كلمة رئيس جمعية مصارف لبنان
الدكتور جوزف طربيه
في الغداء التكريمي
للجنة الجديدة للرقابة على المصارف
فندق فينيسيا
الثلاثاء في 13 نيسان 2010
معالي وزيرة المالية السيدة ريّا الحسن،
سعادة حاكم مصرف لبنان الاستاذ رياض سلامه،
ضيوفنا الكرام رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف،
أيها السيدات والسادة ،
يسعدني أن أرحّب بكم، بإسمي وباسم جمعية مصارف لبنان، التي شاءت أن تدعو المصرفيّين والاعلاميّين الى هذه المأدبة تكريماً للجنة الرقابة على المصارف، رئيساً وأعضاء، ونحن نكرّر لهم بدايةً تهاني الأسرة المصرفية اللبنانية مقرونةً بأصدق التمنّيات بالتوفيق في مهامهم ومسؤولياتهم الكبيرة.
يعيش قطاعنا المصرفي منذ سنوات ورشة عمل ضخمة تهدف الى تقوية القطاع والارتقاء به الى أرفع المستويات والى تعزيز متانته المالية ومكانته في الأوساط الإقليمية والدولية. وقد بادرت السلطات النقدية والرقابية طوال هذه الفترة الى تطوير الأنظمة والتشريعات التي ترعى نشاط المؤسسات المصرفية وتحكم أداءها، بالتعاون الوثيق والمتواصل مع جمعية مصارف لبنان، كما حرصت مصارفنا من جهتها على متابعة جهودها الرامية الى تحديث بُناها وتقنيات عملها وتطوير وتنويع منتجاتها وخدماتها ، وعلى الاستمرار في تمويل القطاعين العام والخاص، والتوسع المدروس داخلياً وخارجياً. وبفضل هذا الأداء المتميّز، استطاع قطاعنا أن يتجاوز العديد من المصاعب والأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، المحلية والدولية، وأن يحقق في الوقت نفسه نمواً قياسياً على صعيد مؤشراته كافةً، بحيث فاقت موجودات المصارف التجارية وحدَها في نهاية شباط من هذا العام 118 مليار دولار وقاربت ودائعها 99 مليار دولار وتسليفاتها 60 ملياراً موزّعة مناصفةً بين القطاعين العام والخاص ، فيما بلغ معدل ملاءة القطاع 12.5 % بحسب معايير بازل 2، ولامست نسبة السيولة الإجمالية بمختلف العملات الـ 60 % . هذا النموذج من السيولة الداعمة للملاءَة يسمح لنا رغم ضيق الهوامش ومن خلال ضبط تكاليف التشغيل بتحقيق معدلات ربحية مقبولة، وعلى توسيع توظيفاتنا في الداخل نحو خدمات وشرائح جديدة وفي الخارج نحو أسواق إقليمية متنوعة في مستوى مداخيلها وحجم أعمالها. والأهم من ذلك كله أن سيولتنا تتيح لنا أن نعلن أننا اليوم تكراراً إستعدادنا التام لتحمل التبعات التي يفرضها علينا موقعنا الريادي والمحوري في الحياة الإقتصادية اللبنانية، ووضع إمكانياتنا في تقديم التمويل اللازم لمشاريع البنية التحتية على أساس مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص شرط توافر الأرضية القانونية المناسبة لهذه الشراكة. لذلك نشدد على ضرورة التعجيل في إقرار مشروع قانون الشراكة المذكور الموجود حالياً في مجلس النواب، وكذلك على أن تضع الدولة لائحة اولويات للمشاريع ذات الإنعكاس المباشر على النمو الإقتصادي، وفي طليعتها مشاريع المياه والكهرباء والسدود والطرق والإتصالات.
ايها السيدات والسادة ،
إننا إذ نؤكّد اعتزازنا الكبير بمنجزات قطاعنا المصرفي ، ندرك في الوقت ذاته أن هذه المنجزات كانت حصيلة تضافر عوامل عدة ، بعضها يعود الى أداء مؤسّساتنا المصرفية والبعض الآخر الى سياسة سلطاتنا النقدية والرقابية . ومعلوم أن مصداقية هذه السلطات تجاه الداخل والخارج تشكّل عنصر ثقة أساسياً بالمؤسسات المالية والمصرفية في أي بلد ، فكيف في بلد صغير كلبنان، معرّض في السياسة والأمن لعوامل داخلية وإقليمية ليست دائماً تحت السيطرة.
