كلمــة
الدكتـور جـوزف طربيــه
رئيس مجلس ادراة جمعية مصارف لبنان
رئيس الأتحاد الدولي للمصرفيين العرب
فـــي
حـفـل إفتتـاح
المؤتمر الثاني للمسؤولية الإجتماعية للشركات :
المصارف والتمويل 2012 : المخاطر الإجتماعية
فندق البريستول - بيروت
1 كانون الاول 2011
سيداتي، سادتي،
يسعدني أن نلتقي اليوم في المؤتمر الثاني الذي تعقده شركة CSR Lebanon حول موضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات في لبنان، تحت رعاية حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامة وبالتعاون مع جمعية المصارف وعدد كبير من الجامعات والجمعيات البريطانية والعالمية الضليعة بالموضوع.
تبدو عبارة المسؤولية الاجتماعية للشركات وكأنها جديدة على مسمعنا، ولكن عملياً، تمارس الشركات الخاصة بعضاً من هذا المفهوم. فالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات نشأت مع الثورة الصناعية بتقديم الرعاية للعاملين في المصانع وعائلاتهم. وقد تطوّرت وصولاً إلى المبادئ العشرة لميثاق الأمم المتحدة. ومع تقلص دور الدولة شيئاً فشيئاً في الميدان الاجتماعي برزت مجدداً المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات القطاع الخاص في السبعينات إلى أن أصدرت أخيراً منظمة المعايير الدولية ISO العام الماضي أدلّة المعيار 26000.
ويهمّني أن أتوقّف عند هذا المعيار، حيث أنه يفسّر بشكل واضح معنى المسؤولية الاجتماعية. فلا تقتصر هذه على المؤسسات الكبيرة دون الوسطى والصغيرة، ولا هي موجّهة لقطاع دون آخر، فعلى المؤسسة أن تسعى دائماً إلى الحفاظ على أصحاب المصالح ضمنها والمتعاملين معها. كما أن المسؤولية الاجتماعية لا تُسنّ بقانون أو بأنظمة، بل من المفترض أن تشجِّع جميع القوانين والأنظمة على القيام بأعمال تساهم في تحفيز المسؤولية الاجتماعية وأن تنبع هذه المسؤولية من داخل المؤسسة وليس من خارجها. ومن الأهمّ الإشارة أنه لا توجد شركات متخصصة تمنح شهادة في اتّباع معيار المسؤولية الاجتماعية، فهذه المسؤولية مسار عمل والتزام دائم لا يتوقّف عند حدود معيّنة.
إن مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات واسع وشاسع، ولا يعني التعرض لربح المؤسسات وتحويلها لجمعيات خيرية بل يتناول جميع علاقات الشركة مع أصحاب المصالح فيها ومعها، بدءاً بالمساهمين الذين يطالبوننا بعوائد مجدية على أموالهم وبالحفاظ عليها، وصولاً إلى البيئة المطلوب أكثر فأكثر الحفاظ عليها، ضماناً لاستمرار العيش على الأرض وتأمين عيش الأجيال القادمة. يضاف إليها من جهة أولى الحفاظ على حقوق الإنسان والقضاء على جميع أشكال التمييز في التوظيف والتعاطي مع العملاء بشفافية ونزاهة، ومن جهة ثانية مكافحة جميع أنواع الفساد. طبعاً لا نستسهل كل هذه السلوكيات وأنماط العمل والإدارة إذ تتطلب كلها جهداً دؤوباً من الإدارات العليا ومن جميع العاملين في مؤسساتنا.
زملائي المصرفيين،
إن المسؤولية الاجتماعية متداخلة في العمل المصرفي بمختلف جوانبه. وقد تبدو مصالح المجتمع أكثر تشابكاً مع عمل المؤسسات المصرفية من غيرها من المؤسسات. فلقد أثبتت الأزمة المالية العالمية الأخيرة كم هو مهم وضروري أن تلتزم المؤسسات المالية بمسؤولياتها الاجتماعية، وأولها الالتزام بأخلاقيات المهنة وآدابها والادارة الرشيدة وبالشفافية والإفصاح.
