كلمـــــة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية
رئيس جمعية مصارف لبنان
فــــي
المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2015 – بدورته العشرين
«خارطة طريق للشمول المالي 2015 - 2020»
19-20تشرين الثاني/نوفمبر2015
بيروت – فندق فينيسيا
دولة رئيس مجلس الوزراء اللبناني – الأستاذ تمام سلام
سعادة حاكم مصرف لبنان – الأستاذ رياض سلامة
أصحاب المعالي والسعادة والسيادة
أهل الصحافة والإعلام
أيّها الحضور الكريم،
أودّ بداية أن أعبر عن بالغ تقديري لدولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ تمام سلام على رعايته الكريمة لهذا المؤتمر الهام، وتشريفنا بحضوره.
كما أودّ أن أحيي بيروت – هذه المدينة التي لم تبخل علينا يوما" من احتضان ضيوفنا الكرام العرب والأجانب، مهما كانت الظروف التي تمرّ بها.
وما ظروف بيروت إلا كظروف منطقتنا العربية، حيث نتشارك جميعاً في القلق وشعور عدم اليقين أمام الارهاب وضرباته العمياء على الأبرياء، وتهديداته بتوسيع رقعة نشاطه لتشمل كل المعمورة.
إننا أمام ظاهرة ناجمة عن التخلّف في بعض فئات مجتمعنا نتيجة الجهل والفقر والبطالة مما يترك تربة خصبة لنمو التطرف، والنقمة على المجتمع، مما يستدعي التأمل والتفاكر في كيفية معالجة المشكلة.
أما دورنا كمصرفيين عرب، فهو لا يقتصر على معاينة هذه الظاهرة والأسف أمام تداعياتها، بل معالجة جذورها أي محاربة التهميش المالي الذي يحول دون الأمل والحياة الكريمة، وادخال فئات متعاظمة من مجتمعاتنا ضمن الشرائح المنتجة مما يفتح أمامها باب النمو والحياة الانسانية الكريمة ويبعدها عن اليأس وحب قتل النفس وقتل الغير.
وما لقاؤنا اليوم كمصرفيين من مختلف انحاء العالم الا دليل واضح على الاهمية التي نوليها لهذا الموضوع وهمّنا في تسهيل إمكانية ولوج مختلف الفئات الاجتماعية الى النظام المصرفي، بمن فيهم المبادرين الصغار والمهمشين اقتصادياً.
أيّها الحضور الكريم،،،
تشير الدراسات في العام 2014 الى ان نحو 38% من البالغين في العالم أي ما يقارب الملياري نسمة لا يزالون خارج الانظمة المصرفية، وغالبيتهم موجودين في دول جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، التي يعتبر بعضها الأقل شمولاً مالياً في العالم. وهناك نحو 75% من الفقراء لا يتعاملون مع المصارف بسبب ارتفاع التكاليف وبعد المسافات والمتطلبات المرهقة في غالب الأحيان لفتح حساب مالي. وتبقى فرص نشر الشمول المالي في العالم العربي كبيرة، لاسيما بين النساء والفقراء. وفي المقابل، تبلغ نسبة حاملي البطاقات المصرفية في الولايات المتحدة 60%، كما وان نصف الأميركيين يملكون حسابات ادخار في احدى المؤسسات المالية.
وإذا نظرنا إلى المنظومة الجيوسياسية الحالية، نلاحظ أن بعض بلداننا العربية يعاني من مشاكل أليمة تضرب جذورَها في البطالة والفقر، وعدم الاستقرار واستبعاد شرائح كبيرة من السكان وخاصة الطبقة الشابة والنشيطة اقتصادياً عن الخدمات المالية، وحيث تشهد هذه الدول تحولات كبرى وتواجه تحديات كبيرة وكثيرة، الا انها تبقى مزودة بآمال كبرى، إذ إن عصرنا هو عصر الانفتاح وسرعة الوصول الى المعلومات، وعصر الاقتصاد الشامل للمعرفة، وعولمة الانظمة المالية والمصرفية وتالياً عولمة المخاطر والنجاحات، حيث ان المستهلكين والمستثمرين على حد سواء مدعوون لاتخاذ قرارات مالية غالباً ما تكون معقدة، في ادارة شؤونهم الحاضرة والمستقبلية. ومن شأن تعميم الخدمات المالية ان يساعد في تكوين مستهلكين أكثر مسؤولية ووعياً والتزاماً مالياً، يمكـّنهم من قيادة عجلة التغيير في الاقتصاد، وتنشيط الابتكار ودفع ديناميكية الاسواق.
