كلمة رئيس جمعية مصارف لبنان
الدكتور جوزف طربيه
في
الجمعيَّة العمومية السنوية
27 حزيران 2011
أيها الزملاء الكرام،
باسمي الشخصي وباسم مجلس الإدارة، أرحّب بكم في مستهلّ الجمعية العمومية السنوية التاسعة والأربعين لجمعية مصارف لبنان التي تعمل منذ تأسيسها في سبيل تعزيز المهنة المصرفية وتطوير النشاط المصرفي كما في سبيل خدمة الاقتصاد الوطني ولبنان.
إن تقرير مجلس الإدارة الموزّع عليكم يعرض لأداء الجمعية ونشاطها بشكل وافٍ منذ انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة في حزيـران 2010. لذا، لن أخوض في تفاصيل محتوياته، بل سأكتفي بإيجاز أبرز التطورات التي رافقت عملنا، والمنجزات التي حقّقتها جمعيتنا خلال السنة الثانية من ولاية مجلس إدارتنا الحالي.
أيّها السادة الزملاء،
لقد واصل الاقتصاد اللبناني في العام 2010، وللعام الرابع على التوالي ، أداءه القوي مسجّلاً نمواً حقيقياً قاربت نسبته 7,5%، وكان من الممكن أن يكون أعلى من ذلك لولا تأزّم الأوضاع السياسية في الفصل الأخير من السنة المنصرمة، والذي أدّى الى تباطؤ أو جمود حركة معظم القطاعات الاقتصادية. وهذا الأداء الجيّد ما كان ممكناً لولا الاستقرار الأمني والسياسي الذي شهده البلد منذ أيار 2008، وتوافر الفرص والملاذ الآمن للمدّخرات والاستثمارات بمردود تنافسي أو مرتفع في ظلّ أوضاع إقليمية وعالمية صعبة وفوائد عالمية متدنّية، خصوصاً بعد أن نجح القطاع المصرفي اللبناني في البقاء بعيداً عن الأزمة المالية العالمية.
ولا بدّ من التذكير مجدداً بأنّ لبنان يحتاج، لتحقيق معدّلات نمو مستدامة، إلى عامل أساسي يؤمّن الثقة بالاقتصاد اللبناني هو الاستقرار السياسي والأمني، تفادياً لتراجع النشاط السياحي وتباطؤ تدفّق الرساميل ولخفض تصنيف البلد السيادي، وتراجع ثقة المستثمرين، وإمكانية عودة معدلات الفائدة الى الارتفاع. كما يحتاج طبعاً إلى استمرار النمو الاقتصادي الجيّد في دول المنطقة العربية - وبخاصّة دول مجلس التعاون الخليجي-، نظراً إلى شدة ارتباط لبنان اقتصادياً بها. كما يتطلّب ذلك تنفيذ الإصلاحات البنيوية المنتظرة منذ سنوات عدّة وزيادة الاستثمارات العامة -التي تُعتبر متدنّية جدّاً عند تنسيبها إلى الناتج المحلّي الإجمالي مقارنةً مع الدول الأخرى- وذلك في مشاريع البنى التحتية من اتصالات وطاقة ومياه وطرقات وغيرها، وهي قطاعات على علاقة مباشرة بالنمو الاقتصادي. وتتضمّن إصلاح وخصخصة بعض المرافق العامة، بما فيها قطاع الطاقة والمياه، وتحسين مناخ العمل، وإقرار قانون تطوير الأسواق المالية، ومشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) ووضع خطط إضافية لتنشيط القطاعين الزراعي والصناعي إضافة إلى غيرها من الأمور، وهي تساعد على الدخول في حلقة مثمرة من النمو من خلال زيادة الثقة بالاقتصاد اللبناني وتراجع مديونية الدولة.
