في الملتقى السنوي لرؤساء إدارة المخاطر في المصارف العربية، كان المعيار المحاسبي الدولي IFRS9 النجم الأوحد وأثر تطبيقه على حجم المخصصات والربحية، والقاعدة الرأسمالية للمصارف العربية. رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية جوزف طربيه نبّه إلى أن المصارف العربية سوف تواجه الكثير من التحديات خلال تطبيق هذا المعيار، وإلى بروز تحديات البنية التحتية وأنظمتها ومنهجيات وأدلة عمل، كاشفاً أنه سيصار إلى تشكيل مجموعة خاصة لإدارة المخاطر في الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، كما أن اتحاد المصارف العربية سيطلق قريباً «المركز العربي لإدارة المخاطر». أما رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصبّاح فقال إن امتثال المصارف العربية للتشريعات الدولية ناجم عن وعيها وقناعتها بها، وإدراكها بخطورتها على أعمالها داخل بلدانها وخارجها.
رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود قال إن المخاطر لا تزال تحيط بالقطاع المصرفي ولا سيّما في إدارة الربحية، وتحديد خطط العمل المستقبلية إضافةً إلى المخاطر المتنوعة، وهو يرى أن المطلوب من المصارف التوازن في رسم الخطط المستقبلية والحفاظ على دور الوساطة الصحيحة ما بين المودع والمقترض إضافةً إلى مواكبة التطورات الحاصلة في الخارج لجهة وسائل الدفع.
نظّم اتحاد المصارف العربية بالتعاون مع لجنة الرقابة على المصارف، «الملتقى السنوي لرؤساء إدارة المخاطر في المصارف العربية» في دورته الثامنة في فندق «موفنبيك»، شاركت فيه نخبة مميزة من الخبراء من لبنان والعالم العربي، من بينهم موظفو السلطات الرقابية ورؤساء ومدراء المخاطر في المصارف ومدراء التدقيق الداخلي ورؤساء إدارة الرقابة المالية، إضافة إلى مسؤولين وخبراء دوليين.
طربيه
في كلمته، قال طربيه إن العالم بدأ اليوم يتحدّث عن تجنّب المخاطر، وليس إدارة المخاطر، «فبدلاً من الممارسات السليمة لتقييم المخاطر أصبحنا نتحدّث عن إستقصاء المخاطر، كردّ فعل على التشدّد في تطبيق المعايير التنظيمية والتشريعات والقوانين العابرة للحدود خوفاً من العقوبات الإقتصادية والمالية». وأوضح أن ظاهرة تجنب المخاطر توسعت أخيراً لارتباطها باحتمال عدم تمكّن المصارف أحياناً من الإلتزام بمتطلبات الحيطة والحذر والعناية الواجبة Enhanced Due-Diligence التي تفرضها السلطات الرقابية والمصارف المراسلة، مثل التشدّد بالحصول على المعلومات الواجبة عن الزبائن (KYC) وغيرها من إجراءات التحقّق عن الزبائن أو العملاء أو القطاعات. وشرح هنا أنه «قد يُفضّل عدم التعامل مع هذه الأنواع من الزبائن والعمليات، وهذا ما يُعرف بظاهرة De-Risking، وهنا تكمن إشكالية المعالجة، ففي حال إعتمد المصرف خيار التخلّي عن بعض العمليات أو العملاء، يكون قد خسر بعض الزبائن من باب الشك، وساهم في الوقت نفسه في تنامي ظاهرة صيرفة الظل (Shadow Banking)، حيث تبرز مشكلة جديدة وهي إمكانية ظهور قنوات مالية غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة، والحل الموضوعي في هذا المجال يتطلّب تشدداً أكثر في الرقابة الداخلية والتوسّع في المعلومات والمعطيات الهادفة إلى تطبيق أشمل لقاعدة إعرف عميلك، وتوسيع آليات التنسيق والتعاون ما بين القطاع المصرفي والسلطات الرقابية والقضائية والأمنية».