ومن شأن الشمول المالي أن يساعد الأفراد ذوي الدخل الضئيل على مواجهة الفقر والتعاطي بصورة أفضل مع حالات المداخيل غير المنتظمة والمستحقات الكبيرة الموسمية. اما بالنسبة للمؤسسات الصغيرة، فيمكن أن يوفـّر لها الشمول المالي الأموال التي تحتاجها لتأسيس مؤسسة ما وتوسيعها.
ومن الممكن ان يبدأ التثقيف المالي في المدارس، كي يؤمـّن للنشء الجديد التعليم المالي على حد سواء كالرياضيات وغيرها من علوم الحياة. إضافة الى ضرورة تأمين الوصول الى الخدمات المالية للمبادرين الصغار في الوضع الاقتصادي الصعب الراهن. وفي هذا السياق، يعتبر المستهلك الواعي أكثر فهماً للمخاطر والمكاسب المرتبطة بالمنتجات المالية وأكثر وعياً لحقوقه وواجباته. ومن المؤكد أنه سوف يكون للتكنولوجيا الرقمية الدور الأساس في تسريع عجلة الشمول العالمي للخدمات المالية.
السيدات والسادة،
إن ما يقلقنا في موضوع الشمول المالي اليوم، هو تأثير ظاهرة بدأت بالتوسع بشكل مضطرد، ألا وهي ما يسمى بتخفيف المخاطر (أو De-Risking)، حيث تعمد بعض المصارف إلى قطع علاقاتها المالية مع جهات أو مؤسسات أو أفراد تعتبرهما مرتفعة المخاطر، بالنسبة لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتالياً، فبدلاً من القيام بإدارة جيدة لتلك المخاطر، تعمد المصارف إلى تجنبها كلياً. وفي الواقع فإن قطع العلاقات المصرفية مع قطاعات بأكملها، أو مناطق بأكملها أو دولة بأكملها، يؤدي إلى خروجها من المنظومة المالية وبالتالي الى تفاقم ظاهرة ما يسمى بالـ التهميش المالي أوFinancial Exclusion وهذا الأمر قد يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الفقر وزيادة أزمة البطالة، مع ما يؤديان إليه من مشاكل اجتماعية واقتصادية وربما أمنية وسياسية.
أيها الحضور الكريم،
لا بد في هذا السياق، أن نتوقف عند الجهد الكبير الذي يقوده المصرف المركزي في لبنان مع المصارف التجارية لتقديم برامج تسليف تدعم الشمول المالي، بحيث تستفيد من تمويل المصارف شرائح مهمّشة وفئات اجتماعية من سكان القرى والأطراف، بما يؤدي الى إدخال هذه الفئات ضمن الشرائح المستفيدة من التمويل المصرفي، ويشمل ذلك بصورة خاصة التمويل المتناهي الصغر (Micro Finance) والتمويل المغطّى من مؤسسة كفالات، وتمويل التعليم والمؤسسات الحرفية وقطاعات الزراعة والسياحة والمعلوماتية وغيرها، بما يساعد على تحقيق التنمية المستدامة على صعيد السكان والمناطق، إذ إننا نحن كمصرفيين، يجب أن نعتبر أن مسؤولية تحقيق الشمول المالي لا تقتصر فقط على المؤسسات والجمعيات الاجتماعية، ولكنها من صميم دورنا الذي يتعدى كوننا موفرين للأموال ومدراء للثروات، وإنما نحن ايضاً مشاركون فاعلون في صناعة الاستقرار في منطقتنا.
وتشكّل مؤتمرات ومنتديات اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب محاور لتبادل الخبرات في مسائل اساسية كالشمول المصرفي والمالي لفئات الشعوب المهمشة اقتصادياً، ومشكلات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب وتطبيق النظم والقوانين الدولية. ونحن نعتبر أن المساهمة في التعليم والشمول المالي، هي مساهمة في صنع "سلام الشجعان"، هذا الشمول الذي يعتبر مدخلاً لتمكين الأفراد ومنحهم الفرص، والمساهمة في الاستقرار والنمو الاقتصادي.
إننا نتطلع من خلال هذا المؤتمر إلى رؤية مشتركة لتحقيق أنظمة مالية أكثر شمولاً وعدلاً وأنصافاً في منطقتنا العربية، آملين أن يخرج مؤتمرنا اليوم بجهودكم وخبراتكم وتجاربكم بمقترحات تخدم تطلعاتنا المشتركة لتعزيز التقدم الاقتصادي والاجتماعي في منطقتنا العربية، وتأمين ملاذ آمن وفرص عمل لأجيالنا الطالعة.
وشكرا" لإصغائكم