كلمــــة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
رئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
فــــي
حفل إفتتاح
"الملتقى السنوي الثامن لرؤساء وحدات الإمتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المصارف والمؤسسات المالية العربية "
4-5 أكتوبر/تشرين الاول 2018
بيروت – فندق موفنبيك
أيّها الحضور الكريم،
يُسعدني بداية أن أرحّب بكم جميعاً في بلدكم الثاني لبنان، وأتقدّم منكم بالشكر والتقدير على مشاركتكم في الملتقى السنوي لرؤساء وحدات الإمتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بدورته الثامنة. كما يُسعدني أن أعرب عن خالص الإمتنان والعرفان للأخ الصديق سعادة المستشار القاضي أحمد سعيد خليل السيسي لتشريفنا بحضوره فعاليات هذا الملتقى، وأخصّ بالشكر والتقدير سعادة الأستاذ عبد الحفيظ منصور الأمين العام لهيئة التحقيق الخاصة في لبنان ورئيس مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط - MENAFATF، على حضوره وتعاونه ودعمه لهذا الملتقى الذي نحقّق من خلاله، عاماً بعد عام، المزيد من النتائج الإيجابية، في مواجهة تزايد العمليات العابرة للحدود وتنوعها وتشعّبها وإنعكاساتها الخطيرة في المصارف والمؤسسات المالية العربية.
أيّها الحضور الكريم،
منذ إنطلاق هذا الملتقى وحتى اليوم في دورته الثامنة، يعمل إتحاد المصارف العربية على عدّة محاور في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تمّ التركيز خلالها على تعزيز إلتزام المصارف العربية بالمعايير والتوصيات الدولية لمكافحة هذه الآفة الخطيرة، وتطوير فاعلية النظم المطبّقة لديها وتوافقها مع هذه المعايير والتوصيات، والعمل على زيادة درجة الوعي لدى المصارف الأعضاء حول الطرق والأساليب والإتجاهات الحديثة في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والوصول إلى أفضل الحلول لمكافحتها، ومساعدة المصارف في الحصول على المساعدات الفنية والتدريب بمستوى عالٍ لدعم جهودها في هذا المجال، وإتخاذ الترتيبات والإجراءات اللازمة لتطوير أنظمة المكافحة المطبّقة لديها.
وقد أظهرت الملتقيات السابقة، من خلال ما شهدته من مشاركة فاعلة، أنّها من اهم الوسائل التي يعتمدها إتحاد المصارف العربية للإستمرار في رفع مستوى الوعي ومتابعة المستجدات والتطوّرات ذات العلاقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ودعم جهود المصارف والمصرفيين في هذا المجال، وذلك بفضل الخبراء الذين تابعوا تطورات هذه الآفة، وتطرقوا إلى أفضل التجارب والإجراءات المتخذة في مواجهة هذه الآفة وآثارها على المجتمع، والتعرّف على القواعد الدولية الحاكمة، والقواعد الدولية الموجهة لأنشطة هذه المكافحة.
أيّها الحضور الكريم،
يتزايد يوماً بعد يوم تعقيد وتشعّب عمل مسؤولي وحدات الامتثال في المصارف والمؤسسات المالية بنتيجة التعقيد والتشعّب الكبيرين للعمليات غير القانونية التي يقوم بها أفراد أو مؤسسات، وعلى رأسهم بالطبع غاسلو الأموال وممولو الإرهاب، الذين يسعون بشكل حثيث ودائم، وباعتماد أساليب تقنية والكترونية متطورة جداً، الى اختراق البنية الالكترونية للمصارف والمؤسسات المالية بشتى الوسائل، والاستفادة من أية ثغرة للولوج الى النظم المالية لتحقيق مآربهم غير القانونية، والتي تهدد في النهاية مجتمعات بكاملها، وليس فقط المؤسسات التي تم إختراقها.
