افتتاح "المؤتمر المصرفي العربي للعام 2015" في القاهرة
طربيـه: لن يرتفع مستوى النمو قبل ارتفاع معدلات الثقة
أحداث المنطقة خلفت إلى دمار الحجر والبشر وعواقبَ مالية
ونشوء أزمات تتطلب تمويلاً فورياً كأزمات النزوح السكاني
ذكر رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية رئيس مجلس الإدارة المدير العام لـ"مجموعة الإعتماد اللبناني" جوزف طربيه بأن أحداث المنطقة خلفت إلى دمار الحجر والبشر، عواقبَ مالية جسيمة ونشوء أزمات تتطلب تمويلاً فورياً كأزمات النزوح السكاني، حيث تسبّبت المأساة في سوريا وحدها بتشريد 18 مليون سوري، بينما قدّرت الخسائر الناتجة عن الأزمة في دول منطقة شرق البحر المتوسط بما يتجاوز الـ 35 مليار دولار من إجمالي الدخل، ناهيك عن خفض التدفقات المالية والإستثمارات، والزيادة في عجز الموازنات، وخفض النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة، وازدياد المديونية العامة، وخفض قيمة العملة والتصنيف السيادي، داعياً "القادة السياسيين ورجال المال والاقتصاد، إلى مقاربة ما يحصل بكثير من الامل بدور رائد للمصارف العربية تنهض به لمواكبة المستجدات الجديدة في الفضاء الإقليمي العربي"، وقال "ننظر إلى مسألة التمويل من أجل التنمية، بكثير من الإهتمام والترقب، ونطالب بتنفيذ إجراءات إصلاحية تحسّن من مستوى الثقة، إذ لن يرتفع مستوى النمو قبل ارتفاع معدلات الثقة"
المؤتمر المصرفي
كلام طربيه جاء في كلمة ألقاها اليوم في افتتاح "المؤتمر المصرفي العربي للعام 2015" تحت عنوان "التمويل من أجل التنمية" المنعقد في فندق "كونراد" في القاهرة، برعاية رئيس مجلس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب وحضوره إلى جانب محافظ البنك المركزي المصري هشام رامز، وزراء، نواب، رؤساء ومدراء المصارف، ووفود عربية
وهنا نص الكلمة: "يسرّني بداية أن أتقدّم بالشكر والتقدير لجمهورية مصر العربية، رئيساً وحكومة وشعباً، على استضافة مؤتمرنا المصرفي العربي السنوي واجتماعات أجهزة اتحاد المصارف العربية للعام 2015. كما يشرفني أن أتقدّم بالتقدير إلى رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب، على رعايته وإحتضانه فعاليات المؤتمر. وكذلك الشكر موصول للرعاية الكريمة لمحافظ البنك المركزي المصري هشام رامز عبد الحافظ، وأرحب بالحاضرين، من المصرفيين وصناع القرار السياسي والاقتصادي، وممثلي الهيئات الإقتصادية الإقليمية والدولية
اننا اذ نعقد مؤتمرَنا المصرفي العربي واجتماعنا السنوي للعام 2015 على أرض مصر العزيزة، نحيّي قيادتها الحكيمة والشجاعة التي قامت بجهود جبّارة على طريق الإصلاحات، ومهّدت السبيل لإنجاح مؤتمر شرم الشيخ الإقتصادي، والمراهنة على دورها المفصلي في استقرار الأمة العربية. ومن المهم في هذا المجال، أن ما لقيته مصر من دعم عربي ودولي، يمثل إشارة جيّدة لإعادة رسم خارطة تعاون وتضامن عربية لمواجهة التحديات
ينعقد مؤتمرنا تحت عنوان "التمويل من أجل التنمية" في ظل ظروف إقليمية وداخلية صعبة، حيث تتفتح واحدة تلوَ الأخرى جبهات الصراع والأزمات في المنطقة، جارفة في طريقها العمران والانسان، فلا شيء يعلو فوق سقف المعركة، لكن نحن أهل الاقتصاد، لنا معركتنا وهي ضدّ التخلّف والفقر، وضعف النمو، والبطالة وفقدان فرص العمل التي نرى فيها مجتمعة سبب كل العلل، والصاعق الذي يفجّر صراعات الشعوب والقبائل والطوائف
إننا أمام كارثة عربية، لكنها ليست نهاية العالم: فتاريخ البشرية حافل بالحروب والمآسي، وكان لها دائماً خاتمة. إن ما يجب أن نعرفه أن نظام التوازنات الذي بُني بعد الحرب العالمية الثانية بدأ يتفكك، والمشهد السياسي العربي الحالي يؤسس لتوازنات جديدة لم ترتسم ملامحُها النهائية بعد، ونحن الآن نشهد سقوط السياسات الماضية، وتأخّر الإصلاحات. لكن إلهاءنا بالتفجيرات الأمنية، إضافة الى تعميم الفوضى وهزّ استقرار الأنظمة والاقتصادات، يجب ألا يؤدي الى صرف أنظارنا عن العمل للمستقبل، والغرق في مشاكل الحاضر
إننا نعيش فترة مفصلية تشكل تحدياً لأوطاننا، بسبب الإنعكاسات المدمّرة التي تتركها على مستقبل شعوبنا وعلى الدول القريبة والبعيدة بفعل ظاهرة الإرهاب وصراع المصالح الدولية. اننا نمرّ في الزمن الرديء بسبب الثورات والمآسي الحاصلة، ولا يجوز التعامل بالعفوية السائدة مع المستجدات الخطيرة التي يشهدها العالم العربي منذ نحو أربع سنوات. لذلك أول ما يتبادر أمامنا هو السؤال الآتي: ما هي الخيارات الباقية لوقف الانحدار، وماذا يحمل لنا المستقبل القريب والبعيد بعد هذه الأزمة؟ اسئلة ستتولد عنها أسئلة أخرى، وكلّها تحتاج الى إجابات. وثمة مقولة معروفة، تؤكد أن مراحل ما بعد الثورة أصعب بكثير من الثورة نفسها، لأنه ستتراكم وقتها الاستحقاقات في السياسة، والاقتصاد، والأمن
