طربيه: تأثير الأزمة السياسية محدود بفضل الثقة بالمصارف ومناعة الاقتصاد
سلوى بعلبكي
13 تموز 2015 الساعة 13:11
لا يحبذ رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه الدخول في تفاصيل انتخابات الجمعية التي أفضت الى فوزه بالتوافق في 29 حزيران المنصرم، معتبراً ان هذه الانتخابات "أصبحت وراءنا، لتبدأ مرحلة العمل لمصلحة لبنان والقطاع المصرفي".
يدرك طربيه أن المهمة ليست سهلة، خصوصا في ظل الاوضاع السياسية والامنية التي تعيشها البلاد، وما لها من أثر سلبي على الاقتصاد عموما والقطاع المصرفي خصوصا. لكنه وضع برنامج عمل لولايته يضم الكثير من المشاريع التي تهم الاقتصاد والقطاع والمستهلكين. وهو يتضمن الشمول المالي (يتيح للمستهلكين الذين يعانون صعوبات الحصول على خطوط ائتمانيّة لتحسين ظروفهم المعيشيّة)، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، ووضع القوانين والتشريعات المصرفيّة بالتعاون مع مصرف لبنان بهدف حماية القطاع المصرفي من أي أزمة مفاجئة، اضافة الى تشجيع التعاون بين المصارف، ودعم الإقتصاد، وتوفير التمويل اللازم للقطاعات الإنتاجيّة والمشاريع التي من شأنها أن تحفّز النمو وتحافظ على السمعة الجيّدة للقطاع، محلياً وخارجياً.
ورغم تشخيصه الواقعي للظروف التي يمر فيها الاقتصاد، إلا أن طربيه لا يوافق على أن الوضع اللبناني مهدد. واقتناعه نابع من وقائع يشهدها الاقتصاد اعتباراً من "تحقيق نمو ايجابي، وتدفّق الرساميل من المغتربين التي تقارب الـ7,5 مليارات دولار سنويا، وصولاً إلى متانة القطاع المالي والمصرفي وأدائه المشجّع". ويؤكد ان لبنان يتمتع بمستوى مرتفع للاحتياطات الأجنبية، وباستقرار في سعر صرف الليرة نظراً إلى ربطها بالدولار، وبسياسة مالية ونقدية حذرة وحكيمة، ما يزيد من متانة الإقتصاد وقدرته على استيعاب الصدمات الداخليّة والخارجية. بالتوازي، يساهم مصرف لبنان في تحريك العجلة الإقتصاديّة عبر ابتكار رزم تحفيز وخطوط ائتمان ذات فوائد مدعومة أو منخفضة موجّهة للقطاعات الإنتاجيّة وغيرها من القطاعات، بما يزيد من حركة التسليف ويشجع على الإستثمار ويدعم النمو".
شكلت حصة القطاع المصرفي نحو 55% من إجمالي الدين العام البالغ نحو 70 مليار دولار في نهاية أيار المنصرم، ولكن المصارف وفق طربيه "لديها تحفظات على استمرار التوسع في المديونية العامة وقصور الدولة عن أي برنامج إصلاحي يؤدي الى إصلاح المالية العامة ومعالجة العجز المتراكم، وتطالب بضرورة التعجيل في ملف التنقيب عن النفط والغاز". ويشير الى ان "موقف المصارف من استمرار تمويل الدين العام يتحكم به استمرار تدفق السيولة مما يساعد في توفير التمويل، وتجنب وقوع الدولة في حال عجز عن الإيفاء ما يلحق الاذى بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وينعكس على التصنيف السيادي للبنان. لذا من الضروري أن تلتزم الدولة الإصلاحات الجذريّة التي تعهّدت تطبيقها في مؤتمرات باريس لدعم لبنان".