وإذ عرض لأسباب الانكماش في السيولة عالمياً وتوافر الائتمان، ألقى الضوء على المعيار الدولي (IFRS9) الصادر عن مجلس معايير المحاسبة الدولي والمتعلّق بالأدوات المالية والمخصّصات المالية والذي أصبح إلزامياً مع بداية هذا العام مع السماح بالتطبيق المبكر، كما يجب تطبيقه بأثر رجعي.
وقال «إننا نؤكّد من خلال هذا الملتقى أهمية فهم ثقافة إدارة المخاطر وتجنبها، وخاصة المخاطر على أنواعها بما فيها مخاطر السمعة ومخاطر تبييض الأموال ومخاطر تمويل الإرهاب. كما يهمنا أن نعمل معاً من خلال هذا الملتقى على إعداد سيناريو لدراسة أثر تطبيق معيار الإبلاغ المالي على حجم المخصصات والربحية، والقاعدة الرأسمالية، والتعرف على تجارب الدول والبنوك في هذا المجال لتحديد الأطر التي يمكن أن نضعها للتطبيق وقياس مدى كفاية نظم المعلومات وتوافر الموارد البشرية والخبرات».
أضاف «كما أننا في اتحاد المصارف العربية نشدّد اليوم على أن المصارف خلال سعيها نحو تطبيق المعيار الدولي (IFRS9) سوف تواجه الكثير من التحديات، ولعلّ أبرزها يتمثل في ضرورة تعزيز التنسيق بين الوحدات المتخصّصة، وكذلك ضرورة تحقيق التكامل والتوافق بين البيانات المالية والمخاطر، بالإضافة إلى تحديات جمع وحفظ البيانات التاريخية الضرورية لوضع النماذج الخاصة بالخسائر المتوقعة. كما يجب التنبه إلى بروز تحديات البنية التحتية وأنظمتها ومنهجيات وأدلة عمل، وتقنيات تقييم المخاطر والسياسات المحاسبية، الأمر الذي يتطلب رفع قدرات العاملين ومهاراتهم ومواكبتهم لمستجدات العمل المصرفي على المستوى الدولي». وأوضح أنه سيصار إلى تشكيل مجموعة خاصة لإدارة المخاطر في الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، كما اتحاد المصارف العربية سيطلق قريباً «المركز العربي لإدارة المخاطر» وسيكون مقرّه في مقرّ الامانة العامة للإتحاد، بهدف الإرتقاء بصناعة إدارة المخاطر في العالم العربي، بما يتناغم والمعايير والممارسات الدولية المعروفة والمعتمدة على الصعيدين العملي والنظري، وزيادة الوعي لدى القطاع المصرفي والمالي وقطاع الشركات في العالم العربي حول أهمية تبني وتطبيق أحدث تقنيات وأساليب إدارة المخاطر المعروفة دولياً.
الصبّاح
وكانت كلمة للصبّاح قال فيها إن «مصارفنا العربية تحرص كل الحرص على تطبيق التشريعات الدولية مثل توصيات بازل، وتوصيات مجموعة العمل المالي (FATF)، وتوصيات مجلس الإستقرار المالي (FSB) وغيرها من التوصيات والتشريعات، وهذا التشدّد من قبل مصارفنا العربية في الإمتثال لهذه التشريعات ناجم عن وعيها وقناعتها بها، وإدراكها بخطورتها على أعمالها داخل بلدانها وخارجها، وأود أن أشير هنا، إلى أن أحد العناصر المساعدة للهيئات الرقابية في تنفيذ مهامها هو تطبيق حوكمة رشيدة في المؤسسات المصرفية».
