كلمة الدكتور جوزف طربيه
رئيس جمعية مصارف لبنان
رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
في افتتاح "المؤتمر العربي للاستثمار المصرفي والصناعي والسياحي والعقاري"
15 و16 أيلول 2011
مبنى عدنان القصار للاقتصاد العربي - بيروت – لبنان
دولة الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس مجلس الوزراء
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها الحضور الكريم
إنه لمن دواعي سروري، أن أشارك في افتتاح أعمال هذا المؤتمر، وأن أرحب، باسمي الشخصي وباسم جمعية مصارف لبنان، بالمشاركين والضيوف الكرام. كما أود التنويه بالإعداد والتنظيم الذي تكفله الاتحاد العام للغرف العربية وأمانته العامة من خلال مركزها الرئيسي في هذا الصرح، وتحت رعاية ومتابعة الرئيس الصديق عدنان القصار.
ولعله من قبيل المبادرة المرغوبة أن يتم عقد هذا اللقاء الجامع لبحث مجالات الاستثمار في المنطقة، وفي هذا التوقيت بالذات، حيث تزداد سرعة التحولات في المشهد الجيوسياسي العربي العام، وتتغير أنظمة بكاملها تحت تأثير ضغوط واحتجاجات داخلية تلقى أصداءً في العالم أجمع، وفي المؤسسات والتجمعات الاقليمية والدولية.
وقد يبدو لوهلة، أن الحديث في الإقتصاد وشجونه يقع خارج سياق قضايا الساعة التي تثير الاهتمام في المرحلة الراهنة قياسا بالتحولات الكبيرة التي تتمدد تباعا في المنطقة. لكن النظر في عمق هذه التحولات، اسبابا وحيثيات، يفضي الى استنتاج منطقي بأن الشأن الاقتصادي يقع في صلبها، وسيكون حتما في صدارة نتائجها بعد بلوغ مرحلة الاستقرار، وذلك إلى جانب العناوين الأخرى التي تتناول مواضيع الإصلاح والإنفتـاح وعودة الحريـات السياسية والثقافيـة والإعلاميـة والإقتصادية.
والأهم في هذه العناوين انها تصنع الأرضية الصالحة والمناخ الأسلم للإستقرار المستدام، وهو المفتاح الذهبي لعودة الثقة وتدفق الاستثمارات. ومن نافل القول ان فائض الفرص الإستثمارية في البلدان العربية يقابله فائض في الأموال والرساميل الباحثة عن التوظيف في فرص مؤاتية ومجدية، فإذا ترسخ الاستقرار وانتظمت المؤسسات أمكن جسر الهوة بين الفائضين، وتحقق الإزدهار المنشود.
واذ نتطلع الى عودة الإستقرار وهدوء حالات الغليان التي تمددت سريعا بدفع من المشاركة في الهموم، فاننا نعتقد أن الإصلاح بمفهومه الشامل من شأنه إعادة الزخم الى العمل العربي المشترك، والذي بات يتطلب بشكل ضروري، وربما ملح، صياغة خريطة طريق عربية تتضمن أفكاراً وإقتراحات محددة للتكامل الإقتصادي ودعم الإجراءات اللازمة لتعزيز التجارة العربية البينية وتسهيل انسياب رؤوس الأموال والسلع والخدمات داخل منظومة الدول العربية على نحو يضمن التنمية التكاملية المستدامة لاقتصادات هذه الدول ورفاهية شعوبها، والبحث في إطلاق هيئة مشتركة لترقب الأزمات الإقتصادية ومواكبتها، والتعاون في تنقية وتظهير الفرص الإستثمارية المتوفرة في البلدان العربية، ومعاونة الحكومات على التطوير المنهجي لمناخات الاستثمار، وإزالة أي تحفظات عن مساهمة القطاع الخاص في التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وإعداد المشاريع الملائمة لتوظيفات الصناديق السيادية وشبه الحكومية. إضافةً الى إعادة النظر الشاملة بالبنية الرقابية وإدخال مبادىء الإدارة الرشيدة بعدما أثبتت الأزمة المالية الاخيرة أهمية دورها في تحصين المؤسسات والحد من تهّور أصحاب القرار فيها. وكل ذلك يقع حكماً في خدمة تطوير البنى التحتية والتشريعية والعملانية لقيام السوق العربية المشتركة.
