وطنية - أبدى رئيس جمعية المصارف في لبنان جوزف طربيه، في افتتاح المؤتمر المصرفي العربي السنوي صباح اليوم في فندق "فينسيا" بعنوان "اللوبي العربي الدولي - لتعاون مصرفي افضل"، ارتياح القطاع المصرفي لانتخاب رئيس للبنان، "فبيروت حريصة دائما على احتضان الاشقاء العرب، ولبنان لا يزال صامدا بأهله واقتصاده في مواجهة الزلزال الكبير الذي يهز منطقتنا العربية"، مؤكدا ضرورة ان تتعامل المصارف العربية مع التطورات الجيوسياسية الجديدة، اضافة الى مسألة المصارف المراسلة في اميركا وانخفاض السيولة في الاسواق الرئيسة وصعود الاقتصادات الناشئة بقوة".
ورأى"ان المصارف العربية تواجه مخاطر جمة ابرزها سياسي وامني ومكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب وتبادل المعلومات الضريبية، "بما يشغلها عن نشاطها المصرفي الروتيني"، اضافة الى مساءلتها عن كل تقصير واهمال المسؤول الفعلي عنه، موضحا ان تلك العوامل "دفعتنا الى التفكير في تأسيس لوبي مصرفي عربي".
وقال:"يسرني بدايةً أن أرحب بكم أجمل ترحيب في لبنان وعاصمته بيروت الحريصة دائماً على إحتضان الأشقاء العرب من الدول الشقيقة والصديقة وممثلي الهيئات الاقتصادية والمالية والاقليمية والدولية في مؤتمرنا السنوي لاتحاد المصارف العربية الذي يجمع قادة المصارف العربية من كل الاقطار.
تأتون بيروت هذ المرة ولبنان لا يزال صامداً بأهله وإقتصاده في مواجهة الزلزال الكبير الذي يهز منطقتنا العربية، وتمتد موجاته الارتدادية الى حدوده الشرقية. تأتون اليوم ونحن نواكب الحدث الأكثر إيجابية في لبنان منذ سنوات، وهو إنتخاب رئيس جمهورية للبنان، بعد فراغ مقلق في منصب رئيس الدولة، ونود مشاطرة اللبنانيين جميعاً كافة مشاعر الارتياح التي ولدّها هذا الحدث، ونُعرب بإسمنا وإسمكم عن أصدق التهاني الى فخامة الرئيس ميشال عون ونتمنى للبنان في عهده السلام والإزدهار.
كما يسرني أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لراعي هذا المؤتمر دولة الرئيس سعد الحريري الذي يعود اليوم على رأس الحكومة اللبنانية بعد مبادرة سياسية رائدة قام بها تكللت بالنجاح وأعادت اللحمة الى أهل لبنان وساعدت في إنتخاب رئيس البلاد، وعودة المؤسسات الدستورية الى إنتظامها ونشاطها".
اضاف:" لقد ترافقت إستعدادات إتحاد المصارف العربية والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب لتنظيم وعقد هذا المؤتمر السنوي الهام لهذا العام، مع إشتداد الإضطرابات والحروب في منطقتنا العربية، والتداعيات السياسية الخطيرة التي تنعكس مباشرة على الأوضاع الإقتصادية والنظم المالية فيها. وباتت المرحلة التي تمر بها منطقتنا العربية اليوم، هي الأدق في تاريخها الحديث، حيث تتعاظم التطوّرات الدولية المتسارعة مع التحوّلات العربية المذهلة وعلى كافة الأصعدة. فالتغييرات المتلاحقة التي حصلت في العالم هذا العام تقطع الأنفاس وهي ذات تأثير حاسم على مصارفنا نتيجة تأثر المصارف المراسلة بسياسات دولها. ولا بد للمصارف أن تتعامل مع هذا المشهد الجيوسياسي الجديد بالكثير من الفطنة والحذر. ففي الولايات المتحدة الأميركية، التي تتمركز فيها معظم مصارفنا المراسلة، قيادة سياسية جديدة لا نعرف نظرتها وتأثيراتها في التعامل مع منطقتنا. أما الاتحاد الاوروبي فيواجه إنعكاسات خروج دولة رئيسية فيه هي بريطانيا، كما نشهد كذلك إنخفاضاً للسيولة في أسواق رئيسية، وكذلك صعود إقتصادات ناشئة بقوة، إضافة الى الثورات التكنولوجية التي تُحدث الكثير من الإضطرابات في طريقة العمل التقليدية.
أما عالمنا العربي، قيقع اليوم في مرمى أهداف السياسة الدولية، وتتشابك في ساحته المصالح الإستراتيجية للقوى العظمى، فخلال السنوات الخمس الماضية غيّرت الأحداث وتفاعلاتها المشهد العربي، وأحدثت فاصلاً تاريخياً بين سكون طويل أشبه بالسبات، وبين حروب وثورات أشبه ببركان بفوهات متعدّدة، وسط تدخلات وتبدلات جوهرية في تمركز القوى الإقليمية وأدوارها وإستقطاباتها.
إن هذا الواقع لا سابق له، وإن تأثيراته على الصعيد الإقتصادي وعلى مصارفنا لن تكون أقل أهميّة من تأثيراته على الصعيد السياسي. ويبدو أن نتائج ما يسمّى بالربيع العربي، قد تحوّلت إلى شتاء إقتصادي قارس. وإن نزاعات المنطقة العربية كبدتها أكثر من 600 بليون دولار في نشاطها الاقتصادي وفقاً لآخر الاحصاءات المعتمدة، مع إستمرار التوقعات في إنخفاض معدلات النمو وتدهور مؤشرات إقتصادية واجتماعية اخرى مثل ازدياد البطالة وارتفاع معدلات الفقر وارتفاع الدين العام وتفاقم مشكلات الفساد".