أيّها الزملاء،
لقد كان القطاع المصرفي صاحب التأثير الإيجابي الأبرز في تحقيق معدلات النمو المسجّلة طوال السنوات الأخيرة ، من خلال زيادة التسليفات والقروض لمختلف فعاليّات وأنشطة الاقتصاد اللبناني ، فيما كان الائتمان في معظم بلدان العالم في حالة ضمور أو تراجع.فقد منحنا القطاع الخاص المقيم، منذ مطلع العام 2009 وحتى شهر نيسان 2011 ما يفوق 7 مليارات دولار ، بزيادة نسبتُها 28% ، يضاف اليها أكثر من 1,5 مليار دولار للقطاع الخاص غير المقيم ، بحيث بلغت نسبة التسليفات للقطاع الخاص المقيم وغير المقيم 89% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغت التسليفات للقطاع العام حوالي 75% من هذا الناتج. وقد وصل حجم التسليفات للقطاعَيْن العام والخاص إلى ما يزيد عن 64 مليار دولار في نهاية العام 2010 موزّعة بنسبة 46% للقطاع العام و54% للقطاع الخاص.
وتُعزى زيادة التسليفات الممنوحة للقطاع الخاص في العام 2010 إلى توافر السيولة لدى المصارف، والتي تكوّنت بشكل كبير في العام 2009 على إثر الأزمة المالية العالمية، كما إلى التعاميم التحفيزية التي أصدرها مصرف لبنان. وقد واكبنا في الجمعية عملية تمويل البلد من خلال ترشيد شروط الإقراض لناحية آجالها ومستويات معدّلاتها، ومن خلال آليات متخصّصة جرى العمل عليها لدعم الفوائد للقطاعات المنتجة أو للقروض الإسكانية (المؤسسة العامة للإسكان، صندوق إسكان العسكرييّن، بنك الإسكان،...) أو لضمان القروض (كفالات..). وفي هذا السياق، وقّعت جمعية مصارف لبنان في العام 2010 بروتوكولات تعاون مع عدد من الوزارات والإدارات العامة ، وهي:المديرية العامة قوى الأمن الداخلي، ووزارة المهجّرين وصندوق تعاضد القضاة ، وهي اتفاقيّات تهدف، من جهة ، الى تثبيت عودة المهجرين الى قُراهم الأصلية ، ومن جهة أخرى، إلى إفادة شرائح محدّدة من الإدارة العامة (القضاة وقوى الأمن) من قروض إسكانية ميسّرة تعزيزاً لدورها في توطيد سلطة الدولة. كما وقّعت الجمعية مع وزارة الزراعة بروتوكول تعاون للتسليف الزراعي يهدف إلى توسيع مروحة القروض الزراعية المعطاة من المصارف.
ويهمّني أن أؤكّد مجدداً على الدور الحيوي الذي نؤدّيه كقطاع مصرفي في تدعيم مكانة الدولة واستمراريتها ، وكذلك في توفير مقوّمات الاستقرار النقدي، من خلال توفير الاحتياجات المالية للدولة اللبنانية بمبلغ يقارب 30 مليار دولار، بالليرة وبالعملات الأجنبية، كما من خلال المساهمة الفعّالة في تكوين احتياطيات المصرف المركزي من العملات الصعبة.
وقد بات معلوماً أن بنية الوساطة المالية في لبنان تكاد تقتصر على المصارف، نظراً للضعف البنيوي أو لغياب أدوات وأسواق التمويل الأخرى، ونعني بها : سوق الأسهم Equity وسوق الديون الخاصة Sovereign & Corporate Bonds ، أي سوق سندات دين الشركات. من هنا ضرورة تطوير الأسواق المالية في لبنان ، لأنّ التمويل السليم لأيّ اقتصاد يعتمد في آن واحد على المصارف وعلى السوق المالية. ويجري العمل حالياً بجدّية من أجل تحديث القوانين المتعلّقة بإدارة الأسواق المالية وبالرقابة عليها ضمن القواعد المتعارف عليها عالمياً.وإننا نأمل أن يقرّ المجلس النيابي الكريم في أولى جلساته التشريعية قانون الأسواق المالية بعد أن استوفت اللجان المختصّة دراسته ومناقشته، بمساهمة فعّالة من قبل جمعيتنا.
وفي سياق استكمال انخراط الصناعة المصرفية اللبنانية في اعتماد المعايير المالية الدولية، وضعت الجمعية دليل مبادئ الإدارة الرشيدة في القطاع المصرفي كي يشكّل شرعة عمل وسلوك تسترشـد بها المصارف العاملة في لبنان. وعلى هذا الصعيد، أدخلت السلطات النقدية مجموعة من التعديلات على عدد من التعاميم ذات الصلة ، من أجل وضع أسس الإدارة الرشيدة في القطاع المصرفي موضع التنفيذ.
