جوزيف طربيه - رئيس جمعية مصارف لبنان
يشكّل القطاع المصرفي اللبناني دعامةً وطنية أساسية في تعزيز الاستقرار والنمو، وهو نتاج تعاونٍ وثيق بين مساهمين وإدارات خبيرة وذات رؤية من جهة، وبين سلطات نقدية ورقابية هي بدورها على قدر كبير من الخبرة والكفاءة من جهة ثانية. ومصارف لبنان نشاطاتها شاملة تؤمّن لعملائها خدمات الصيرفة بالتجزئة وصيرفة الشركات والصيرفة الالكترونية والاستثمارية وخدمات أسواق القطع والأسواق الماليّة والصيرفة الإسلاميّة وغيرها من المنتجات التي تلبّي مختلف حاجات العملاء. كما يوظف القطاع اكثر من 35000 شخصاً من اصحاب المؤهلات العلمية والكفاءات العالية. وتشكّل موجوداته اكثر من 4 أضعاف الناتج المحلّي الإجمالي للبلاد، وهو منتشر في أكثر من 111 مدينة في 32 دولة في العالم.
وقد حرص القطاع المصرفي اللبناني على مرّ السنين على توفير التمويل للقطاعين الخاص والعام، مومّناً بذلك ديمومة الاقتصاد اللبناني واستمرارية الدولة ومؤسساتها والحفاظ على مدّخرات اللبنانيّين المقيمين والمغتربين، في ظل توالي الظروف الصعبة.
وقد بقي نشاط القطاع المصرفي اللبناني واداؤه سليمين، سيّما لجهة النمو في ميزانيات المصارف، والنسب العالية لمعدلات السيولة وكفاية رأس المال. وبلغت الميزانية المجمّعة للقطاع في نهاية تشرين الأول 2017 نحو 216 مليار د.أ. وبلغ اجمالي الودائع ما يعادل 173.5 مليار د.أ.. كما بلغت الاموال الخاصة للمصارف التجارية ما يعادل 18.7 مليار د.أ. في نهاية تشرين الثاني 2017.
وقد بادر النظام المصرفي اللبناني باكراً الى اعتماد المعايير الدولية والممارسات الفضلى في المهنة المصرفية، بما في ذلك الادارة الرشيدة وادارة المخاطر والتدقيق والتحقق، وكفاية رأس المال ونسب الملاءة، والمعايير الدولية لاعداد التقارير المالية، ومكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، وتطبيق العقوبات ومكافحة التهرّب الضريبي. وفي هذا السياق، طبّق لبنان كل ما هو مطلوب في ما يختص بمعايير بازل 3 ، اذ تجاوزت ملاءة القطاع المصرفي الـ15% في نهاية 2017، وكذلك، فان رؤوس الاموال متوفرة لتطبيق معيار الـ IFRS9، الذي شرعت المصارف اللبنانية بالالتزام بتطبيقه منذ مطلع العام 2016.
ان الصناعة المصرفية اللبنانية تقف بثبات في وجه نوعين من التحدّيات: التحدّي الاول داخلي وخاص بالاقتصاد اللبناني، والثاني تحدٍ إقليمي ودولي. ويواجه القطاع المصرفي اللبناني للسنة السابعة على التوالي، الآثار السلبية للأزمة السورية وما انتجته من حجم هائل للنازحين على أراضيه، ما اعاق نموّ اقتصاده الذي تراجع الى معدلات ضئيلة تراوحت بين 1 و2.5%. أما على الساحة الدولية، فالكل ملمّ بالقوى المؤثـّرة والضاغطة على الصناعة المصرفية العالمية، وما ترتـّبه من تحدّيات وأكلاف كبيرة ناجمة عن التغيّر السريع للقوانين والتحوّط للمخاطر.
واليوم اكثر من اي وقت مضى، يبقى قدرنا التأقلم الدائم والمضي قدماً نحو الأمام، في ظل الارادة الدائمة للبنانيين بعدم الشروع في أي مغامرة سياسية كانت او أمنية؛ وفي جو من الحسّ القوي بالوحدة الوطنية. والمطلوب من الدولة اللبنانية الاسراع في:
• المحافظة على جوّ من الإستقرار السياسي والأمني في البلاد لما في ذلك من تأثيرٍ مباشر على ثقة المستثمرين المحليّين والأجانب، بهدف الخروج من دوامة الركود الذي نشهده حاليّاً.
• الحدّ من إعتماد الدولة على المصارف اللبنانيّة لتمويل الدين العامّ والبحث عن سبل تمويلٍ أخرى كالخصخصة والشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ.
• دعم المؤسّسات الصغيرة والمتوسّطة لما لهذه المؤسسات من دور حيويّ في تحريك عجلة النموّ الإقتصادي، وتشجيع وتحفيز الإستثمارات الجديدة من قبل القطاع الخاصّ.
• إعطاء أولويّة لتحسين بيئة الأعمال وتعزيز الميزات التفاضلية للبنان والمحافظة على استقرار التشريعات الراعية للاستثمار وخاصة الضريبية منها، وحماية حقوق الملكية، وتحرير الأسواق وإزالة العوائق أمام الإستثمارات الجديدة من خلال تسهيل عمليّات البدء بممارسة الأعمال (تأسيس الشركات وتشغيلها)، بالإضافة إلى تبسيط الإمتثال الضريبي.
• إستكمال تطبيق مشروع الحكومة الإلكترونيّة (e-government) الذي بدأ مع وزارة الماليّة اللبنانيّة، بهدف الحدّ من البيروقراطيّة والفساد وتعزيز الشفافيّة، مما سيساهم في جذب الإستثمارات الأجنبيّة.
• تعزيز القوانين والتشريعات التي تحافظ على لبنان كمركزٍ ماليٍّ في المنطقة (مثل قانون شركات الهولدنغ والأوفشور وغيرها).
• إلتزام لبنان بالمعاهدات الماليّة الدوليّة.