حمود
أما حمود فقال من جهته إن لجنة الرقابة على المصارف تنظر إلى إدارة المخاطر على أنها إدارة غير جامدة بل متحركة، ومرنة، تتغير وفقاً لتطورات السوق المصرفية الداخلية وتواجه ارتدادات الأسواق الخارجية ومتطلبات المعايير الدولية. أضاف «لا شك أن السوق اللبنانية تحمل في طياتها مخاطر بنيوية تتمثل في أن حجم الكتلة النقدية تفوق بأضعاف قدرة الاقتصاد اللبناني على امتصاصها، وأن دولرة السوق المحلية، تجعل من الكتلة النقدية M3 هي الوازنة بدلاً من M2. وما يزيد الأمر صعوبة، أن اتجاه الفوائد عالمياً هو صعودي، وانعكاسه على معدلات الفوائد في لبنان سيكون في الاتجاه نفسه وإنما بوتيرة أعلى. وعليه، تواجه المصارف مشكله الربحية في ظل انخفاض نسبة التسليف للودائع وإن كان ذلك لحساب سيولة فائضة تكون كلفتها مرتفعة وعبئاً على المصارف مما يوجب ابتكار أدوات نقدية ومالية للوصول إلى هامش فائدة ايجابي يبرر حجم الأعمال والأموال الخاصة». وقال: «صحيح أن نسبة الملاءة المرتفعة تربك المصارف لجهة مقارنة حجم الرأسمال النظامي المطلوب مقارنة بحجم الرأسمال الاقتصادي كما أن نسبة السيولة المرتفعة تدل على عدم إنتاجية قسم كبير من الودائع أو الموارد وأن المؤونات الإضافية المطلوبة تجعل من تكلفة الإقراض أعلى غير أن كل ذلك يبقى مقبولاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاستقرار النقدي الذي تؤمنه المصارف وذلك لتغطية احتياجات القطاعين الخاص والعام على السواء. وما يجول في خاطري، أن المصارف تحتاج إلى توسعة قاعدة رساميلها. فالشركات المساهمة وجدت اساساً لقاعدة مساهمين واسعة، وأن التمركز في الملكية لن يعطي نفعاً إذا ما نظرنا إلى المستقبل واحتمال ارتفاع حجم الأعمال مع وجوب الالتزام بنسبتي الملاءة والرافعة المالية، وبصورة موازية، فإن الشراكة يجب أن لا تقتصر على الملكية، بل أن تتبع المصارف مبدأ الشراكة الإدارية، فتكون بداية الإدارة الصحيحة في الحوكمة على صعيد مجلس الإدارة، والإدارة التنفيذية على السواء. وختم قائلاً «يمكن القول إن القطاع المصرفي يتمتّع بأوضاع مالية يجعله ملتزماً التزاماً كاملاً بمعايير السيولة، والملاءة، والمحاسبة، وإن دوره في تعزيز الاقتصاد لا يزال رائداً وحاضراً للمراحل القادمة، غير أن ذلك، لا يمنعنا من القول إن المخاطر لا تزال تحيط بالقطاع ولا سيّما في إدارة الربحية، وتحديد خطط العمل المستقبلية إضافةً إلى المخاطر المتنوعة في الإدارة والتشغيل من امتثال، حوكمة، مكافحة القرصنة، ومخاطر العملات الرقمية التي تشق طريقها ولو بصعوبة وبرفض أكثر بيوت المال، والمصارف المركزية. ترى اللجنة أن المطلوب من المصارف التوازن في رسم الخطط المستقبلية والحفاظ على دور الوساطة الصحيحة ما بين المودع والمقترض إضافةً إلى مواكبة التطورات الحاصلة في الخارج لجهة وسائل الدفع، ولن يكون ذلك ممكناً إلاّ بتطوير خبرات الجهاز البشري خاصة في مجال إدارة المخاطر ومتابعة أوضاع المصرف ومعالجة أي خلل بصورة مسبقة حفاظاً على متانة المصرف في ملاءته، وسيولته، وربحيته».