أيها الحضور الكريم،
في ظل هذه المناخات المعقدة والتحولات الحاصلة في محيطنا ، ورغم ما يقاسيه لبنان من عدم إستقرار سياسي، فإن المؤشرات الإقتصادية، مدعومة باستقرار نقدي مستدام، لا تزال ثابتة في مسارها الايجابي وان بوتيرة أبطأ فرضتها ظروف داخلية وخارجية كابحة للنمو، بعدما سجل لبنان، خلال ثلاثة أعوام متتالية، متوسط نمو يقارب 9 في المئة سنوياً، وكان من بين دول قليلة تخطت بأضعاف متوسطات النمو الإقليمي والدولي.
ولدى لبنان الكثير من الفرص الاستثمارية الواعدة في قطاعات السياحة والعقار والمال والمصارف والصناعة والتصنيع الزراعي والصناعات ذات القيمة المضافة. كما نأمل عودة الزخم الى مقومات النمو من خلال برنامج وطني طموح لإعادة بناء وتحديث البنى التحتية بالشراكة مع القطاع الخاص، وإقرار المراحل الإجرائية والتطبيقية لقانون التنقيب عن النفط والغاز في عمق المياه الإقليمية.
والأهم في دورة الإنتاج والنمو، وفي دعم الإستثمار المحلي أو الوافد هو القطاع المصرفي اللبناني الذي يدير حاليا موجودات محلية تناهز 140 مليار دولار، ويملك وجودا مباشرا في اغلب دول المنطقة وفي اسواق دولية كبرى. هذا القطاع بما يزخر من إمكانات وطاقات متنامية بنيوية ومالية وبشرية، هو قطاع سليم وكفوء، ويلتزم بشكل صارم ودقيق بأرقى المعايير والمواصفات الدولية الرقابية والمحاسبية، ويشكل أحد أهم مكامن القوة في الإقتصاد الوطني وخط الدفاع الحصين بمواجهة المصاعب والأزمات التي يتعرض لها. وهو ايضاً أحد أهم الجسور للتمدد الإقتصادي الخارجي، على خطوط الرساميل والاستثمارات والائتمان والتمويل والانتشار والتواجد في الاسواق الاقليمية والدولية.
ومن الثابت أن هذا القطاع يستمد قوته وصلابته من البيئة القانونية المؤاتية والمناخ الإقتصادي السائد في لبنان، وكذلك من السياسات الناجحة التي يديرها مصرف لبنان، وكذلك كفاءة لجنة الرقابة على المصارف إضافةً إلى الحوار المفتوح والدائم مع جمعية المصارف التي تأسست سنة 1959. فهذا التعاون الدائم بين السلطات والقطاع المصرفي أنتج قطاعاً مصرفياً متيناً يتمتع بهيكلية متوازنة بين الموجودات والمطلوبات ويرتكز على قاعدة ودائع متنوعة ومتينة، إضافةً إلى الموارد البشرية الكفوءة. وشكل قرار السلطات بتطبيق بازل 1 و 2 منحى إيجابياً نحو تطوير القطاع وتمتينه لجهة إدارة المخاطر وتشغيل رأس المال. ونحن كمصارف ملتزمون بتطبيق توصيات لجنة بازل 3 بالتعاون الوثيق مع السلطة النقدية والرقابية.
كما يولي القطاع المصرفي الأهمية القصوى لتكريس مفاهيم الإدارة المصرفية الرشيدة، كونها الطريق الأمثل لتحقيق مجموعة أهداف حيوية أهمها، حماية مصالح المودعين والزبائن والمساهمين والموظفين، وتعزيز سلامة الجهاز المصرفي الذي بقي بمنأى عن المخاطر بفضل القوانين والأنظمة الإحترازية الشاملة والسياسة الحذرة التي انتهجتها الجهات الناظمة والرقابية والنمط الإداري لمصارف لبنان الساعي إلى تجنب المخاطر وغياب البنى والنشاطات المصرفية المعقدة أو غير الشفافة.
أختـــــم كلــمتـــــي متمنيـــاً لهذا المؤتمــــر تحقيـــــق الأهـــداف النبيــــــلة المرجـــــوة منـــــــه.
وشكــــــراً