ولفت الى "أن الكلفة الإقتصادية لما يحصل من حروب في عدّة بلدان عربية تضعنا جميعاً أمام تحديات مصيرية تتناول إعادة البناء السياسي والمؤسساتي والإقتصادي والإجتماعي والإنساني، وهنا تبرز أمام مصارفنا العربية أخطار وصعوبات وفي نفس الوقت الفرصة في صياغة دور جديد لها يكون على فاعلية أكبر في إستقطاب الموارد المالية العربية وإدارتها وتوظيفها في الإقتصادات العربية، والعمل على توجيهها نحو الإستثمار في الإقتصاد الحقيقي، ولتحقيق التكامل المصرفي العربي، عن طريق الآليات المعروفة لعقد الشراكات الإستراتيجية بين المصارف وخلق التجمّعات العملاقة، وتشجيع الإستثمار العابر للحدود بين الدول العربية، بما يساعد على تحفيز النمو، وتشغيل محركات التغيير في الاقتصاد والتأثير من خلال التمويل في بناء اقتصادات المعرفة والابتكار والتكنولوجيا وتحسين البيئة والطاقة المستدامة بهدف المساعدة في تأمين جهوزية شعوبنا في بناء مستقبل أفضل.
وقال:"إن مصارفنا العربية أمام تحديات كبيرة في تأدية هذا الدور المطلوب منها، وهي تواجه مخاطر مشتركة عليها مجابهتها في ظل تشريعات وقوانين دولية صارمة تحاصر دورها وتلقي باثقالها عليها، بما يتجاوز أحياناً إختصاصات رجال المصارف في تأدية عملياتهم المالية والمصرفية ليلامس حد نشاطات أخرى من أمن واقتصاد ومحاربة الجريمة المنظمة ومكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب وأخيراً وليس آخراً مكافحة التهرب الضريبي وإلزام مصارف الكون جميعها بتبادل المعلومات الضريبية بصورة تلقائية بين المصارف والدول، بما يُشغل المصارف، بشكل مرهق، عن نشاطها العادي في جمع الموارد المالية والودائع وإعطاء التسليف والمشورة المالية وخدمات إدارة المحافظ والصيرفة الإلكترونية ، إلى الدور الجديد الرامي إلى تجنيدها في خدمة الدول وأجهزتها الأمنية والضريبية بحيث تنعكس على المصارف الأعباء التي تنوء تحت ثقلها الحكومات وأجهزة الأمن".
وتابع:"عندما إختار إتحاد المصارف العربية والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب "اللوبي العربي الدولي .. لتعاون مصرفي أفضل" عنوانا" لهذا المؤتمر إختار قضية مركزية وهدفاً يتّسم بالأولوية في ضوء القراءة الموضوعية لواقع العالم العربي وما يواجههه من مخاطر جسام وتحديات مصيرية، وما يعانيه على الصعيد الداخلي من صراعات وشرذمة وإنقسامات، بإعتبار أن السعي الجاد إلى تعزيز العمل العربي المشترك ونجاح المصارف العربية في تحقيق هذا الهدف يساهم في تفعيل الدور العربي في صياغة القرارات المالية والنقدية والإقتصادية الصادرة عن المؤسسات الدولية، وتطوير التنسيق مع المؤسسات الرقابية بمرونة مع متطلبات الإنفتاح المصرفي العربي الدولي".
أضاف:"نحن بحاجة اليوم، أكثر من أي يوم مضى، إلى تطوير التعاون بين بلداننا على كل المستويات، بإعتبار أن الكلفة الإقتصادية لمرحلة عدم الإستقرار كبيرة، وتفرض التساند والتعاون، لذلك ندعو السلطات المختصة وأصحاب القرار في بلداننا العربية إلى تأمين الأرضية المناسبة لزيادة التنسيق والتقارب بين الإقتصادات العربية وزيادة إنفتاح الأسواق العربية على بعضها، وإلى إلتزام الإقتصادات العربية لتبنّي سياسات دعم النمو في بلدانها وكذلك في المنطقة من خلال الإستثمار، وحركة الرساميل وبناء الثقة".
وختم :"من أجل هذه الغاية، نجح مؤتمرنا اليوم في حشد نخبة من الخبراء الدوليين والعرب وقيادات مصرفية عربية حقّقت الإنجازات في أصعب الظروف، ونخبة من صنّاع القرار في مؤسسات دولية وإقليمية معنية ومتابعة لكل التطوّرات، وذلك من أجل بلورة فكرة إنشاء "لوبي عربي دولي.. لأداء مصرفي أفضل"، كونها السبيل لتحصين العمل المصرفي العربي وتعزيزه من خلال شبكة واسعة من الشراكات والتعاون على الصعيد المصرفي، لتثبيت دعائم الإستقرار، ولتحقيق التنمية المتوازية والشاملة.
نحن نتطلّع إلى ما سيخرج به هذا المؤتمر من توصيات محدّدة حول إنشاء "لوبي عربي دولي ...لأداء مصرفي أفضل" تشكّل مقاربة في العمق لأهميّة هذه المبادرة، إقتصادياً ومصرفياً وإجتماعياً، فالتحديات كبيرة، إن على الصعيد السياسي أو على الصعيد الإقتصادي، وإن المحاولة جديرة بالإهتمام".