في ضوء الكلفة المرتفعة لإعادة الإعمار في الدول العربية التي دمرتها الحروب والنزاعات والتي تناهز تريليون دولار، وفقاً لتقديرات «إسكوا»، وتخطي خسائر النشاط الاقتصادي 600 بليون دولار، كان إجماع في افتتاح منتدى «تمويل إعادة الإعمار - ما بعد التحولات العربية» أمس في بيروت، الذي نظمه اتحادا المصارف العربية و «الدولي للمصرفيين العرب» برعاية رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري وحضوره، على الدور الكبير للقطاع المصرفي العربي في تمويل إعادة الإعمار.
وأعلن رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزف طربيه، أن «كلفة إعمار البنى التحتية في الدول العربية التي دمّرتها الحروب والنزاعات بحسب «إسكوا» تبلغ نحو تريليون دولار»، لافتاً إلى تجاوز «الخسائر الصافية في النشاط الاقتصادي 600 بليون دولار أي ما يعادل 6 في المئة من الناتج المحلي في المنطقة العربية، كما أدّت إلى عجز في الماليات العامة لهذه الدول بلغ 250 بليون دولار بين عامي 2011 و2015».
وأكد «تكثيف جهودنا في الاتحاد لرصد تطور الأحداث والتحضير لمجابهة ارتداداتها المالية والاقتصادية ووضع الخطط المستقبلية». ورأى أن دور المصارف العربية «يتمحور أمام هذه المعضلة حول تأمين التمويل، خصوصاً بالنسبة إلى مشاريع إعادة البناء والإعمار، باعتبار أنها تملك الإمكانات والكفاءات والموارد البشرية، لكن تنقصها عودة الأمن والاستقرار، والاستراتيجيات الحكومية للتعامل مع مجريات الأحداث».
واعتبر رئيس اتحاد المصارف العربية الشيخ محمد الجراح الصباح، ضرورة «درس كيفية تمويل إعادة الإعمار لجهة المبالغ المطلوبة ومصادر تأمينها وكلفتها وشروط الحصول عليها».
وأكد أن الهدف من المؤتمر هو «مشاركة القطاع المصرفي العربي في وضع الاستراتيجيات والسياسات التمويلية المطلوبة لتأمين الأموال اللازمة لتسريع عجلة الإعمار والتنمية».
وأشار إلى أن الموجودات المجمعة للقطاع المصرفي العربي «بلغت 3.4 تريليون دولار نهاية عام 2016، مشكلة 140 في المئة من حجم الناتج العربي، ووصلت الودائع إلى 2.2 تريليون دولار، فيما تُقدر التسليفات بنحو 1.9 تريليون دولار أي 77 في المئة من الناتج، بنمو 8 في المئة نهاية عام 2015».
ولم يغفل ما تخسره الدول العربية سنوياً «بسبب هجرة العقول العربية»، مقدراً الخسائر بـ «أكثر من 1.7 بليون دولار ما يتطلب بيئة سياسية وأمنية مناسبة ومستقرة».
وأعلن رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة اللبنانية محمد شقير، أن القطاع الخاص اللبناني «جاهز للمشاركة بفعالية في عملية إعادة الإعمار». وكشف عن «التواصل خلال الفترات الماضية مع مؤسسات القطاع الخاص العربية والأجنبية، لخلق شراكات ضخمة وبمواصفات عالمية تكون على قدر حجم هذه العملية». وشدد على «أهمية هذه الاندفاعة التي تأتي في وقتها ونساندها بكل إمكاناتنا».
واعتبر حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، أن «النظام المصرفي في العالم وفي ضوء مقررات «بازل-3»، سيصعب عليه بمفرده تمويل إعادة بناء الدول العربية التي عاشت وتعيش حروباً». وقال: «إذا نظرنا إلى لبنان، كان الناتج المحلي عام 1974 يبلغ نحو 8 بلايين ليرة أي ما يساوي 3.5 بليون دولار، وكان الدَين العام 52 مليون ليرة أي 22.6 مليون دولار. وكان سعر الليرة في مقابل الدولار 2.3، وكانت الفائدة على سندات الخزينة بالليرة لسنة واحدة 3.73 في المئة عام 1977». وأوضح سلامة أن الناتج «كان ليحافظ على نموه السنوي بنسبة 6 في المئة لولا الحرب، ولكان حجم الاقتصاد وصل إلى ضعف ما هو عليه اليوم أي 100 بليون دولار، ولكان تم احتواء الدَين العام ضمن مستويات مقبولة».
وأوضح سلامة أن لبنان «سعى إلى إعادة بناء الدولة وإعادة تنظيم المداخيل وتثبيت الليرة، حماية للقدرة الشرائية التي كانت انعدمت في الحرب». وخلُص مقدراً الأضرار والتكاليف الاقتصادية للحروب الثلاثة الأهم (ليبيا- اليمن- سورية)، بمئات البلايين وهي فرصة للاستثمار حين يحل السلام». لكن سأل: «مَن سيموّل هذه الورشة؟».