افتتح المؤتمر المصرفـي العربي 2017 مؤكداً المضي فـي النهوض والاستقرار
الحريـري: استطاع حاكـم مصرف لبنان أن يحصّن الليرة فــي مراحل اختلافنا
سلامـة: لدى القطاع المصرفي ما يكفي من الاحتياط لمواجهة أي تباطؤ اقتصادي
طربيه: في هذا المشهد المعقّد نواصل خدمة زبائننا وتمويل الدولة والقطاع الخاص
المركزية- اغتنم رئيس الحكومة سعد الحريري افتتاح أعمال المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2017، للإشادة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لكونه "استطاع في المراحل التي اختلفنا فيها نحن السياسيين مع بعضنا البعض، أن يحصّن الليرة اللبنانية"، وشكره على "الحكمة التي يتمتع بها"، وقال "إننا مستمرون في هذا المشوار الذي بدأه رفيق الحريري، من نهوض اقتصادي وتثبيت للاستقرار، وإن شاء الله لن نتخلى عن هذا الطريق وسنستمر فيه".
كلام الحريري جاء خلال رعايته افتتاح أعمال المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2017 تحت عنوان: "توأمة الإعمار والتنمية: معاً لمواجهة التحديات الاقتصادية"، بدعوة من اتحاد المصارف العربية، قبل ظهر اليوم في فندق "فينيسيا" في بيروت، في حضور شخصيات سياسية واقتصادية ومصرفية، محلية وعربية.
الحريري: وألقى الرئيس الحريري في المناسبة، الكلمة الآتية: "كما الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، يسرني أن أكون معكم وأن أرى اتحاد المصارف المجتمع في بيروت لنعود ونثبّت الثقة بلبنان، وأشكر مشاعر الجميع وأؤكد لكم أننا في لبنان، همّنا الأساسي هو الاستقرار وهذا ما سنعمل عليه بإذن الله.
صحيح أن لبنان بلد صغير، ولكننا نحن اللبنانيين "عنيدون"، وأينما يكون اللبناني في العالم تجده يقف على رجليْه، ونحن يجب أن نقف على قدمينا في بلدنا لبنان ونتكاتف جميعاً لمصلحته.
المرحلة التي مرّت تشكّل صحوة لنا جميعاً لننظر إلى مصلحة لبنان أولاً قبل أن ننظر إلى المشاكل حولنا، فالمشاكل التي تحيط بنا مهمة ولكن لبنان أهم. وعلاقاتنا مع أشقائنا العرب يجب أن تكون الأساس، وعلينا أن نبحث في كل الوسائل لنتمكن من الوصول إلى أن يكون للبنان نأي بالنفس حقيقي وصريح وليس بالقول فقط ولكن بالفعل أيضاً.
أشكر اتحاد المصارف، وأنتم جميعا موجودون اليوم في بلدكم الثاني لبنان، وقد رأيتم المصاعب التي مررنا بها، ليس فقط خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ولكن أيضاً خلال هذه السنين الأخيرة. وهنا أشيد بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي استطاع، في المراحل التي اختلفنا فيها نحن السياسيين مع بعضنا البعض، أن يحصّن الليرة اللبنانية، لذلك نشكره على الحكمة التي يتمتع بها. وأقول لكم جميعا أننا مستمرون في هذا المشوار الذي بدأه رفيق الحريري، من نهوض اقتصادي وتثبيت للاستقرار، وإن شاء الله لن نتخلى عن هذا الطريق وسنستمر فيه.
سلامة: وكانت كلمة للحاكم سلامة، رحّب في بدايتها بالحضور، متمنيًا للجميع التوفيق والنجاح. وقال: للقطاع المصرفي أهمية كبيرة في التنمية الاقتصادية. ومصرف لبنان يبذل جهوداً كبيرة لتطوير الشمول المالي.