ورغم بعض نقاط التشابه بين الوضع الإقتصادي الحالي الذي يشهده كلّ من لبنان واليونان، إلا أن ثمة أوجه اختلاف كثيرة تدفع طربيه إلى استبعاد أي تأثير لأزمة اليونان على وضعنا الإقتصادي. فثمة مقوّمات يتمتّع بها لبنان، على عكس الإقتصاد اليوناني، بما يزيد من مناعته عند مقارنته بالأزمة اليونانيّة. وفي التفاصيل التي يوردها طربيه "انّ نسب السيولة التي يتمتّع بها القطاع المصرفي اللبناني، والبالغة نحو 87%، تُعتبَر مرتفعة جداً لدى مقارنتها بالسيولة في القطاع المصرفي اليوناني. وتشكّل الودائع المصرفيّة في لبنان نحو 230,52% من الدين العامّ، مقارنةً بنسبة 65,52% في اليونان، وذلك في ظلّ استمرار تدفّق تحويلات المغتربين اللبنانيين. ورغم مستوى الدين العام المرتفع في لبنان (يشكّل نحو 135% من الناتج المحلّي للبلاد مقابل 177% لليونان)، فإنّ غالبية الدين اللبناني مصدره داخلي (60,74% من الدين مُعنوَن بالليرة)، في حين تشكل الديون الخارجية الحصّة الأكبر من الدين العام في اليونان، ومصدرها الإتحاد الأوروبي والبنك الدولي الأوروبي وصندوق النقد. بالتوازي، تشكل إجمالي الإحتياطات في لبنان 71,62% كنسبة من الدين العام الإجمالي مقارنةً بـ 1,61% لليونان. مع التذكير بأنّ سعر صرف الليرة مرتبط بالدولار الأميركي وليس له أيّ ارتباط بالأورو".
ممّا لا شكّ فيه أنّ الأزمة السياسيّة القائمة حاليّاً في لبنان والمنطقة منذ اندلاع سلسلة ثورات ما سمي بـ "الربيع العربي" في مطلع 2011، عرقلت نشاط العديد من القطاعات الإقتصاديّة في البلاد. ولكن رغم ذلك، يتوقع طربيه أن تبقى تداعيات الأزمة السياسيّة على القطاع المصرفي محدودة في ظلّ استمرار ثقة المستثمرين والمودعين بالمصارف اللبنانيّة، وتدفّق تحويلات المغتربين اللبنانيين إلى البلاد، والتزام المصارف اللبنانيّة أفضل معايير إدارة المخاطر والإدارة الرشيدة، إضافة إلى الانتشار الكبير للقطاع خارج الأراضي اللبنانية وهندسته المستمرّة لمنتجات وخدمات مصرفيّة خلاّقة تتناسب مع حاجات العملاء ومتطلباتهم.
قبل مدة فوجئ القطاع المصرفي بأزمة مصرف الشرق الأوسط وأفريقيا MEAB، فهل من تخوّف من أزمة تصيب القطاع؟
لا يبدو لطربيه أن حادثة الرئيس السابق لمصرف MEAB قاسم حجيج قد تناولت المصرف بأي اتهام. إذ يظهر بوضوح أن السلطات الأميركية تجنّبت بدقة أي تعرض للمصرف أو لسمعته، حاصرة مآخذها بالنشاط الخاص للرئيس السابق للمصرف كرجل أعمال. علماً أن المصارف تخضع لرقابة مشددة يمارسها مصرف لبنان في ما يتعلق بمكافحة تبييض الأموال، إضافة الى الجهد المستمر الذي تقوم به مع جمعية المصارف على هذا الصعيد لتحصين اوضاعها والدفاع عن سمعة القطاع بكامله. من هنا كانت آثار التدابير التي لحقت برئيس MEAB محدودة بالنسبة الى المصرف، ومعدومة تماماً بالنسبة الى القطاع المصرفي.
اخيراً، خلصت الدراسة التي أعدها صندوق النقد الدولي واتحاد المصارف العربيّة، إلى أنّ مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب رتّبت أعباء إضافية على المصارف المراسلة، كما أنّ تطبيق قانون الإمتثال الضريبي الأميركي أضاف تكاليف جديدة على المصارف اللبنانيّة. إلاّ أن طربيه يرى أن هذه التكاليف تبقى ضئيلة وهامشيّة مقارنةً بالتكاليف المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن تنجم عن عدم تطبيق القانون.