الإقتصاد اللبناني مستمر بحالته الضعيفة منذ مطلع العقد الحالي بعدما تراجع معدل نموه الى نحو 1% في العام 2015، فيما تشير تقديرات المؤسسات الدولية الى أن هذه النسبة لن تتغيّر كثيراً خلال سنة 2016 بسبب عدد من التطورات بعضها داخلي، وأبرزها استمرار الفراغ الرئاسي وتعطّل عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبعضها خارجي يتعلق بالأحداث في المنطقة العربية وخصوصاً في سوريا
انعكست هذه التطورات سلباً على الاستثمارات الداخلية والخارجية وعلى حركة الاستهلاك في الداخل اللبناني، بيد أن استمرار تحويلات العاملين في الخارج والتسليفات المصرفية، على رغم التراجع الطفيف للأولى وتباطؤ نمو الثانية، ظلتا تساهمان، كما هي الحال دائماً، في دعم الحركة الاقتصادية بحسب رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه الذي يعتبر انه مما لا شك فيه "أنّ الإضطرابات التي لا تزال تعصف بلبنان والمنطقة قد عرقلت نشاط العديد من القطاعات الإقتصاديّة في البلاد، الأمر الذي أدّى إلى تباطؤٍ نسبيٍّ في وتيرة نموّ الحركة التسليفيّة ومحفظة الودائع لدى القطاع المصرفي. غير أنّ هذا التباطؤ بقي محدوداً في ظلّ إستمرار ثقة المستثمرين والمودعين المحليّين والأجانب بالمصارف، والتي لطالما عُرِفَت بمتانتها وقدرتها على تخطّي شتّى الصعوبات".
من المؤكد أن المصارف اللبنانية ساهمت في هذا الاستقرار النقدي واستمرت في توفير التمويل للاقتصاد الوطني بحجم كاف وبكلفة متدنية قياساً بما هو سائد في دول تتمتع بتصنيف أفضل بكثير لمخاطرها السيادية. وفي هذا السياق، يشير طربيه الى إرتفاع الأصول المجمّعة للمصارف التجاريّة العاملة في لبنان بـ1,42% منذ مطلع 2016 وبـ 5,36% على صعيدٍ سنويٍّ لتصل إلى 188,63 مليار دولار في نهاية أيّار 2016. كما نمت التسليفات الممنوحة إلى القطاع الخاصّ بنسبة 2,39% خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2016 و8,09% على أساسٍ سنويٍّ لتجاور عتبة الـ 56 مليار دولار في نهاية الفترة المذكورة. وازداد اجمالي ميزانية المصارف التجارية، الذي يشير الى حجم النشاط المصرفي، بنسبة 1,4% في الاشهر الخمسة الاولى من 2016 في مقابل ارتفاعه بنسبة أعلى بلغت 1,9% في الفترة ذاتها من 2015. والجدير ذكره أنّ مصرف لبنان لعب دوراً أساسيّاً في دعم نموّ تلك التسليفات من خلال الرزم التحفيزيّة التي أطلقها منذ العام 2013، والتي يضخّ من خلالها في المصارف خطوط إئتمانيّة بمعدّلات فائدة متدنّية لا تتخطّى الـ 1% تهدف إلى دعم حركة التسليف ونشاط قطاعات إقتصاديّة مختلفة كالقطاعات الإنتاجيّة وقطاع السكن والبحث والتطوير والمشاريع الصديقة للبيئة، على سبيل الذكر لا الحصر. أمّا لجهة ودائع الزبائن لدى المصارف التجاريّة في لبنان، فقد زادت بـ1,71% خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذه السنة وبـ 4,37% على أساسٍ سنويٍّ إلى 157.61 مليار دولار كما في نهاية شهر أيّار. وقد ساهم التدفّق المستمرّ لتحويلات المغتربين إلى لبنان، والبالغ نحو 7,16 مليارات دولار في 2015، في تحقيق هذه الزيادة المستدامة في ودائع الزبائن.
بالتوازي، يؤكد طربيه أن مستويات السيولة بقيت عالية في القطاع المصرفي إذ بلغت السيولة الأوّليّة نحو 77,9% مع نهاية أيّار 2016، تزامناً مع تراجعٍ في معدّل الدولرة في ودائع القطاع الخاصّ إلى 64,79%، من 64,88% في نهاية العام 2015 و65,16% في أيّار 2015، الأمر الذي يعكس ثقة المودعين المتزايدة بالعملة المحليّة. أمّا في ما يختصّ بعمليّات المصارف اللبنانيّة في الخارج، فإنّ حجمها لا يتعدّى 17% من مجموع ميزانيّة القطاع المصرفي اللبناني، الأمر الذي يحمي المصارف من أيّ صدمات.
