع يحترم هذه القواعد ويسير ضمن متطلباتها، ولا يخشى استهدافه. وهذا لا يعني ان اي خطأ في مصرف لن يوقعه تحت الملاحقة سواء من السلطة النقدية في لبنان او من المرجعيات الدولية التي تتابع اداء المصارف في العالم.
¶ لكن نشعر ببعض الضغوط...
لكن، لبنان ليس مدرجا في أي لائحة للدول غير المتعاونة في مكافحة تبييض الاموال التي تضم نحو 40 دولة. نؤكد ان مصارفنا متنبهة وواعية لمسؤولياتها اكثر من اي مصارف اخرى، لاننا على تماس مع المناطق الواقعة تحت سيف العقوبات.
¶ اليس انخفاض ربحية المصارف افضل من الخسارة؟
يجب ان يحافظ القطاع على ربحيته لانها الجاذب الاساس للوادئع. الربحية هي معيار الثقة بالقطاع، وتاليا من المهم المحافظة على تلك الثقة لتبقى في خدمة لبنان والاقتصاد. فالودائع استقرت هذه السنة ويتوقع ان تزيد في نهايتها بين 7 و8%، بينما يتوقع زيادة التسليفات 12%، مما يعني اننا نحافظ على الثقة بالاقتصاد وبالقطاعات، فضلا عن التأكيد على دور القطاع المفصلي وتقبله اخطار البلاد.
¶ هذا يعني انكم ستضعون سقوفا لتمويل الدولة؟
نعم، وقد اضطرت الدولة سابقا للجوء الى مؤتمرات دولية لتوفير التمويل (مؤتمرات باريس). لكن الوضع الداخلي والدولي غير مؤات، وعلينا ان نتحسب لذلك، اي ان لا احد قادر على المساعدة.
¶ كيف تترجم الضغوط في العمل المصرفي؟
نحن مستمرون في تمويل الاقتصاد كي لا نوقع البلد في ازمة. نأمل في ان تكون الفترة الراهنة من غير الاستقرار موقتة، ونؤمن باننا جميعا في مركب واحد. يجب العودة الى العقلانية والهدوء ورسم طرق بديلة للإنتاج والتصدير من دون ابطاء، لان كلفة التباطؤ باهظة على الاقتصاد وعلى مؤسساتنا وقوانا العاملة.