وأحد أسباب التعقيد في عمل وحدات الامتثال في المصارف والمؤسسات المالية هو التوجه الى الاعتماد الكبير، وربما المفرط، على التكنولوجيا في إجراء العمليات المالية والمصرفية. فقد يؤدي الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا المالية وزيادة الارتباط بشركات التكنولوجيا المالية، والتوسع في إسناد العمليات المالية إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الذي يهدف الى الحدّ من التدخل البشري في العمليات المصرفية بهدف تخفيض التكلفة وسرعة إتمام المعملات، كل ذلك قد يؤدي الى التعرض لمخاطر تتجاوز المجال السبراني وتكنولوجيا المعلومات، الى التعرض لمخاطر غسل الاموال وتبييض الارهاب.
وكلما ازداد الاعتماد على التكنولوجيا والمعلوماتية، وللأسف، كلما فُتحت قنوات جديدة للمقرصنين وغاسلي الاموال وممولي الارهاب، الذين يتمتعون عادة بمعرفة وأدوات تكنولوجية متطورة جداً، قد لا يُتاح لبعض المصارف والمؤسسات المالية امتلاكها، وبالتالي مواجهتها.
وبذلك، قد تُنتج التكنولوجيا المالية مخاطراً جدّية، تمثّل قلقاً ليس لمدراء تكنولوجيا المعلومات فقط، بل أيضاً لمدراء الامتثال ووحدات مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب. وبشكل مماثل، يمتد القلق من الآثار السلبية المحتملة للاعتماد على التكنولوجيا المالية الى الجهات الرقابية، التي عليها تقييم المخاطر السبرانية ومخاطر غسل الاموال وتمويل الارهاب المحتملة، والناجمة عن الاعتماد على التكنولوجيا المالية.
أيّها الحضور الكريم،
إنّ من أهم المحاور التي سنناقشها في هذا الملتقى، دور وحدات المعلومات المالية والسلطات الرقابية في إصدار التوجيهات والإرشادات التي تساعد البنوك والمؤسسات المالية على الإمتثال للتعليمات الدولية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفي كيفية التعامل مع الصعوبات المفروضة على البنوك غير الملتزمة.
وكما تعلمون فإنّ التعديلات التي حصلت على توصيات مجموعة العمل الدولية (FATF)، هدفت إلى تأطير وتعزيز العمل بالمنهج المبني على المخاطر، والتزام البنوك بإجراء تقييم شامل لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب فيما يتعلّق بالعملاء والدول والمناطق الجغرافية والمنتجات والخدمات والعمليات وقنوات تقديم الخدمة. وأن تتواءم وتتكامل وظيفة إدارة مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع الإطار الكليّ لإدارة المخاطر في البنك.
كما أكّدت التعليمات الجديدة، ضرورة توفر سياسات وضوابط وإجراءات لإدارة وخفض مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإتخاذ إجراءات عناية واجبة ومعزّزة تتوافق مع درجة المخاطر التي تم تحديدها بموجب التقييم، ومع تصنيف العملاء حسب درجة مخاطرهم. فقد أجمعت كافة التقارير الرسمية حول العالم، أن عمليات غسل الاموال تضاعفت بشكل كبير على مدى العقدين السابقين حيث قدّر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجرائم المالية حجم غسل الاموال على مستوى العالم عام 2016 بحوالي 2 إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بما يقدر بحوالي 1.5 إلى 2 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يتخطى الإنفاق العالمي على الإمتثال لمكافحة تبييض الاموال 8 مليارات دولار.
أيّها الحضور الكريم،،،
إن العمليات الإجرامية الخطيرة يمكن أن تحدث في أيّ مكان في العالم، حيث أصبحت الاماكن المرشحة لهذه العمليات معروفة وتتميز بما يلي:
1- الدول التي تطبق سرية الحسابات.
2- الدول التي لا تتبنى قوانين مكافحة غسل الاموال.
3- الدول التي تعاني من الإنحلال والتراخي والفوضى.
4- الدول التي تعاني من ضعف الأجهزة الرقابية والأمنية.
5- الدول التي تتّسم بضعف الأجهزة القضائية.
6- عدم وجود مركز معلومات.