وفي سياق غير بعيد، لا تزال وكالات التصنيف الدوليّة والمؤسّسات العالميّة المرموقة كصندوق النقد والبنك الدولي على سبيل المثال تشيد بأداء مصرف لبنان وقراراته الحكيمة وفق رئيس جمعية المصارف، والتي تنعكس من خلاله صلابة القطاع المصرفي والمالي وإستقراراً للعملة الوطنيّة بالرغم من الأوضاع المحليّة والإقليميّة المتشنّجة. ويضيف: "حافظ المركزي على سياسته النقديّة الحذرة حتّى يومنا هذا، مستمرّاً في إصدار التعاميم الدوريّة التي تواكب شتّى متغيّرات السوق وتحمي القطاع من مختلف الصدمات. كذلك بقي مشرفاً على إلتزام القطاع المصرفي جميع المعايير الدوليّة، ومنها معايير لجنة بازل ومعايير إدارة المخاطر والإدارة الرشيدة ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب و"فاتكا". وقد ساهم المركزي خلال الفترة الماضية في تحفيز حركة التسليفات من المصارف إلى القطاع الخاصّ عبر خطوط إئتمان مدعومة تطاول قطاعاتٍ إقتصاديّة وطبقاتٍ إجتماعيّة عدّة في إطار سياسته النقديّة التوسّعيّة".
الديـن العـام 71,5 مليار دولار
سجل الدين العام الاجمالي 71.5 مليار دولار في نهاية ايار 2016 كما إرتفع العجز العام من 1601 مليار ليرة في الفصل الاول من العام 2015 الى 2172 ملياراً في الفصل الاول من 2016، وارتفعت نسبته من 33,8% من مجموع المدفوعات الى 37,2% في الفترتين المذكورتين. وحقق الرصيد الأولي عجزاً قيمته 604 مليارات ليرة في الفصل الاول من 2016 ، في مقابل عجز أدنى بقيمة 208 مليارات ليرة في الفصل الاول من 2016. وفي هذا السياق، وحول المخاوف من تداعيات هذه المؤشرات على القطاع المصرفي عموماً يؤكد طربيه لـ"النهار" ثقته بأنّ القطاع قادر على تخطّي التحدّيات التي تمرّ فيها البلاد، الأمر الذي برهنه عبر السنوات. في هذا الإطار، توقّع أن تحافظ المصارف على وتيرة النموّ نفسها التي حقّقتها في الأعوام الماضية في ما يتعلّق بالودائع والتسليفات وحجم الميزانيّة، معتبراً أن متانة القطاع تأتي من خلال نسب السيولة المرتفعة وهي قرب 78%، ومستويات الملاءة الجيّدة إذ تتخطى نسبة كفاية رأس المال 4% وفق متطلّبات "بازل 3"، بالاضافة الى عامل الثقة الذي يساهم في إستقطاب الرساميل وتحويلات المغتربين. كما أدت سياسة مصرف لبنان الحكيمة من جهة، وإلتزام المصارف شتّى المعايير الدوليّة من جهةٍ أخرى، دوراً مهمّاً في المحافظة على سمعة القطاع لدى المجتمع الدولي، بحسب طربيه، ومن المرتقب أن تتوسّع قاعدة العملاء لدى المصارف التي تعمل دوماً على إبتكار سلّة متنوّعة من المنتجات والخدمات المصرفيّة الدائمة التجدّد.
بالفعل، تمكن الوضع النقدي من المحافظة على إستقراره حتى اليوم رغم دقّة الأوضاع العامة في البلاد بفضل الإمكانات الكبيرة المتوافرة لدى الجهاز المصرفي والى الإجراءات والهندسات المالية التي اتخذها البنك المركزي بالتعاون الوثيق مع المصارف. وينهي طربيه حديثه بنظرة عن صلابة الليرة اللبنانية، فيقول: "ليس هناك من تخوّف في شأن سعر صرف الليرة في ظلّ ربطها بالدولار وتدخّل مصرف لبنان كشارٍ أو بائعٍ للدولار لضمان إستقرار سعر الصرف، ناهيك بمستويات الإحتياطيات العالية للمركزي بالعملة الأجنبيّة والتي وصلت إلى 36,22 مليار دولار في منتصف تمّوز 2016".