كلمة الرئيس
الدكتور جوزف طربيه
خمسون عاماً في خدمة بلدنا لبنان واقتصادنا الوطني والقطاع المصرفي، هذه هي باختصار مسيرة جمعيتِنا، جمعية مصارف لبنان.
فمنذ تأسيسها عام تسعة وخمسين، ساهمت الجمعية في وضع قانون النقد والتسليف الذي شرَّع لاستقلالية المصرف المركزي بريادة ميَّزت لبنان عن العديد من الدول المتطورة والنامية في حينه.
وساهمت الجمعية في الاحتواء السريع لأزمة بنك إنترا عام 1966 وتداعيات حرب 1967 وفي تطوير التشريعات اللازمة لناحية إنشاء لجنة الرقابة على المصارف ومؤسَّسة ضمان الودائع. وعلى مدى سنوات الحرب اللبنانية، واكبت الجمعية وبادرت مراراً وتكراراً الى الحدّ ما أمكن من الأضرار. فكانت تسوية ديون تجار الوسط التجاري. وكان التفرّع إلى المناطق اللبنانية كافة لإيصال الخدمات المالية اليها، مع تخطّي الحواجز التي ارتفعت وتعدُّد السلطات والدويلات، في حين بقيت الجمعية واحدة موحّدة تقرّب المسافات المتباعدة بين أهل البلد الواحد. ومدّت المصارف، بتنسيق مع الجمعية والمصرف المركزي لم يخلُ أحياناً من حدّة التجاذب، الخزينة العامة بالأموال اللازمة لديمومة عمل الدولة بل لديمومة الدولة ذاتها في زمنٍ استولت فيه قوى الأمر الواقع اللبنانية وغير اللبنانية على موارد الخزينة.
منذ وقف الحرب وبتنسيقٍ مطلق مع السلطات النقدية والمالية، واكبنا كجمعية ومصارفَ مسيرة إعادة تأهيل الاقتصاد وإعادة الإعمار. ووفَّرنا للدولة خلال العقدين الماضيَيْن معظم احتياجاتها التمويليـة بالليـرة اللبنانية والعملات الأجنبية. فأبقينا من حيث ربما لا يدري الكثيرون على استقلالية القرار السياسي بعيداً عن سلطة وتدخّل المؤسسات المالية الدولية أو المصارف العالمية، كما حدث في دولٍ ناميـة وناشئة هامة، اضطرّت لأن ترهن في وقت من الأوقات جزءاً كبيراً من قرارها السيادي الاقتصادي والمالي من أجل الحصول على تمويل بالعملة الصعبة لتغطية عجوزات موازينها الجارية. وهكذا، موّلنا الدولة في كل الظروف وفي ظلّ كل الحكومات دون توقفٍ عند هويتها السياسية أو الحزبية.
ففي السلم وفي الحرب، في السنوات السِّمان وفي السنوات العِجاف، حافظنا على مدّخرات اللبنانيّين المقيمين والمغتربين، ووفّرنا دوماً للقطاع الخاص، مؤسساتٍ وأفراداً، التمويل بالآجال والشروط الملائمة رغم قِصَر آجال مواردنا. وشكّلنا للدعم الذي قرّرته السلطات للقطاعات المنتجة شركاء فاعلين. وشكّلنا كذلك للدعم الدولي المقرَّر للقطاع الخاص من قبل المؤسسة المالية الدولية والبنك الأوروبي للاستثمار والصناديق العربية وغيرها شريكاً فاعلاً. وفي الحالتين – دعم الدولة والدعم الدولي – لم تكن مصارفنا تدير فقط برقابة مصرف لبنان الآليات والصيغ التمويلية، بل كانت تتحمّل وحدَها بدون الدولة أو الجهة الدولية المخاطر التجارية ومخاطر السوق. ووحدَنا كمصارف نوفّر كامـل التمويل بتنوّعه ومُدَدِه في غياب الأسواق المالية النشطة وفي غياب الصناديق والمؤسَّسات المالية والبرامج المتخصَّصة. وما أكثرها في أعرق وأكبر دول اقتصادات السوق. سوف نظلّ فـي الجمعيـة وفي المصارف إلى جانب رجال الأعمال فـي مختلف أنشطتهم ومشاريعهم، نلعب دور المموّل ودور مقدّم المشورة، وأخيراً دور المساعد على اجتذاب المستثمرين إليهم. فسلامة محافظ قروضنا من سلامة وقوة مؤسساتهم.
وفي كل المجالات المطلوبة، ساهمنا في بلورة تشريعات ونُظُم وتعاميم شكّلت إطاراً يحكم عمل المصارف كان دائماً حديثاً ومنسجماً مع متطلِّبات الصناعة المصرفية العالمية، وفي إدخال أنظمة إدارة وتقنياتِ عمل تؤدّي أفضل الخدمات للمتعاملين مع المصارف وتسمح في آنٍ واحد بالضبط والرقابة الفاعلة والمرنة داخلياً ومن قبل السلطات. قاربنا التدريب والتأهيل كمسألة محورية وحاسمة في المنافسة والكفاءَة في الأسواق الإقليمية والدولية. توجَّهنا إلى تعريض قاعدة رساميلنا بمستثمرين جدد وبإعادة تدوير معظم الأرباح. فأكسبتنا كلُّ هذه السياسات والتوجّهات مناعةً وثقة كبيرتين تساعداننا اليوم في انطلاقة واعدة لتصدير خدماتنا المصرفية. سيكون لنا صيرفة لبنانية كما لبلدنا اليوم مطبخ لبناني يُصنَّف بين أفضل سبعة مطابخ معروفة في العالم.
قطاعنا المصرفي هو راهناً صناعة وطنية هي موضع فخر واعتزاز ونتاج تعاونٍ وثيق بين اثنين: من جهة أولى، مساهمون وإدارات خبيرة وواعية وذات رؤية وكفاءَة، ومن جهة ثانية، سلطات نقدية ورقابية هي بدورها خبيرة وواعية وذات رؤية وكفاءة، قادها حاكم مصرف لبنان سعادة الأستاذ رياض سلامة بحكمة وشجاعة ومرونة باتت مشهودة دولياً.
وختاماً، نشكر أركان الدولة اللبنانية وقوى المجتمع الحيّة، وعلى الأخصّ الهيئات الاقتصادية ووسائل الإعلام، كما سائر أعضاء أسرتنا المصرفية مشاركتها لنا الاحتفاء بهذه المناسبة، مناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيس جمعية مصارف لبنان.