02 May 2019
كلمة الدكتور جوزف طربيه رئيس جمعية مصارف لبنان رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب في إفتتاح منتدى الاقتصاد العربي
كلمة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس جمعية مصارف لبنان
رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب
في إفتتاح
منتدى الاقتصاد العربي
فندق فورسيزونز
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها الحفل الكريم،
يأتي منتدى الاقتصاد العربي لهذا العام في ظل استمرار الاضطرابات المتنقلة التي تهز بعض أجزاء العالم العربي، حيث تطغى المستجدات الاقليمية والدولية بتداعياتها وحالات عدم اليقين التي تولدها، على جدول اي أعمال اخرى. فمنطقتنا تتموضع اليوم في أعالي سلم نقاط الاستقطاب العالمي بفعل حجم ثرواتها وصراع المصالح عليها.
في ضوء التطورات الحاصلة والمرتقبة، من المتوقع ان تستمر الضغوطات والتحديات للمصارف العربية المتمثلة في استمرار التباطوء في نمو الودائع والتراجع في نوعية الاصول. كما يعاني عالمنا العربي بشكل عام من معدلات منخفضة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية وخاصة في بلدان الاضطرابات، حيث تفاقم حجم التحديات التي كانت فيها قبل الاحداث، وكذلك ازدادت معدلات البطالة وخاصة بين الشباب والتي كانت أصلاً من اعلى معدلات البطالة في العالم. اضف الى ذلك الارتفاع في معدلات الفقر والتراجع في مستوى المعيشة والتعليم. هذا عدا عن دفع رؤوس الاموال العربية الى المزيد من الهجرة، وترسيخ البيئة الطاردة للاستثمار في الوطن العربي؛ في وقت تشكل مستويات الديون السيادية خطراً حقيقياً في ظل اتجاه أسعار الفوائد الى الإرتفاع عالمياً ومحلياً. امام هذا الواقع، علينا ان نعيد صياغة خطط التنمية الاقتصادية والاصلاح في منطقتنا، وذلك من خلال تنويع مصادر النمو، والدخول في جيل جديد من الاصلاحات. فتحسين بيئة الاستثمار يمر حتماً من خلال تعزيز الحريات الاقتصادية وحكم القانون والادارة الرشيدة والشفافية. وان بناء السلم الدائم للمنطقة يتطلب تنمية دائمة تقوم على سياسات خلق فرص عمل تضمن مستقبل الشباب العربي وتشجع تنمية ريادة الاعمال وتعزيز مصادر التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الناشيئة وتنمية اقتصاد المعرفة كمحرك اساسي للنمو.
ان الهدف النهائي للتنمية الاقتصادية هو خلق فرص عمل للشباب والاجيال الصاعدة، ومعالجة تركة الحرمان البشري والفقر وتمكين الناس في المنطقة العربية من المشاركة الفعلية في عالم القرن الحادي والعشرين. وانه لو سألنا أياً من ملايين الشباب على مساحة الوطن العربي عن مخاوفهم بالنسبة للمستقبل، سنجد من الارجح ان اجابتهم تنصب في قلقهم على العثور على وظيفة. واننا لن نستطيع انهاء التطرف والحراك المهدد للاستقرار دون معالجة قضية بطالة الشباب.
إن معظم دولنا زاخرة بجيل الشباب وتملك الموارد وكل ما تحتاجه هي وضع السياسات السليمة واعطاء الافضلية لمعالجة هذه المشكلة، وهي ليست مشكلة بسيطة اذ ترتبط بتحقيق منظومة كاملة من السياسات والآليات لتحسين تنافسية الاقتصادات التي من شأنها توسيع فرص العمل، وهي تتناول توفير بيئة اعمال مستقرة، وتفعيل دور الموارد البشرية عن طريق نوعية التعليم، واكتساب المهارات، لتلبية حاجة الصناعات، وتحسين جودة المنتجات، ودعم قدرتها على مواجهة المنافسة العالمية، وتحقيق المزيد من التنويع للهيكل الانتاجي، وتعزيز الابتكار ونقل التكنولوجيا.
