هلا صغبيني
مواضيع كثيرة أُثيرت في اللقاء السنوي الذي تنظمه جمعية مصارف لبنان مع الإعلاميين الاقتصاديين والذي عرض خلاله رئيس الجمعية جوزف طربيه لأهم المؤشرات المالية والاقتصادية، وموقف الجمعية من أبرز القضايا والشؤون الوطنية والاقتصادية والمهنية المطروحة.
فخلال الحوار طرحت المواضيع التالية:
1- القروض السكنية: أكد طربيه أن المصارف اللبنانية تلتزم كل التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، في توضيح له على ما أثاره وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي أول من أمس بعد لقائه ووزير المالية علي حسن خليل ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للإسكان روني لحود، رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث قال إن الأخير «طلب تطبيق التعميم (الصادر عن مصرف لبنان) مع كل مصرف يتلكأ في تقديم القرض الذي تم توقيعه من المصرف والمواطن».
وكان بو عاصي قدّم للرئيس الحريري تصوراً عملت عليه وزارة الشؤون الاجتماعية والمؤسسة العامة للإسكان لاستمرارية القروض المدعومة واستدامتها. فيما أعلن خليل في تغريدة له أن وزارة المالية ستغطي فرق فوائد قروض إسكان جديدة بقيمة ألف مليار ليرة.
«إن ما أعلنه وزير المالية هو حجم جيد وكاف على المدى المنظور»، قال طربيه مثنياً على المبادرة التي اطلقت من السراي والتي «كان ينتظرها أصحاب القروض السكنية». «ما حصل في السراي كان قراراً مهماً جداً ونحن في جمعية المصارف نحيّي هذا القرار».
ويقول ضاحكاً «نحن متهمون بأننا موّلنا الشعب اللبناني ليشتري وحدات سكنية». فبالأرقام، أمّن القطاع المصرفي، ومن خلال مختلف آليات الإقراض السكني، مسكناً لنحو 131 ألف أُسرة لبنانية في مختلف المناطق، ما رفع حجم محفظة القروض السكنية إلى نحو 13 مليار دولار في نهاية العام 2017. وهي بمعظمها لصالح ذوي الدخل المحدود وبفوائد متدنّية ومدعومة. علماً أن المصارف أضافت إلى هذه المحفظة خلال العام المنصرم أكثر من 6 آلاف قرض سكني جديد، كدليل إضافي على أن الإستقرار الإجتماعي هو من أولويّاتها.
2- في موضوع تراجع نمو ودائع المصارف ومدى قدرتها على الاستمرار في تمويل حاجات الدولة، يفسّر طربيه أن لبنان يواجه تحديات عديدة. وهي ليست بطارئة. فخلال السنوات العشرين الماضية، صدرت تنبيهات عديدة من المؤسسات الدولية بأنه على لبنان تنفيذ حزمة من الإصلاحات، وأن يقارب الموضوع المالي بشكل مختلف. وهي تنبيهات برزت بقوة في مؤتمر «سيدر» حيث طلب المجتمع الدولي من الحكومة القيام بإصلاحات جذرية. ويرى طربيه أن نمو الودائع مقبول جداً، إذ بلغ ما نسبته 4 في المئة في العام 2017، وهي نسبة قريبة مما حققته المصارف في دول الخليج. علماً أن البنك الدولي أشار في تقريره الأخير إلى تباطؤ نمو الودائع وربطه بقدرة القطاع على تمويل حاجات الدولة المتنامية. «ولت المرحلة التي كان فيها القطاع المصرفي اللبناني يحقق معدلات نمو مرتفعة جداً في الودائع في ظل التطورات الدولية. لذلك، فنحن نسعى إلى الحفاظ على مستوى النمو نفسه الذي حققناه في 2017 و2016. ويمكن تحقيق هذه النسبة إذا ما استمر الاستقرار على ما هو عليه اليوم، ونجحت العملية الانتخابية وتم تأليف حكومة سريعاً، وهي كلها تعطي الثقة بلبنان ومؤسساته».
3- في موضوع ارتفاع حجم محفظة الديون المشكوك في تحصيلها، فأنها لا تزال تشكل أقل من 4 في المئة من إجمالي التسليفات، قال طربيه. وبالتالي، لا يمكن القول أن تدهوراً حصل في محفظة التسليفات، إنما هناك نوع من التباطؤ في التسليف يعالج من خلال التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان من حين إلى آخر. كما أن المؤونات التي كوّنتها المصارف على محفظة الديون المشكوك في تحصيلها كافية لتجنيب الاقتصاد اللبناني أي أزمة.
****************
وكان طربيه عرض في كلمة له في بداية المؤتمر الصحافي للمعطيات التالية:
- لا يزال الإقتصاد اللبناني يسجّل معدّل نمو ضعيفاً قارب 1,5 في المئة في العام 2017، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فيما بلغ معدل التضخم 4,5 في المئة حسب دائرة الإحصاء المركزي. وهو مستوى لا يكفي لتأمين فرص العمل اللازمة للحدّ من البطالة العالية ولا لضمان التراجع التدريجي لعجز المالية العامة ولمديونية الدولة.
- على الصعيد المصرفي: ما زالت الودائع المصرفية تشكّل أهم محرّكات نمو النشاط المصرفي. وهي بلغت في نهاية 2017 ما يوازي 173,0 مليار دولار مسجّلةً زيادةً سنوية بنسبة ناهزت 4 في المئة. إن حجم الودائع كافٍ لتغطية الاحتياجات التمويلية للإقتصاد الوطني بقطاعَيْه العام والخاص، وتسعى المصارف باستمرار إلى استقطاب المزيد من الودائع من العملاء المقيمين وغير المقيمين.