فبانفتاح المصارف على المجتمع بكل شرائحه، يساهم القطاع المصرفي في تطوير وتنمية الاقتصاد من خلال الخدمات المصرفية المتنوّعة التي يقدّمها. وكان مصرف لبنان قد بادر وأطلق تحفيزات للقطاع الخاص عبر دعم الفوائد للقروض السكنية والقروض الإنتاجية. كما أنه أصدر تعميماً لتشجيع اقتصاد المعرفة الرقمي وهو قطاع واعد في لبنان ليحتل لبنان وبعد أربع سنوات المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بين البلدان المبتدئة، والمرتبة الثامنة في العالم تبعا للمؤسسة البريطانية GEM.
وتابع: نتج عن ذلك، أن حافظ لبنان على نمو إيجابي في ظروف صعبة تمرّ بها المنطقة ووفّرت هذه القروض الممنوحة من المصارف، وعلى مسؤوليتها، آلاف الوظائف ودعمت الطلب الداخلي.
وإذ لفت إلى أن "النمو المتوقّع لهذا العام هو في حدود 2,5% ونسبة التضخم هي بين 3 و3,5%"، قال: إن الكتلة النقدية التي ينشر تفاصيلها مصرف لبنان أسبوعياً، تدلّ بوضوح على محدودية التأثيرات التي تعرّضت لها الأسواق النقدية في لبنان بسبب الأزمة السياسية. ونحن نؤكد على استمرار الاستقرار، وخصوصاً بعد عودة الأسواق إلى نمط هادئ.
وأضاف: أما في ما يتعلّق بالتطورات المصرفية والمعايير المطلوب تطبيقها دولياً، نودّ أن نشير إلى أن تطبيق هذه المعايير أمر ضروري كي يبقى القطاع المصرفي اللبناني منخرطاً في القطاع المصرفي العربي وفي العولمة المصرفية. وطبّق لبنان كل ما هو مطلوب كي تكون المعايير المطبّقة في القطاع المصرفي متوافقة مع مقررات "بازل3 " وتجاوزت ملاءة القطاع المصرفي الـ15%. كذلك فرؤوس الأموال متوفرة لتطبيق معيار الـ IFS9. وأصبح لدى القطاع المصرفي ما يكفي من الاحتياط لمواجهة أي تباطؤ اقتصادي إن حصل خلال الأعوام المقبلة.
وتابع: أما بالنسبة الى موضوع الامتثال للتشريع الدولي، فهو معمول به ومنفّذ، وتسمح القوانين اللبنانية وتعاميم مصرف لبنان بذلك. إن الآليات الموضوعة وفعالية دوائر الامتثال في المصارف اللبنانية كفيلة بتأمين الإطار الصحيح لتنفيذ التزام لبنان باحترام القوانين الصادرة عن الدول التي نتداول بعملتها أو نتعامل مع مصارفها. من ناحية أخرى، إنّ تطوير أنظمة الدفع أساسي للتنمية الاقتصادية.
وقال: في هذا الإطار، يسعى مصرف لبنان إلى تطوير أنظمة الدفع هذه عبر خطة يهدف من خلالها إلى ترسيخ الأمان في التبادل الإلكتروني إضافة إلى وضع القوانين اللازمة وتطوير التقنيات الضرورية من أجل التوصّل إلى العملة الرقمية كوسيلة دفع إضافية.
وختم سلامة: إنّنا ندرك التحديات التي تواجهها مصارفنا في المنطقة، ونقدّر جهود المصارف للالتزام بالمعايير الجديدة التي ترعى العمل المصرفي وللإبقاء على دورها في التسليف.