أيها الحضور الكريم،،،
إن التقدم السريع في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات كان له الأثر الكبير على القطاع المالي بشكل عام والقطاع المصرفي بشكل خاص على مدى العقد الماضي، وأصبحت أداة بالغة الأهمية، تقدم فوائد إستراتيجية للبنوك وتحقق من خلالها نوعية أفضل في الخدمات المصرفية لكن التكنولوجيا المالية وتطبيقاتها المختلفة أصبحت اليوم تمثّل فرصاً وتحديات في الوقت عينه للمصارف والمؤسسات المالية والجهات الرقابية والإشرافية، لذلك يتوجب على المصارف والجهات الرقابية النظر في كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على سلامة ومتانة النظام المصرفي وتطوير الإبتكار في القطاع المالي والمصرفي، ومن شأن هذه المقاربة المتوازنة تعزيز سلامة ومتانة المصارف والإستقرار المالي وحماية المستهلك وتعزيز الإمتثال للقوانين والتشريعات المعمول بها، بما في ذلك قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب دون الإضرار بالإبتكارات النافعة في الخدمات المالية، وخاصة تلك التي تستهدف الشمول المالي.
أيّها الحضور الكريم،،
لا يخفى على أحد الدور الهام الذي يقوم به مديرو الإلتزام ومسؤولو مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المؤسسات المالية وعلى الأخصّ في القطاع المصرفي، حيث يوكل اليهم العديد من المهام الرامية إلى الحدّ من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وما ينطوي عليه من مخاطر رقابية وقانونية وأخرى خاصة بسمعة المؤسسات المالية التي ينتمون إليها، ومن ثم زادت التطوّرات الحاصلة في مجال الجريمة من مهامهم اليومية، ومن إجراءات فحص العمليات غير العادية والعمليات المعنية بها، وإخطار وحدة التحريات المالية بالعمليات المشتبه بها، وإقتراح ما يلزم من تطوير وتحديث لسياسة البنك في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والنظم والإجراءات المتّبعة بالبنك في هذا المجال، وذلك بهدف زيادة فاعليتها وكفاءتها ومواكبتها للمستجدات المحلية والعالمية.
أيّها الحضور الكريم،،
إنّ إتحاد المصارف العربية، يسعى منذ سنوات لتحقيق تعاون دولي فاعل في مجال كشف ومكافحة وضبط حالات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والجماعات المتطرّفة، لأن هذه الجرائم أصبحت ذات صيغة دولية عابرة للمجتمعات والدول، وأنشأنا لهذه الغاية، منصّة حوار بين البنوك العربية، والبنوك الأوروبية، وعقدنا عدّة مؤتمرات في مجلس الإحتياطي الفدرالي، والخزانة الأميركية، وفي مقر منظمة التعاون والتنمية في باريس الـ (OECD) سعياً لتطوير تحالفات إستراتيجية في إطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إنطلاقاً من إيماننا بالعلاقة المباشرة بين الوكالات الحكومية والمحليّة، والأجهزة الأمنية، والأجهزة القضائية، والبنوك، وعلى هذا النحو طوّر الإتحاد علاقات وثيقة بين المصارف العربية والمصارف المراسلة في الولايات المتحدة الاميركية ضمن برنامج فعال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقوانين " إعرف عميلك" مع الإلتزام بالنظم والقوانين المتعلقة بمكافحة العمليات غير المشروعة.
أيّها الحضور الكريم،،
إنّ هذا الملتقى الهام الذي يضمً اليوم نخبة من اهل الإختصاص والخبرة والكفاءة، والمفكرين ورؤساء وحدات الإمتثال، يأتي في إطار هذه المساعي التي يقوم بها الإتحاد، آملين في إجتماعنا هذا أن نضيف ما يعزّز أداء قطاعنا المصرفي العربي بشكل عام والإرتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
متطلّعين إلى خبراتكم وتعمّقكم في هذه الظاهرة الدولية المعقّدة والخطيرة للخروج بأفكار وتوجيهات تساهم في تحقيق الأهداف المرجوة منه.
وشكراً لإصغائكم،،،،