وفي ما يخصّ الرقابة المصرفية، تجدر الاشارة الى أن جمعية المصارف كانت على الدوام حريصة على مبدأين أساسيّين، نودّ اليوم التذكير بهما :
المبدأ الأول : استقلالية الوظيفة الرقابية ، وقد أكّدت ، بل شدّدت عليها القوانين والتشريعات في لبنان وأسارع الى القول إن ممارسة هذه الاستقلالية فعلاً لا شكلاً يمر ّ بالتعاون الوثيق مع مصرف لبنان ، وتحديداً مع سعادة الحاكم ، كما يمرّ بالتعاون الوثيق مع ادارات المصارف وحمعية المصارف . ومن المتّفق عليه أن هذا التعاون الثلاثي الأطراف شكّل نهجاً ناجحاً نتطلّع الى تقويته ، بل الى ماسسته مع اللجنة الحالية.
المبدأ الثاني: التزام الرقابة المصرفية في لبنان أفضل ممارسات وقواعد الرقابة المصرفية العالمية. وهنا أيضاً نسارع الى القول إن هذا الالتزام لا يتنافى مع ضرورة تكييف هذه القواعد والمعايير مع البيئة اللبنانية وخصوصيّتها، ولا مع المرونة في التطبيق وتدرجية التنفيذ عند الحاجة. علماً أن الجهات الدولية التي تضع هذه القواعد والمعايير تركت للسلطات المحلية هامشاً من الاستنساب لدى اعتمادها فيما تترك لنا السلطات المحلية بدورها من خلال التشاور والتنسيق هامش من المرونة . فالمهم في النتيجة حماية ودائع الناس من المخاطر غير المدروسة وحماية المقترضين من الأكلاف غير المبررة، وتمويل الاقتصاد وتوفير مدفوعاته بكفاءة واستمرارية .
إن مقاربة الرقابة المصرفية بهذه الروحية ضمان لنجاحها ، فيما الصرامة في تطبيقها ليست بالضرورة ضمانة لفعاليتها. ولنتذكّر أن الأنظمة المصرفية التي تعرّضت للاهتزاز بفعل الأزمة المالية العالمية كانت من أكثر الأنظمة وأدقها تطبيقاً للمعايير الدولية المعتمدة في الرقابة المصرفية. وأن الأنظمة المصرفية التي ظلّت بمنأى عن الأزمة العالمية هي التي زاوجت بين حكمة ومرونة سلطاتها النقدية والرقابية وبين حرص إدارات المصارف على أموال الناس وسياسات التسليف والتوظيف المحافظة. وضمن هذا المنظور المتوازن الذي تمّ تبنّيه في لبنان، بقيت مصارفنا تؤدّي وظيفة الوساطة المالية ، إنما بعيداً عن عقلية المغامرة والمقامرة والسعي وراء الربح السريع.
أيها السيدات والسادة ،
لا يسعنا في ختام هذه الكلمة الترحيبية والتكريمية الموجزة غير أن نعبّر مجدداً عن اغتباطنا لكون اختيار رئيس واعضاء لجنة الرقابة على المصارف قد راعى هذه المرة ليس فقط معايير الخبرة والكفاءة والنزاهة إنما ايضاً أصول التعيين المنصوص عليها في القوانين المرعية ، بحيث تمّ احترام الأسماء التي اقترحتها جمعية مصارف لبنان ومؤسسة ضمان الودائع لتمثيلهما في اللجنة. ويملي الواجب علينا توجيه الشكر للدولة على ذلك رئيساً وحكومة، ونأمل أن يسود هذا النهج سائر القرارات المنتظرة بشأن التعيينات الادارية التي يعوّل عليها اللبنانيون لتحريك ادارات الدولة وتفعيل أدائها.
كما يهمّنا أن نكرّر تأكيد رغية جمعيتنا ومؤسساتنا المصرفية في استمرار أوثق روابط التعاون مع لجنة الرقابة على المصارف ، وفي تعزيز دور قطاعنا في تمويل الاقتصاد بأفضل الشروط الممكنة.
مبروك للسادة رئيس وأعضاء اللجنة الجديدة ، مع أحرّ التمنّيات بالتوفيق ...