طربيه: أما طربيه فألقى الكلمة الآتية: "يسعدني بداية أن أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على رعايته لفعاليات هذا المؤتمر، الذي كان مخطّطاً له أن يُعقد بغير هذه الظروف المفاجئة التي يمرّ بها لبنان. كما يسعدني أن أرحّب بجميع الإخوة من وزراء ومحافظي بنوك مركزية وقيادات مصرفية، ومؤسسات وسفراء عرب وأجانب، والشكر لهم جميعاً لحرصهم على المشاركة في هذا المؤتمر، رغم الظروف، ما يزيدنا قناعة بالدور الرائد لبيروت كعاصمة تعوّدت أن تعضّ على جروحها لتفتح قلبها للأشقّاء العرب، ولتؤكّد حضورها منارة للفكر ومنبراً للحوار للبحث في شؤون وشجون قضايانا العربية. كيف لا، والاحداث تتوالى في منطقتنا وتداعيات الربيع العربي لم تكتمل فصولاً: مدن عربية كاملة تم مسحها وقتل اهلها، سوريا تحترق والعراق ينزف، والمآسي لم تتوقف في اليمن وليبيا ومصر، ولبنان والاردن مليئان بخيام اللاجئين.
قد يقول قائل، أنه ليس الوقت المناسب لخطط بعيدة المدى، بل ما هو ملح هو معالجة المشاكل الحياتية والاقتصادية الطارئة الناجمة عن استمرار الحروب والصراعات، وإن هذا القول، على صحته، لا ينفي ضرورة التحضير، في سباق مع الزمن، منذ الآن لمواجهة مختلف التحديات غير المسبوقة التي ستواجه بلداننا.
إنّ مسألة "التحديّات الاقتصادية والإعمار والتنمية" التي اخترناها محوراً للبحث والنقاش في مؤتمرنا السنوي العربي لهذا العام، تأتي في صلب اهتمامات اتحاد المصارف العربية منذ أكثر من سنتين، حيث قرّر مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية أن نولي هذه القضية جلّ اهتمامنا، لاستباق الأمور وتهيئة الأرضية ووضع خارطة طريق تشارك فيها مؤسسات دولية واقليمية، مع ضرورة تهيئة المجتمعات العربية التي غابت عنها التنمية وأعادتها الاحداث عشرات السنين الى الوراء نتيجة لدمار البُنى التحتية والإنسانية، وعوامل النزوح واللجوء التي أصبحت عبئاً ثقيلاً على كاهل معظم الدول الحاضنة.
إن ما يطرحه اتحاد المصارف العربية في مؤتمره اليوم، هو التحضير لمواجهة التحدّيات الاقتصادية التي تؤسّس للإعمار والتنمية. هناك من سأل، كيف نشرع في إعادة الإعمار في ظلّ عدم الاستقرار السياسي والأمني، فيما مصير المنطقة لا يزال غامضاً في ظلّ هذا الصراع المحتدم على النفوذ والمصالح الإقتصادية والاستراتيجية. الصورة قاتمة، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم من أين نبدأ؟
ولأن الإجابة صعبة عن هذا السؤال، آثر اتحاد المصارف العربية بالتنسيق مع اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، على الدعوة الى مقاربة التحديات الاقتصادية المقبلة، مع متطلبات الإعمار والتنمية مع دعوة منظمات الإغاثة المحلية والإقليمية والدولية إلى عدم حصر جهودها في توفير الضروريات الحياتية والحاجات الأساسية للمتضررين، بل إلى توجيه خطط الإغاثة لتمرير مقاربات مساعدة للتنمية، عن طريق التوظيف في التعليم والصحة للملايين الذين شردتهم الحروب وحالت دون افادتهم من الحقوق الاساسية للفرد في السكن والتعليم والعمل والتطبيب، في حين أن على المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، والحكومات العربية، والقطاع الخاص، البدء بوضع الخطط لإعادة الإعمار، والحذر من التسويات السياسية الناقصة التي قد ترفع احتمال عودة الصراعات في المستقبل.