أيّها الزملاء ،
لقد واصلت الجمعية تأكيـد التزامها بالشأن الوطني العـام، مع إبـداء حرصها على تكثيف حضورهـا وتعزيـز موقعهـا المرجعي كإحدى الهيئات الاقتصادية الأساسية فـي لبنـان، وتعزيز مشاركتها في المؤتمرات والمحافل الإقليمية والدولية واستضافتها العديد من الوفود العربية والأجنبية، وتوزيع منشوراتها ونتائج دراساتها، وتطوير موقعها على شبكة الانترنيت، ومتابعة الدورات التدريبية المكثفة للموارد البشرية المصرفية. أخيراً، على صعيد التشاور الداخلي ، حرصنا كرئاسة وكمجلس إدارة، على انتظام أعمال الجمعية بحيث عقد مجلس الإدارة الحالي 12 جلسة عادية و2 جلستين استثنائيتين في الإثني عشر شهراً الأخيرة، وعلى تكثيف التشاور الدائم مع إدارات المصارف، لا سيّما من خلال اللجان التي بات عددها 11 لجنة تضمّ حوالي 150 عضواً من مختلف المصارف يؤدّون دوراً مهماً ومشكوراً في بلورة العديد من المواقف حيال مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي تعني القطاع.
أخيراً ، باشرت الجمعية في الأسابيع القليلة الماضية مفاوضات تجديد عقد العمل الجماعي مع إتحاد نقابات موظفي المصارف ، آملين أن يتمّ إنجاز هذا المفاوضات في أسرع قت ممكن. ومعلوم أن هذا العقد الجماعي الفريد في لبنان والعالم العربي بعطاءاته وتقديماته يعبّر عن حرص جمعيتنا على توثيق التعاون المثمر والبنّاء بين أفرقاء العمل في الأسرة المصرفية وعلى تعزيز الأوضاع المادية والمهنية للموارد البشرية العاملة في القطاع المصرفي (أكثر من 21 ألفاً) بحيث يتأمّن لها مستوى معيشي لائق، وللمؤسسات المصرفية الاستقرار والنموّ الكفيلان بتعزيز دورها في النهوض بالبلاد وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أيّها الأخوة ،
من دواعي سرورنا أن يكون لبنان قد اجتاز في الأيام الأخيرة أزمة تأليف الحكومة التي استمرّت نحو خمسة أشهر وأوجدت فراغاً في الحياة العامة وعطّلت دور المؤسسات الدستورية، وشؤون البلد والمواطنين، وانهكت المناخ الاقتصادي وانعكست على توقعات النمو للعام الحالي، ناهيك عن انعكاسات الاحداث في المنطقة التي تتمدد تباعاً في العديد من الدول العربية. إن عودة الانتعاش الى الاقتصاد اللبناني مرهون باستقرار الاوضاع السياسية التي نأمل أن تنجح الحكومة الجديدة في تحقيقه، وأن يستطيع الرئيس نجيب ميقاتي، الذي ترتاح الهيئات الاقتصادية الى شخصه وادائه، أن يعطي الأولولية للملف الاقتصادي والمالي، وأن يجري قراءة متأنية لمصالح لبنان التي هي أمانة في عنقه. كما نتمنّى أن تسارع السلطتان التنفيذية والتشريعية الى ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، كما الى إطلاق ورشة إصلاح في الحقول المالية والاقتصادية والاجتماعية طال انتظارها، وهي وحدها الكفيلة بتمكين لبنان من استدراك التأخر الحاصل في الفترة الأخيرة ومن أعادة تنشيط محركات النمو الداخلية والخارجية بما يؤمّن شروط الازدهار المنشود والمستدام، وما ينعكس إيجاباً على مستوى معيشة اللبنانيّين.
في النهاية، لا يسعني غير أن أوجّه تحية تقدير الى جميع زملائي أعضاء مجلس الإدارة الذين شكّلوا فريق عمل واحداً ومتجانساًُ طوال ولاية المجلس وكرّسوا الكثير من جهدهم ووقتهم في خدمة الأسرة المصرفية، كما أنوّه باسم المجلس وباسمكم جميعاً، إذا سمحتم ، بالأمين العام وسائر كوادر وموظفي الأمانة العامة الذين مكّننا تفانيهم المهني من تأدية مهامنا على المستوى المطلوب.