في لقائه الدوري مع الصحافة الاقتصادية، عرض رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه تطور أهم المؤشّرات المالية والاقتصادية، وموقف الجمعيّة من أبرز القضايا والشؤون الوطنية والاقتصادية والمهنية المطروحة في البلاد.
وفي كلمته أكد طربيه أن "الاقتصاد اللبناني لا يزال يسجّل معدّل نمو ضعيفاً قارب 1,5% في العام 2017، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فيما بلغ معدل التضخم 4,5% بحسب دائرة الإحصاء المركزي. والكل يدرك أن هذا المستوى من النمو لا يكفي لتأمين فرص العمل اللازمة للحدّ من البطالة العالية ولا لضمان التراجع التدريجي لعجز المالية العامة ولمديونية الدولة.
أما على الصعيد المصرفي، فأشار طربيه الى "أن الودائع المصرفية لا تزال تشكّل كالعادة أهم محرّكات نمو النشاط المصرفي. وقد بلغت هذه الودائع في نهاية 2017 ما يوازي 173,0 مليار دولار مسجّلةً زيادةً سنوية بنسبة ناهزت 4%. كما أن حجم الودائع كافٍ لتغطية الحاجات التمويلية للاقتصاد الوطني بقطاعَيْه العام والخاص، وتسعى المصارف باستمرار الى استقطاب المزيد من الودائع من العملاء المقيمين وغير المقيمين. أما رساميلنا وأموالنا الخاصة، فقد قاربت مستوىً تاريخياً بلغ 19,1 مليار دولار مشكّلةً نحو 8,7% من إجمالي الميزانية المجمّعة. وتكتسب هذه الأموال الخاصة أهمية كبرى لجهة تعزيز ثقة المودع المحلّي والأجنبي بالقطاع المصرفي اللبناني. كما أنها تقوّي المراكز المالية للمصارف بحيث ناهز معدل الملاءة في القطاع 16% بحسب معايير بازل 3 في نهاية العام 2017. من جهة أخرى، فإن إجمالي قروضنا للقطاع الخاص، المقيم وغير المقيم، من دون احتساب قروض مصارف الأعمال والاستثمار، قارب 60,3 مليار دولار في نهاية العام 2017 مقابل 57,2 مليار دولار في نهاية العام 2016، أي بزيادة نسبتُها 5,5%؛ علماً أن معدّل ارتفاع هذه التسليفات آخذ في التباطؤ عموماً، عاكساً مستوى النمو الاقتصادي الضعيف في لبنان. لكنّه يبقى جيداً ومقبولاً في ظلّ عدم الاستقرار السائد في المنطقة، ويدلّ على التزام المصارف بتمويل حاجات القطاع الخاص في جميع الأوقات".
وإذ أكد أن "المصارف مستمرة في تمويل القطـاع الخاص المقيم وغير المقيـم، أفراداً ومؤسّسات، بكلفة مقبـولــة بالليرة وبالعملات الأجنبية، ولآجال تتلاءم مع طبيعة الأنشطة المطلوب تمويلها"، أوضح أن القروض الشخصيّة الممنوحة من المصارف في العام 2017 زادت بنسبة 8,1%، وهي تشمل خصوصا القروض التعليمية والقروض السكنية، وقد أمّن القطاع المصرفي من خلال مختلف آليات الإقراض السكني مسكناً لحوالى 131 ألف أُسرة لبنانية في مختلف المناطق، ما رفع حجم محفظة القروض السكنية الى نحو 13 مليار دولار في نهاية العام 2017؛ وهي بمعظمها لمصلحة ذوي الدخل المحدود وبفوائد متدنّية ومدعومة، علماً أننا أضفنا الى هذه المحفظة خلال العام الماضي أكثر من 6 آلاف قرض سكني جديد، كدليل إضافي على أن الاستقرار الإجتماعي هو من أولويّات المصارف اللبنانية. وتُظهر الإحصاءات أن إجمالي التسليفات المدعومة الفوائد، الموافَق عليها في فترة 1997- نهاية أيلول 2017 وصل الى 11,028 مليار ليرة (ما يعادل 7,13 مليارات دولار). وقد شكّلت حصة الصناعة من إجمالي هذه التسليفات 59% مقابل 30% للسياحة و11% للزراعة. ولم تترافق زيادة التسليفات المصرفية مع تدهور في نوعية محفظة الإقراض للقطاع الخاص، إذ بقيت نسبة الديون الصافية غير العاملة (NNPL’S) إلى إجمالي المحفظة في مستوى متدنٍّ وبحدود 3,86%، فيما بلغت نسبة المؤونات إلى الديون المشكوك بتحصيلها 60,9%. فيما بلغت التسليفات للقطاع العام في نهاية العام 2017 ما يوازي 31,9 مليار دولار مسجّلة تراجعاً بنسبة 8%، شأنها في العام 2016".
وفي آخر التطورات المحليّة والدوليّة، توقف طربيه عند حدثين مهمّين، واحد محلي وآخر دولي، سيكون لهما أثر أكيد في حياتنا العامة، لا سيّما من الناحيتين الإقتصادية والمالية.