إننا أمام تحديات لم يسبق لعالمنا العربي أن واجه مثلها، مما يستدعي العمل على توفير تضامن دولي ودعم مالي لا يقتصر على نشاط مؤسسات الإغاثة، إنما يتوجه الى معالجة لبّ المشكلة، وهو الفقر وفقدان فرص العمل وتراجع النمو وغياب الديمقراطية. فالضرورة ملّحة لنا وللأجيال الصاعدة من أجل إرساء قواعد الاستقرار اولاً، والمبادرة سريعاً الى استحداث فرص عمل لاستيعاب موجات ملايين الشباب الذين سيصل عددهم في العام 2025 الى ما يقارب الـ 58 مليون. فبدل ان تشكـّل الموارد البشرية الشابة مصدر زخم لنمو الاقتصادات العربية، باتت تشكّل تهديداً للسلم والاستقرار بسبب معدلات البطالة المرتفعة بينها. وهذا من مسببات عدم الاستقرار واختلال الكيانات السياسية، وايقاظ المطامع الاقليمية والدولية في دول المنطقة وخيراتها.
إن مؤتمرنا الذي يعقد اليوم في بيروت تحت عنوان "توأمة الاعمار والتنمية" هو مساحة للتفاكر في كل هذه التحديات. وإن المصارف العربية، وبالنظر إلى الإمكانات المالية، والبشرية والمصرفية الكبيرة التي تمتلكها، يمكنها المساهمة بشكل فعّال في تعزيز التنمية الإقتصادية ومشاريع إعادة الإعمار في الدول العربية. ويمكن أن تتجلى هذه المساهمة في عدّة وسائل، منها على سبيل المثال الدخول في شراكات مع القطاع العام، كإنشاء تكتّلات مصرفية ضخمة تتولى تمويل مشاريع البنية التحتية، أو في تلك القطاعات التي تؤدّي إلى تعزيز التنمية البشرية والإجتماعية بشكل خاص، كإعادة بناء البُنى التحية والمدارس والمعاهد والمستشفيات، والإتصالات وغيرها... .
في الواقع، إن التحديّات التي تواجه عالمنا العربي اليوم ليست اقتصادية وسياسية فقط، بل هي كيانية في ظل خلط الأوراق وتغيير الثوابت. من هنا، فإن قياداتنا ومسؤولينا في المنطقة العربية مدعوون إلى التعاطي مع مشهد شديد التعقيد لم تعتدْ عليه. ولا يمكنني في هذا الاطار إلا التوقف عند مجريات الأحداث المفاجئة والمتسارعة في لبنان، حيث كان لإعلان استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من منصبه، التأثير المهمّ على الحياة السياسية في لبنان، خصوصاً أن الاستقالة أتت في ظل تصعيد للصراع السياسي بين المملكة العربية السعودية وإيران. لا نتوقع تصعيداً للوضع في لبنان. على العكس، فإن التعاطي الحكيم مع الازمة السياسية قد يحوّل المشكلة الى فرصة لبناء توافق سياسي جديد محوره الإرادة الدائمة للبنانيين بعدم الشروع في أي مغامرة سياسية كانت أو أمنية؛ بالاضافة الى ذلك، فان اللبنانيين يبرهنون عن حسّ قوي بالوحدة الوطنية والاعتدال كأساس للدفاع عن لبنان الدولة والمؤسسات.
في هذا المشهد المعقّد، تواصل مصارف لبنان أداء دورها في خدمة زبائنها وتأمين التمويل للدولة وللقطاع الخاص. وقد أثبتت السياسات الحكيمة للتحوّط للأزمات والمخاطر التي انتهجها مصرف لبنان بالتعاون مع المصارف اللبنانية، الفاعلية في مواجهة كل الازمات المحيطة في لبنان والمنطقة، والتي اعتادت المصارف على التعامل معها بكفاءة ضمن إطار تقنيات إدارة المخاطر في منطقتنا واقتصاداتنا على مرّ السنين، في بلد تحمّل ولا يزال انعكاسات الصراعات الدائرة من حوله، وما ينتج عنها من تداعيات اقتصادية ومعيشية، وأمنية.
إننا ندعو من خلال هذا المؤتمر الجامع وهذه النخبة من القيادات والخبراء، إلى أن نستخلص الأفكار ونضع الخطط لمبادرات خلاقة لا بد منها للتحضير لمرحلة إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع الذي لا بدّ من إنهائه في أقرب وقت.