في ظل الارتجاجات السياسية محليا ودوليا وتصدّع بنيان الدولة، يأتي تأخر تأليف الحكومة كشوكة مؤلمة في خاصرة مؤتمر "سيدر" والآمال المعقودة عليه لتلتقي مع شوكة العقوبات الأميركية على ايران و"حزب الله" ومفاعيلها الموجعة على الاقتصاد.في المقابل، ولمواجهة هذه التحديات، اتخذ مصرف لبنان قرارا برفع الفوائد بغية استقطاب واستيعاب اكبر سيولة نقدية وتحديدا بالعملة الصعبة لرفع منسوب الاحتياط وتعزيز القدرة والموجودات لدى المصارف والبنك المركزي لتخطي المرحلة الصعبة من دون كدمات.
وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قانون تعديل تجفيف تمويل "حزب الله" الذي يُعرَف بـ HIFPA، ويستهدف أيضاً المنظّمات والمؤسّسات الإجتماعيّة والماليّة للحزب، لذا كان لا بد أولا من سؤال رئيس جمعية مصارف لبنان جوزف طربيه عن العقوبات الأميركية وتداعياتها على الاقتصاد اللبناني عموما والمصرفي خصوصا؟ من المؤكد أن هذا الامر يأخذه المعنيون في القطاع المصرفي على محمل الجد، إذ قال طربيه لـ "النهار": "إننا ننظر إلى هذا الموضوع بأعلى درجات المسؤولية ونقارب تداعياته وانعكاساته بكل وعي وإدراك". ويبدو أن اطمئنانه نابع من الاجراءات التي اتخذها مصرف لبنان، مشيراً الى "أننا نقف على رأس الهرم المصرفي كسلطة نقدية وضعت تعاميم وتعليمات وإجراءات من أجل تأمين الإنضباط المالي بما يحصّن القطاع المصرفي من خلال مراقبة ادائه وكيفية ممارسة مهماته". ويطمئن الى "ان المصارف في لبنان تلتزم في الاساس عدم التعامل مع لوائح الاسماء والجهات المدرجة في لوائح العقوبات الاميركية وآخرها مندرجات قانون HIFPA، وذلك من أجل حماية أموال المودعين وتجنيب القطاع أي خضات"، مع التأكيد "ان جمعية المصارف تواكب التطورات الحاصلة على هذا الصعيد باستمرار، من أجل المحافظة على سلامة المصارف واستمرار سلاسة تعاطيها مع الاسواق الدولية".
إلا أن تأثير العقوبات الدولية لا يقل اهمية عن تأثير التأخير في تأليف الحكومة، وهذا الامر يدركه طربيه جيدا بدليل تأكيده أنّ تأخير تأليف الحكومة له أثر سلبي على العمل المصرفي والإقتصادي ويتجلّى من خلال أوجه عدّة، يذكر منها "انخفاض ثقة المستهلك الذي أصبح ميّالاً أكثر إلى خفض حجم إنفاقه وإحجام الشركات عن الإستدانة وتوسعة أعمالها (الأمران اللذان يؤثّران على الدورة الإقتصاديّة في البلاد)، وتعثّر بعض الأفراد والشركات في سداد القروض. إضافة إلى ذلك، فإنّ التأخير في تشكيل الحكومة يؤدّي إلى التأخير في تحرير الأموال التي تعهّدها المجتمع الدولي للبنان في مؤتمر "سيدر" الذي تمّ التعويل عليه كثيراً لتحديث البنى التحتيّة المتهالكة في لبنان وتطويرها، وتاليا تحريك العجلة الإقتصاديّة وجلب الإستثمارات الخارجيّة وتوفير فرص عمل جديدة". من هنا يناشد طربيه المسؤولين والقوى السياسيّة "التخلّي عن الحسابات الضيّقة وتقديم التنازلات والتضحيات من أجل المصلحة العليا، وتاليا تسريع تأليف الحكومة التي تنتظرها مهمات جسام لمعالجة الوضع الإقتصادي المتردّي في البلاد".
