وطنية - عقد رئيس جمعية مصارف لبنان الدكتور جوزف طربيه، اللقاء الدوري مع الإعلام الاقتصادي، في مقر الجمعية - الصيفي. وألقى كلمة بعنوان "الأوضاع الإقتصادية والمالية وتطلعات القطاع المصرفي مع بداية العهد الجديد"، وقال: "يسرني أن أستضيفكم مجددا في رحاب جمعية مصارف لبنان شاكرا لكم تلبية دعوتنا إلى هذا اللقاء الدوري مع الصحافة الإقتصادية، لنطلعكم على موقف الجمعية من أبرز القضايا والشؤون الوطنية والإقتصادية والمهنية المطروحة في البلاد، ولكي نستخلص مدلولات أهم المؤشرات المالية والإقتصادية في الأشهر التسعة الأولى من العام 2016.
بداية، نود مشاطرة اللبنانيين مشاعر الارتياح التي ولدها انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد فراغ متماد في سدة الرئاسة الأولى، وتجدد الجمعية الإعراب عن أصدق التهاني الى عموم اللبنانيين على هذا الإنجاز الوطني الهام والى فخامة الرئيس العماد ميشال عون، كما تشارك سائر المواطنين تطلعاتهم الى الإسراع في تأليف الحكومة برئاسة الشيخ سعد الحريري تمهيدا لانطلاق السلطتين التنفيذية والتشريعية في إرساء السياسات الاستثمارية والتنموية وفي معالجة العديد من الشؤون السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتي تفاقمت خلال العامين ونصف الفائتين جراء الفراغ الرئاسي".
وأضاف: "لدينا في الجمعية والقطاع تطلعات يمكن إيجازها بثمانية، هي:
أولا - لقد كان القطاع المصرفي، المركزي والتجاري، على الدوام العين الساهرة على استمرارية الجمهورية من خلال تمويل الدولة حتى في أحلك الظروف عندما كانت وظائفها مصادرة ومواردها مفقودة. واستمررنا في ذلك خلال الفراغ الرئاسي الذي امتد لأكثر من عامين ونصف عام بحيث استطاعت الدولة أن تحافظ على وظائفها السيادية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية. يتخطى تمويلنا المباشر للدولة حاليا 35 مليار دولار.
ثانيا - يحتاج القطاع الخاص إلى تطوير البنى التحتية ونحتاج نحن في القطاع المصرفي تغييرا عاجلا في سرعة وسعة شبكة الاتصالات لتطوير خدماتنا للاقتصاد، مؤسسات وأفرادا، كما أن الاقتصاد الرقمي بذاته يمكن أن يساهم في تكبير الاقتصاد الوطني وفي جذب استثمارات جديدة وفي خلق وظائف حديثة لشريحة هامة من شبابنا. ولنا تجربة مشجعة جدا في تمويل الشركات الناشئة Start up بأكثر من 400 مليون دولار من خلال التعميم 331. وقد فتح مؤتمر مصرف لبنان Accelerate Lebanon 2016 في عامه الثالث كثيرا من الآفاق للشباب اللبناني ولتمويل طموحاتهم.
ثالثا - حق الاقتصاد على الدولة أن تقر برنامج نهوض اقتصادي يحدد الأولويات والإمكانات المتاحة، ويسمح لنا كقطاع مصرفي أن نعبئ ما أمكن من التمويل والموارد، فنواكب المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية IFC، بالإضافة إلى مصارف الاستثمار والتنمية كالبنك الأوروبي للاستثمار وصناديق التنمية العربية، وهي كلها مصادر للتمويل الطويل الأجل بشروط ميسرة لناحية الفوائد وفترات السماح.
رابعا - نشدد كقطاع مصرفي على ضرورة تحقيق معدلات نمو اقتصادي عالية ولنا في ذلك دور ومسؤولية. يحتاج إطلاق عجلة النمو إلى زيادة متناسبة في حجم التسليفات، ولدى والمصارف القدرة والخبرة متى استتب الاستقرار السياسي والأمني والتشريعي. ويحتاج النمو إلى حجم كبير من الاستثمارات الخاصة تأتي من الداخل وكذلك من الخارج. ونحن كقطاع على علاقة متينة مع مجتمع الأعمال ورجاله المقيمين منهم وغير المقيمين. ونلعب على هذا الصعيد دور المحفز Catalyseur للاستثمار ودور الممول للقطاع الخاص ودور الوسيط.
خامسا - نرى في الجمعية والقطاع أن تكبير الاقتصاد هو المدخل الجدي الى استيعاب المديونية العامة. فليس قدر البلد أن يستمر معدل الدين إلى الناتج في الارتفاع، ويمكن خفض هذا المعدل من المستوى الحالي، أي 144% إلى 120% أو ما دون. ولنتذكر أن هذا المعدل تخطى 186% في العام 2006 ثم تراجع إلى ما دون 130% بفضل النمو والمساعدات من الدول المانحة. وإننا نرى الفرصة سانحة كي تتخطى معدلات النمو المستهدفة عتبة الـ 5% بدلا من المعدلات المنخفضة (حوالي 1%) أو حتى السلبية التي تحققت في السنوات العجاف الماضية. وفي اعتقادنا أن مجتمع الأعمال سيقبل على الاستثمار الكافي، أي بما يفوق 20 إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي معدلات الاستثمار الضرورية حسب المؤسسات المالية الدولية للوصول إلى معدلات نمو مرتفعة.