فقد شهد الشهر المنصرم التزام الحكومة والمجلس النيابي التعهّد المقطوع للرأي العام بإعداد وإقرار الموازنة العامة لسنة 2018، في ما شكّل دليلاً واضحاً على حرص السلطات المختصّة على إعادة الانتظام والشفافيّة الى المالية العامة، ووقف التسيّب الإنفاقي المتفلّت من أي ضوابط. وإننا إذ نحيّي هذا النهج ونناشد الإستمرار فيه، نأمل استكماله بالتصديق على قطع حسابات السنوات الطويلة السابقة، لإزالة كلّ التباس يشوب إدارة المال العام في لبنان.
وجدد موقف جمعية المصارف الرافض للتشريع الجديد الوارد في موازنة العام 2017، والذي فرض الازدواج الضريبي الذي "طاول بعض النشاطات وطاولنا كقطاع مصرفي بشكل خاص. وكنّا نأمل إدراج نص في صلب قانون الموازنة العامة لعام 2018 يصحّح هذا الإجراء. فليس طبيعياً أن يُكلَّف القطاع المصرفي بضريبة تصل نسبتُها عملياً إلى 50% على أرباحه، ما يحدّ من تطوير رساميله وتالياً من قدرته على استقطاب الودائع وعلى تمويل الدولة والاقتصاد في فترة تضمّن برنامج الاستثمار بالبنى التحتية حصةً عالية من التمويل على عاتق القطاع الخاص. نأمل أن تجد السلطة النقدية المشرفة على القطاع والسلطات المالية الحريصة على العدالة الضريبيّة معالجة إيجابية لهذا الموضوع. فليس من سلطة في العالم تكلِّف مصارفها بالضرائب على ودائعها لدى البنوك المركزية، ثم تعود وتكلّفها بالضريبة على أرباحها من المبالغ نفسها!".
أما على الصعيد الدولي، أشار طربيه الى انعقاد مؤتمر " سيدر" جاء ليشكّل بدوره، سواء من خلال مشاركة عدد كبير من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية أو من خلال التعهّدات المالية تجاه لبنان، علامة إيجابيّة في رصيد العهد والحكومة اللبنانية، وهو برهان جديد على حرص المجتمع الدولي على مواصلة حماية الإستقرار في لبنان والحؤول دون انزلاق بلدنا الى ما دون الخطوط الحمر الإقتصادية والإجتماعية والمالية"، وقال: "نضمّ صوتنا الى أصوات الدول والمنظمات المشاركة في هذا المؤتمر والتي طالبت لبنان الرسمي بإجراء سلسلة إصلاحات جذرية وبنيوية باتت ملحّة في المجالات المالية والإدارية والإقتصادية".
وجدد تأكيده أهميّة الشراكة بين القطاعين الخاص والعام وعلى ضرورة استكمال الشروط والتدابير التنظيمية الواجبة لمباشرة تطبيق القانون الجديد الناظم لهذه الشراكة، تسريعاً للإفادة من انعكاسات المشاريع المقترحة للتمويل الدولي الميسّر على الحركة الاقتصادية في البلاد وعلى تحفيز النمو واستحداث فرص عمل جديدة، لافتاً الى أن القطاع المصرفي اللبناني الذي يشكّل الركيزة الأساسيّة للاقتصاد الوطني بقطاعيه العام والخاص، يعتبر نفسه معنيّاً بصورة مباشرة وأولويّة بالمشاركة بفعاليّة في تمويل مشاريع البنى التحتية الملحظة في البرامج الحكوميّة، وخصوصاً أن قطاعنا يتمتّع بالقدرات التمويليّة كما بالخبرات والكفايات اللازمة لتأدية هذا الدور البديهي، على نحو يعزّز دوره الإنمائي المعهود".
وأشار الى الزيارة التي قام بها أخيراً وفد من جمعية المصارف الى واشنطن ونيويورك في إطار برنامج الإتصالات الدورية مع مراكز القرار الأميركية ومع المنظمات الدولية المعنيّة بالشؤون المالية والمصرفية، لافتا الى أنها مناسبة جدّدت فيها هذه المرجعيّات الخارجيّة تقديرها لحسن أداء القطاع المصرفي اللبناني في تطبيق قواعد الإمتثال تحت سقف السطات النقدية والرقابية المحليّة، كما أعربت المصارف الأميركية المراسلة عن ارتياحها للتعامل مع النظام المصرفي اللبناني استناداً الى عاملين اثنين: الأول هو حسن إدارة المخاطر من المصارف العاملة في لبنان، والثاني هو التزام المصارف اللبنانية بقواعد العمل المصرفي الدولي، بما فيها القواعد الأميركية.
وردا على سؤال عن صيغة شراكة المصارف اللبنانية في المشاريع المرصودة لخطة الحكومة والتي كانت محور مؤتمر "سيدر"، قال طربيه: "ينظم صيغة الشراكة المشترع والقانون والمرسوم التطبيقي، ونحن نموّل في الأساس الشركات والمتعهدين الذين سيتولون التنفيذ ولسنا ضالعين مباشرة في تنفيذ أشغال أو صفقات. ولن تأتي الحاجة دفعة واحدة لكل المشاريع وبإمكاناتنا الحالية يمكن أن نواكب عملية مؤتمر "سيدر" وتمويل المشاريع التي سيؤمنها المؤتمر من خلال التدرج بالتمويل المصرفي حتى تغطية كامل الحاجات التي تمتد لسنوات.
وأكد طربيه أن لبنان ليس على شفير أزمة بل هو في منطقة تشهد أزمة، ونجحنا حتى الآن في معالجة نتائج انعكاسات الأزمة في المنطقة.