لقد خلفت الأحداث، إلى دمار الحجر والبشر، عواقبَ مالية جسيمة ونشوء أزمات تتطلب تمويلاً فورياً كأزمات النزوح السكاني، حيث تسبّبت المأساة في سوريا وحدها بتشريد 18 مليون سوري، بينما قُدّرت الخسائر الناتجة عن الأزمة في دول منطقة شرق البحر المتوسط بما يتجاوز الـ 35 مليار دولار من إجمالي الدخل، ناهيك عن خفض التدفقات المالية والإستثمارات، والزيادة في عجز الموازنات، وخفض النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم والبطالة، وازدياد المديونية العامة، وخفض قيمة العملة والتصنيف السيادي
أما مشكلة البطالة المتفاقمة، فارتفعت مستوياتها في العام 2015 لتطال أكثر من ثلث الشباب العربي، بحسب تقرير منظمة الـ"يونسكو". ولا يخفى على أحد ارتباط البطالة بتهديد الاستقرار الامني في مجمل البلدان العربية، وفي العالم ككل. أضف الى أن النمو المتوقع في السنوات المقبلة، لا يكفي لتقليص معدلات البطالة المرتفعة هذه، وهنا يفتح الصراع الحالي الباب أمام العدو الحقيقي، المتمثل في الفقر والتخلف، لينال منا جميعاً
وفي المقابل، ليس المشهد العربي مرادفاً بكليته للعنف والقتال: إذ تتمتع دول عربية عديدة بالإستقرار، وتحقق اقتصاداتها معدلات ربحية وسيولة كبيرة. إلا أنها تعيش مرحلة غموض مقلقة في ظل انخفاض اسعار النفط وغياب سياسات اقتصادية قوية في غالب الأحيان. وإن انخفاض أسعار النفط الذي تسبب بخسائر قُدّرت قيمتها بـ 215 مليار دولار لدول الخليج، أصاب تلك الدول بدرجات متفاوتة عوّض عنه تسارع وتيرة النمو في عدد من قطاعاتها غير النفطية، وتلازم في زيادة الانفاق العام والتنويع الاقتصادي، مع تقديرات نمو بنسبة 3.2% في خلال هذا العام، مقارنة بـ 4.4 % قبل هبوط أسعار النفط، وفق تقارير صندوق النقد العربي
إن التحديات التي تواجه منطقتنا، تصيب المنطقة بكاملها وأهمّها عودة الاستقرار السياسي والأمني في بعض البلدان العربية، تضاف اليها انعكاسات الصدمات الخارجية على النمو الاقتصادي للمنطقة. إن مرحلة ما بعد الاضطرابات ستخلق آفاق تعاون اقتصادي واسعة، وفرصاً استثمارية هائلة توفرها مشاريع اعادة الاعمار، حيث يمكن أن تلعب فيها رؤوس الأموال العربية الدور البارز، عن طريق عقد الشراكات الاستراتيجية بين المصارف، وبين القطاعين العام والخاص، بما يساعد على تحفيز النمو وإيجاد فرص عمل جديدة تستوعب موجات البطالة الكبرى الناتجة عن تدمير المؤسسات والتهجير والنزوح السكاني
على القادة السياسيين ورجال المال والاقتصاد، مقاربة ما يحصل بكثير من الامل، الأمل بدور رائد للمصارف العربية تنهض به لمواكبة المستجدات الجديدة في الفضاء الإقليمي العربي، بهدف دعم التمويل من اجل التنمية، والتركيز على إحتياجات الناس وحقهم في تنمية مستدامة تكون ذات بُعدٍ إجتماعي وإنساني، تضمن ما يعيد السكينة الى النفوس، والرغبة في الإستقرار لمجتمعاتنا المضطربة والتي أبرزت التطورات الأخيرة مقدار عمق المرارة والإلحاح في طلب الإصلاحات
وبالطبع، لا يقع على عاتق المصارف العربية وحدها مسؤولية تمويل التنمية المنشودة، إذ نرى الدور الأساسي على هذا الصعيد للحكومات والمنظمات الدولية، والصناديق الاستثمارية العربية، والصناديق السيادية، لأنه يستحيل على المصارف وكذلك على تلك الدول التي تشهد نزاعات حالياً، إعادة إعمار ما تهدّم بالإمكانات الذاتية
وفي المحصلة، مهما كانت التحديات السياسية في اليوم التالي لنهاية الاحداث، سيبقى النجاح في استعادة محركات التنمية وإعادة تحريك الاقتصاد هو التحدي الحقيقي، لأن مَن يخسر في الاقتصاد، يخسر في السياسة. ونحن ننظر الى مسألة التمويل من أجل التنمية، بكثير من الاهتمام والترقب، ونطالب بتنفيذ إجراءات إصلاحية تحسّن من مستوى الثقة، إذ لن يرتفع مستوى النمو قبل ارتفاع معدلات الثقة
إن اتحاد المصارف العربية والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب سيستمران في حشد الآراء والأفكار، وعرض التجارب، ووضع الاستراتيجيات لإعادة التوازن إلى إقتصاداتنا العربية. وما لقاؤنا اليوم إلا لنؤكد أن التضامن العربي الذي شهدناه حول دعم المسيرة الإقتصادية لمصر العزيزة، يجب أن ينسحب تضامناً أوسع لتمويل التنمية الإقتصادية في منطقتنا العربية"