سادسا - عدم الاكتفاء في المرحلة المقبلة بالسياسة النقدية وحدها. فلقد أكسب مصرف لبنان والمصارف البلد وقتا كافيا، وأحيانا بكلفة عالية، للحفاظ على الاستقرار النقدي. وآن الأوان لتدعيم هذا الاستقرار بسياسات مالية واقتصادية مؤاتية للنمو الحقيقي. فقوة النقد هي في المحصلة النهائية من قوة الاقتصاد. ومداخيل الخزينة لا بد وأن تتأتى من تكبير الاقتصاد، وتاليا، قاعدة التكليف الضريبي! الأولوية لتكبير الاقتصاد وليس لزيادة الضرائب والرسوم، فلا يستسهلن أحد فرض ضرائب جديدة لأن مفاعيلها ستكون سلبية على الخزينة وعلى الاقتصاد.
سابعا - نرى في القطاع المصرفي كما في سائر القطاعات الأهمية المطلقة لإدارة رشيدة لقطاع النفط والغاز بمنتهى الشفافية والمهنية وبعيدا عن المحاصصات الضيقة. فالنجاح على هذا الصعيد يشكل عاملا حاسما في معالجة مسألة المديونية العامة وفي توفير التمويل المطلوب والمرغوب لأية خطة إنمائية يتم التوافق عليها واعتمادها. ويوفر أخيرا فرص عمل ومداخيل لشبابنا المؤهل وللأيدي العاملة ذات المهارة المشهود لها.
ثامنا - أود التنويه بالإنجاز التشريعي المحقق في أواخر شهر تشرين الأول 2016 والمتمثل بإقرار القوانين المالية، ومنها بخاصة قانون تبادل المعلومات الضريبية. ومنذ سنة بالتحديد، كان المجلس النيابي الكريم قد أقر مجموعة هامة أخرى من القوانين المالية، ولا سيما تعديل قانون مكافحة تبييض الأموال. وقد حال إقرار هذه القوانين في غضون سنة واحدة دون إدراج لبنان على لوائح سوداء أو على لوائح عقوبات دولية. فكلمة شكر منا جميعا لحكومة الرئيس سلام وللمجلس النيابي ولرئيسه. وأملنا كبير أن تستكمل التشريعات قريبا بما يحمي مغتربينا ومواطنينا من مفاعيل اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية، فلا يكلفوا مرتين على المداخيل نفسها".
وتابع: "تعمدنا في مؤتمرنا الصحافي اليوم الإطلالة على الملفات والقضايا الاقتصادية والمالية العامة التي نوليها الأهمية في القطاع المصرفي وسائر القطاعات مع انطلاقة العهد الجديد. كنا قد أكدنا لفخامة رئيس الجمهورية في زيارتنا الأخيرة لقصر بعبدا أن القطاع المصرفي على استعداد ولديه الإمكانات لمواكبة انطلاقة العهد الجديد، ليس فقط في مجال تمويل المالية العامة بل وكذلك في مواكبة فاعلة لبرامج تطوير وتحديث البنى التحتية الأساسية من خلال آليات التعاون وصيغ الشراكة بين القطاعين العام والخاص. المهم أن تضع الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص خطة النهوض الاقتصادي المنشودة، والتمويل لن يشكل مشكلة على ضؤ التجارب العديدة التي شهدناها خلال العقود التي أعقبت اتفاق الطائف".
وختم: "لن أطيل الكلام في الأرقام والمعطيات الاقتصادية والمالية والمصرفية، فمعظمها في التداول والنشر، وأنتم طبعا من ينشره. لذا أكتفي بالتوقف عند مؤشرين اثنين:
أولا، لقد سجل ميزان المدفوعات في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري فائضا قدره 555 مليون دولار قابله عجز قدره 1771 مليونا للفترة ذاتها من العام 2015. وهذا التغير الإيجابي الذي بلغ مقداره 2326 مليون دولار رغم تفاقم العجز التجاري بما يفوق المليار دولار لفترة أيلول 2015 - أيلول 2016 ما كان ممكنا لولا العمليات المالية الأخيرة التي لجأ إليها المصرف المركزي.
ثانيا، يشكل الإقراض المصرفي للمؤسسات والأفراد المحفز الأول للنمو في لبنان حاليا، وقد قارب مجموعه 57 مليار دولار أميركي، أي أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي وبزيادة قدرها 4 مليارات دولار في نهاية أيلول 2016 مقارنة مع أيلول 2015. علما أن ودائع القطاع المصرفي للفترة ذاتها سجلت إرتفاعا فاق 9 مليارات دولار. وأضافت رساميل المصارف 1.2 مليار دولار إلى مواردها بحيث باتت رساميلها عند مستوى 17.5 مليار دولار. وكما أسلفت، نأمل أن تساهم التدفقات الخارجية في استمرار فائض ميزان المدفوعات وفي زيادة الودائع، فتقوي بدورها النشاط الاقتصادي بشقيه الاستهلاكي والاستثماري".
وأقام رئيس وأعضاء مجلس إدارة الجمعية مأدبة غداء تكريمية للإعلاميين الاقتصاديين عقب انتهاء المؤتمر، في مطعم gilt، في المبنى المجاور لمقر جمعية المصارف.