ارتفاع الفوائد وأثره على النمو
الاوضاع التي تعيشها البلاد أثرت على الاقتصاد، وبطريقة أو أخرى على الفوائد المصرفية التي ارتفعت الى معدلات غير مسبوقة بما حدّ من عمليات الاقتراض لتطوير المشاريع القائمة أو إقامة مشاريع جديدة. وما قاله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن ان الاقتصاد بشكل عام يتأثر بالفوائد، وإن "كان هذا التأثر محدودا"، يؤكد هذا الشيء. واذا كان الحاكم يعتبر أن تحقيق النمو الاقتصادي لا يرتبط بمستوى الفوائد فقط، إذ "ثمة عناصر اخرى مهمة كتوافر السيولة ونوعيتها، والمناخ السياسي، والاستقرار في القوانين، وضبط العجز العام لتعزيز الثقة لدى المستثمرين"، فإن طربيه يلاقي الحاكم في رأيه ويقول إن "التوتّرات السياسيّة القائمة حاليا والتحدّيات المختلفة التي يواجهها لبنان، ومنها الفراغ الحكومي، من شأنها أن تساهِم أيضاً في استمرار ارتفاع معدّلات الفائدة التي تعبّر عن عدم الاستقرار وازدياد المخاطر السياسية". وعلى المدى المنظور، يتوقع طربيه "أن تبقى معدّلات الفوائد في لبنان على ارتفاعٍ لتجاري المنحى التصاعدي في الأسواق العالميّة، علما أنّ الفيديرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة 3 مرات خلال 2018 كان آخرها في أيلول حين زادت ربع نقطة لتراوح ما بين الـ2.00% والـ2.25%، أي عند المستوى الذي كانت عليه في نيسان 2008". وأكثر فإن طربيه يتوقع "زيادة رابعة في معدّلات الفائدة الأميركيّة خلال ما تبقّى من هذه السنة، لتتبعها 3 زيادات جديدة في 2019 وزيادة واحدة في العام 2020".
ولا بد من التذكير بأن سلامة ركز على موضوع الفوائد أخيرا، فأوضح أن "معدلات الفوائد في لبنان اليوم أعلى ممّا كانت عليه منذ سنة. في تشرين الثاني 2017، عمد مصرف لبنان إلى رفع الفوائد بسبب الأزمة السياسية التي ولّدتها استقالة الرئيس سعد الحريري أثناء تواجده في السعودية. كان رفع الفوائد ضروريا آنذاك في ظلّ ضغوط السوق. تحمّلنا حينها كلفة زيادة الفوائد للمودعين، وتأكدنا أن المودع وليس المصرف، هو المستفيد من هذه الزيادات. بعدها، خلال 2018، ارتفعت معدلات الفوائد في الولايات المتحدة وفي الأسواق الناشئة. ولجأ مصرف لبنان الى عمليات مالية من شأنها أن تصون قدرة المصارف اللبنانية التنافسية على استقطاب الرساميل. هذه العمليات المالية بقيت محدودة ولم تشمل أكثر من 1% من مجموع الودائع في لبنان. لذا فإنّ معدل الفوائد على الودائع المصرفية هو 4.7% على الودائع بالدولار و7.65% على الودائع بالليرة. أما الفوائد على القروض فبلغت 8.12% +1/2 % على الدولار على سنة و9,13 % + 1% على الليرة على سنة، وهي فوائد ادنى من الفائدة المرجعية لجمعية المصارف بسبب تأثير الفوائد المدعومة من مصرف لبنان، وتاليا على الموازنة والاقتصاد ان يتأقلما مع واقع عدم خفض الفوائد".
ولكن هل لبنان مضطر الى رفع الفوائد؟ يوضح وزير المال السابق دميانوس القطار لـ"النهار" أنه "في العادة يتم رفع الفائدة عند الحاجة الى سيولة لتحصين الاحتياط في وجه الازمات. أما بالنسبة الى لبنان فنحن حاليا في حاجة الى كبح الفرامل عبر رفع الفوائد لجذب النقد من الاقتصاد ووضعه في الاحتياط المصرفي. في هذه الفترة نحن مضطرون الى رفع الفوائد. ولكن اذا تطور الامر، فإن هذه العملية ستؤذي عمق الاقتصاد لأن الناس سوف تخرج أموالها من الاقتصاد لوضعها في الاحتياط النقدي".
الزيارة الى واشنطن روتينية
أوضح رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه أن الزيارة التي سيقوم بها وفد الجمعيّة في نهاية هذا الشهر الى نيويورك تندرج ضمن خانة الزيارات الدوريّة الروتينيّة لمراكز القرار المالي، وخصوصا للتواصل مع البنوك المراسلة الاميركية وتوطيد العلاقات معها، إضافة إلى التداول بكل الامور المشتركة التي تهم الطرفين.