ونحن في القطاع المصرفي اللبناني بدأنا مسيرتنا في المسؤولية الاجتماعية منذ زمن بعيد، وإن كنا في بداية طريق طويل وشاق، وعلى هذا الصعيد نشير الى ما يلي :
- أولاً: تم توقيع أول عقد عمل جماعي بين جمعية مصارف لبنان الممثلة للمصارف ونقابات موظفي المصارف وأصبح ساري المفعول منذ 1/1/1972 ، وهو عقد يضمن لموظفي القطاع تطبيق قانون العمل وما هو أبعد منه لجهة العطاءات المادية والتعويضات العائلية والمنح الطبية والمدرسية وتعويضات نقل عادلة ومحقة، وكنا نتمنى أن تُعتمد هذه الاخيرة على صعيد القانون العام. كما أننا نقوم بتحديث هذا العقد دورياً، وندرس إيجاد آلية لاستفادة موظفي المصارف من نظام الاستـشفاء بعد سن التقاعد بانتظار إقرار نظام وطني عام. كما تمَّ تضمين العقد نظام المهارات للتطور الوظيفي الذي يضمن الشفافية في المسار الوظيفي، ناهيك عن الأهمية التي تعيرها المصارف لتدريب الموظفين لديها.
- ثانياً: تم توقيع اتفاقية الحيطة والحذر لمكافحة تبييض الأموال الناتجة عن الاتجار بالمخدرات بين جمعية المصارف وجميع المصارف العاملة في لبنان في أواخر العام 1996، قبل أربع سنوات من وجود أي قانون أو نظام بهذا الصدد في لبنان.
- ثالثاً: جرى إصدار أدلّة الإدارة الرشيدة، في مستهل هذا العام، بالاستناد إلى المعايير الدولية لبازل ولمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وأفضل الممارسات الدولية في هذا المجال، ضماناً لحقوق المساهمين، والزبائن، والعاملين وجميع المتعاطين مع المصرف من مورّدين وغيرهم.
- رابعاً: نقوم بتمويل المشاريع التنموية والبيئية من اجل الحفاظ على اقتصاد لبنان والتنمية المستدامة.
- خامساً: لا يسعني أن أذكر في هذا الصدد كلّ عطاءات المصارف على صعيد إفرادي أو جماعي (من خلال جمعية المصارف) في مختلف الميادين الفكرية والاجتماعية والانسانية والبيئية، حكومية كانت أم خاصة.
ولكن، بالرغم من جميع هذه الإنجازات التي تصبّ في سياق مفهوم المسؤولية الاجتماعية، علينا أن نعترف بأننا ما زلنا بحاجة الى رؤية شمولية واضحة والى استراتيجية مبرمجة على هذا الصعيد.
وفي إطار دعم جمعية مصارف لبنان لكل المبادرات المتعلقة بالشأنين البيئي والاجتماعي وعملها الدؤوب لتحسين أداء المصارف في هذين الحقلين وتشجيعها على اعتماد سياسات أكثر إدراكاً للتحديات الاجتماعية والبيئية والتي تشكل جزءاً أساسياً من الحوكمة، ستقوم جمعية المصارف وشركة "سي. أس. آر. ليبانون" بإعداد دراسة مسح إحصائي خاصة بالقطاع المصرفي اللبناني تسمح بتقييم واقع المسؤولية الاجتماعية والبيئية في القطاع، ومعرفة رأي ورؤية مصارفنا الوطنية وتطلعاتها في هذا الشأن، وبالتالي العمل معاً لوضع آليات مشتركة تسهل عمل المصارف في التطبيق الفعلي والشامل لمسؤولياتها في هذا الإطار، وآمل من جميع الزملاء التعاون لإنجاح هذه الدراسة التي ستبدأ اعتباراً من الفصل الأول من السنة المقبلة.
أخيراً، أودّ أن أهنئ القيّمين على هذا اللقاء وأن أشكر المحاضرين الذين سيطلعونا على آخر ما توصلت إليه المؤسسات في الدول المتقدمة في سياق المسؤولية الاجتماعية حيث يعي المستهلكون والمستثمرون والقوى العاملة في تلك البلدان أهميّة تطبيق هذا المفهوم علماً أن الأزمة المالية العالمية تكشفت عن ممارسات في قطاع المؤسسات في الاقتصادات المتطورة أبعد ما تكون عن مضامين المسؤولية الاجتماعية. ونأمل أن نستخلص من هذه التجارب أمثولات قيّمة تجعلنا نقارب هذه المسألة بكلفة أدنى بالوقت والمال.
أتمنّى لكم التوفيق في مناقشاتكم وفي يومكم الطويل والغني.