أيها الحضور الكريم،
لا بد ان تتضمن كلمتي اشارة الى ما يقوم به لبنان حالياً من اصلاحات في اقتصاده وماليته العامة ومحاربة الفساد وتحسين مستويات الحوكمة. ان لبنان يواجه في الواقع استحقاقات ملحة على صعيد المالية العامة للدولة اذ الحقت الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية في المنطقة وتدفق ما تجاوز المليون لاجئ سوري اليه هرباً من اتون الحرب في بلادهم اضراراٍ فادحة في الاقتصاد اللبناني، مما ادى الى ضغوط هائلة على البنية التحتية المتداعية، وانخفاض الانتاجية وتفاقم ظاهرة التنافس مع الأيدي العاملة اللبنانية وانتشار الاقتصاد غير الشرعي. ولا يزال لبنان يناضل ليسترد عافيته من ثقل هذه الاحداث حيث باتت الخزينة اللبنانية مثقلة بالديون التي تفاقمت وتيرتها في السنوات الاخيرة مما يتطلب معالجات قاسية بدأت الحكومة اللبنانية بمناقشتها من خلال مشروع الموازنة العامة المرجو أن تتمثل فيه حزمة التدابير التي تتخذها للتخفيف من نسبة العجز. إن المطلوب اجراءات تؤدي الى تغيير مهم في جانبي النفقات والواردات من الموازنة من شأنها، من جهة، تحقيق خفض جوهري في الانفاق العام، وخاصة لجهة اعتماد سياسة تقشف حقيقية وترشيد الانفاق ووقف الهدر، ومن جهة ثانية اتخاذ تدابير إجرائية من شأنها تحسين الايرادات الضريبية وضبط التهرب الضريبي وتحسين الجباية.
وعلى هذا الصعيد نشير الى ما يلي:
اولاً: ان القطاع المصرفي في لبنان يأمل ان تنجح الدولة الللبنانية بتعهداتها باقرار الموازنة العامة الإصلاحية الموعودة؛ مع التحسب لحجم الصعوبات التي تواجهها من مختلف المتضررين من التدابير الجديدة.
ثانياً: ان التصحيح المالي يتطلب خفض عجز الموازنة الى مستويات مقبولة جرى التعهد بها في خطة سيدر واستطراداً تأمين التوازن المالي، مما يستوجب اعادة هيكلة القطاع العام وخفض حجمه وترشيد انفاقه وتحديثه لزيادة فعاليته ومكافحة الفساد وتحسين الجباية.
ثالثاً: لا يجب ان يشعر المجتمع المالي، ومن خلاله المودعون في المصارف، او حاملي سندات الدين السيادي اللبنانية، ان البلاد مطية للشعبوية، اشارة الى الاصوات التي ترتفع بين حين وآخر، مطالبة بصورة مباشرة او غير مباشرة بجدولة الدين العام او اعادة هيكلته او ما شابه ذلك من آليات عدم التسديد عند الاستحقاق، او مخالفة القواعد المتبعة في الاسواق المالية الدولية. ان ايفاء لبنان بالتزاماته المالية هي ركن اساسي من سياسته المالية، وهو من اكدته اعلى مراتب السلطة في لبنان ومنها البيان الرسمي لوزير المالية الصادر عن اجتماع بعبدا بتاريخ 13/1/2019 والذي ورد فيه بالحرف : "إن الدولة اللبنانية ملتزمة تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً المحافظة على حقوق المودعين والمصارف وحاملي مختلف سندات الدين السيادية وذلك تقيداً بتسديد الاستحقاقات والفوائد في التواريخ المحددة لذلك من دون أي إجراء آخر".
رابعاً:ان القطاع المصرفي في لبنان هو اللاعب الاساسي في حياة لبنان الاقتصادية، فالتمويل الذي قدمه للدولة اللبنانية امن استمرار قدراتها، والتمويل الذي قدمه للإقتصاد الوطني يتجاوز حجم الناتج القومي، وهو أخيراً وليس آخراً من عزز بايداعاته احتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية، مما ساعد على الحفاظ على الاستقرار النقدي طيلة ربع القرن الماضي ولجم التضخم وحفظ القوة الشرائية للرواتب والاجور واصحاب الدخل المحدود. لذلك يجب عدم استسهال التعرض للنظام المصرفي وودائعه بالضرائب الموسمية عند كل مناسبة كما حصل في العام الماضي، عند فرض الازدواج الضريبي على تكليف دخل المصارف من الفوائد، وكذلك رفع معدل الضريبة على فوائد الودائع الى 10% هذا العام، مما يؤثر على تدفقات راس المال الى لبنان، ويضعف من قدرة القطاع المصرفي في تأدية دوره التمويلي، وينعكس سلباً على أسعار الفوائد وعلى كلفة تمويل الاقتصاد اللبناني، ويعطل نموه.
انهي كلمتي متمنياً لهذا المنتدى النجاح بأعماله.
شكراً لإصغائكم.
Share on