أما رساميل المصارف وأموالها الخاصة، فهي قاربت مستوى تاريخياً بلغ 19,1 مليار دولار مشكّلة نحو 8,7 في المئة من إجمالي الميزانية المجمّعة. وهي تقوّي المراكز المالية للمصارف، بحيث ناهز معدل الملاءة في القطاع 16 في المئة، حسب معايير بازل 3 في نهاية العام 2017.
أما إجمالي قروض المصارف للقطاع الخاص، المقيم وغير المقيم، من دون احتساب قروض مصارف الأعمال والاستثمار، فقارب 60,3 مليار دولار في نهاية العام 2017 مقابل 57,2 مليار دولار في نهاية العام 2016، أي بزيادة نسبتُها 5,5 في المئة. علماً أن معدّل ارتفاع هذه التسليفات آخذ في التباطؤ عموماً، عاكساً مستوى النمو الاقتصادي الضعيف في لبنان. لكنّه يبقى جيداً ومقبولاً في ظلّ عدم الاستقرار السائد في المنطقة.
علماً أن القروض الشخصيّة الممنوحة من المصارف في العام 2017 زادت بنسبة 8,1 في المئة، وهي تشمل خصوصاً القروض التعليمية والقروض السكنية. وتُظهر الإحصاءات أن إجمالي التسليفات المدعومة الفوائد، الموافَق عليها في فترة 1997- نهاية أيلول 2017 وصل إلى 11,028 مليار ليرة (ما يعادل 7,13 مليار دولار). وقد شكّلت حصة الصناعة من إجمالي هذه التسليفات 59 في المئة مقابل 30 في المئة للسياحة و11 في المئة للزراعة.
- التزام الحكومة والمجلس النيابي إعداد وإقرار الموازنة العامة لسنة 2018، في دليل واضح على حرص السلطات المختصّة على إعادة الإنتظام والشفافيّة إلى المالية العامة، ووقف التسيّب الإنفاقي المتفلّت من أي ضوابط. وتناشد الجمعية استمرار هذا النهج وتأمل استكماله بالتصديق على قطع حسابات السنوات الطويلة السابقة، كما تؤكد مجدداً موقفها الرافض للتشريع الجديد الوارد في موازنة العام 2017، والذي فرض الإزدواج الضريبي الذي طاول بعض النشاطات وطاول القطاع المصرفي بشكل خاص. وكانت الجمعية تأمل إدراج نص في صلب قانون الموازنة العامة لعام 2018 يصحّح هذا الإجراء، فـ«ليس طبيعياً أن يُكلَّف القطاع المصرفي بضريبة تصل نسبتُها عملياً إلى 50 في المئة على أرباحه، ما يحدّ من تطوير رساميله وتالياً من قدرته على استقطاب الودائع وعلى تمويل الدولة والاقتصاد في فترة تضمّن برنامج الاستثمار بالبنى التحتية حصةً عالية من التمويل على عاتق القطاع الخاص». كما تأمل الجمعية أن تجد السلطة النقدية المشرفة على القطاع والسلطات المالية معالجة إيجابية لهذا الموضوع.
- دولياً، جاء انعقاد مؤتمر «سيدر» ليشكّل بدوره، سواء من خلال مشاركة عدد كبير من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية أم من خلال التعهّدات المالية تجاه لبنان، علامة إيجابيّة في رصيد العهد والحكومة اللبنانية، وهو برهان جديد على حرص المجتمع الدولي على مواصلة حماية الإستقرار في لبنان والحؤول دون إنزلاق بلدنا إلى ما دون الخطوط الحمر الإقتصادية والإجتماعية والمالية. وتضم الجمعية صوتها إلى أصوات الدول والمنظمات المشاركة في هذا المؤتمر والتي طالبت لبنان الرسمي بإجراء سلسلة إصلاحات جذرية وبنيوية باتت ملحّة في المجالات المالية والإدارية والإقتصادية. وتأمل أن يتمكّن لبنان من تشكيل حكومة جديدة بعد الإنتخابات النيابيّة، في أقصر وقت ممكن، وأن تعكف السلطتان التنفيذية والتشريعية على تنفيذ التعهّدات الإصلاحية المقطوعة، تأكيداً على مواكبة الالتزام الخارجي حيال لبنان بالتزام داخلي رسمي لا مناص منه. كما أن الجمعية جددت التأكيد على أهميّة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام وعلى ضرورة استكمال الشروط والتدابير التنظيمية الواجبة لمباشرة تطبيق القانون الجديد الناظم لهذه الشراكة.
- على صعيد الزيارة التي قام بها مؤخّراً وفد من جمعية المصارف إلى واشنطن ونيويورك في إطار برنامج الإتصالات الدورية مع مراكز القرار الأميركية ومع المنظمات الدولية المعنيّة بالشؤون المالية والمصرفية: كانت مناسبة جدّدت فيها هذه المرجعيّات الخارجيّة تقديرها لحسن أداء القطاع المصرفي اللبناني في تطبيق قواعد الإمتثال تحت سقف السطات النقدية والرقابية المحليّة، كما أعربت المصارف الأميركية المراسلة عن ارتياحها للتعامل مع النظام المصرفي اللبناني استناداً إلى عاملين: الأول هو حسن إدارة المخاطر من قبل المصارف العاملة في لبنان، والثاني هو التزام المصارف اللبنانية قواعد العمل المصرفي الدولي، بما فيها القواعد الأميركية.
وختم طربيه بالقول إن هذه المعطيات «تثبت أن القطاع المصرفي اللبناني استطاع أن يبرهن مرةً أخرى عن مناعة راسخة في وجه التحدّيات الداخلية والخارجية، وعن قدرة واضحة وأكيدة على التكيّف مع أصعب الظروف وأكثرها تعقيداً».