كلمــــة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
فــــي
حفل إفتتاح منتدى
" "ماهية العقوبات والغرامات الدولية،
آثارها وإنعكاساتها على إقتصاداتنا ومصارفنا العربية"
بيروت – فندق فينيسيا
12-13 فبراير/شباط 2016
معالي الأستاذ علي حسن خليل، وزير المالية ،
السادة رؤساء ومدراء المصارف اللبنانية والوفود العربية المشاركة،
ضيوفنا الأعزاء،
المتحدثون الأفاضل،
أيها الحضور الكريم،
يسعدني بداية أن أرحب بكم في هذه المدينة العزيزة على قلوبنا جميعا"، وأتقدم بالشكر إلى معالي وزير المالية - الأستاذ علي حسن خليل على رعايته وحضوره فعاليات هذا المنتدى، كما يسعدني أن أشكر ضيوفنا الأعزاء من مشاركين ومتحدثين، وكل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء.
وما لقاؤنا اليوم كمصرفيين إلاّ دليل واضح على الأهمية التي نوليها جميعا" لموضوع إلإلتزامات الدولية وما يرافقها من عقوبات، وإنعكاساتها على إقتصاداتنا ومصارفنا العربية، خصوصا" وإننا نمرّ في مرحلة تسيطر عليها حالة عدم اليقين، عناوينها الصراعات الدموية على المنطقة التي تهز بلدان عديدة ، وما لها من تأثيرات سلبية على النمو الإقتصادي للمنطقة العربية ككلّ. اننا نتناول في هذا المنتدى موضوع الجرائم المالية التي اصبحت الشغل الشاغل للقطاع المالي لما لها من انعكاسات خطيرة على الاقتصاد والمجتمع، بإعتبارها القاسم المشترك لمعظم الأعمال غير المشروعة، فكلما إزداد حجم عمليات غسل الاموال كلما تفاقم الخلل الإقتصادي، وإحتدم الصراع الطبقي، وإندثرت معه أخلاقيات العمل المنتج وتضررت القيم الإنسانية.
أيها السيدات والسادة،
لقد تغيـّر العالم خلال العشرين سنة الماضية تغيراً عميقاً، كما تغيرت القواعد التي ترعى الكثير من العلاقات الدولية القانونية منها والاقتصادية والسياسية والمصرفية. وعلى الصعيد المصرفي، أظهر تداخل الاقتصادات العالمية وكثافة التحويلات المالية العابرة للحدود، تعاظم المخاطر الناتجة بصورة خاصة عن تبييض أموال الجريمة المنظمة والمخدرات وتمويل الارهاب وغيرها من الآفات الاجتماعية التي يبحث القائمون بها عن ملاذات آمنة للأموال الناتجة عنها، أي اعادة ادخالها في النظام المالي وفي الدورة الاقتصادية الطبيعية، بحيث يستفيد اصحابها منها كأنها أموال نظيفة.
وتحت تأثيرات العولمة وانفتاح الأسواق المالية، وكون جريمة تبييض الأموال عابرة لحدود الدول، برزت الحاجة سريعاً الى ضرورة خلق آليات للتعاون الدولي لمواجهتها. وتمثـّل ذلك في ادخال هذه الجريمة ضمن صلب التشريعات الداخلية في كل بلد، وعقد معاهدات دولية لتبادل المعلومات بين الدول. وقد أدرجت الدول التي لا تتفق تشريعاتها مع هذه المعايير على لائحة الدول غير المتعاونة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، مع ممارسة ضغوظ على أنظمتها المالية لإجبارها على الامتثال.
من هنا إنبرت كافة دول العالم إلى التصديّ لهذه الآفة، فعمدت إلى تفعيل التعاون والتنسيق بين أجهزتها الأمنية والقضائية المختصة، وتوصلت هذه الأجهزة بعد جولات طويلة من المباحثات إلى وضع التشريعات المناسبة للحد من هذه الظاهرة، لا بل والقضاء عليها. كما تم تشكيل التجمعات المهنية الدولية لهذا الغرض ولعل أبرزها كان مجموعة العمل المالي (FATF) ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF).
أيها الحضور الكريم،،،
سوف يتناول هذا الملتقى حزمة من المواضيع القديمة والمستجدة والتي تحمل دائماً نكهة خاصة نظراً للظروف التي تفرض على الدوام تطوير أساليب معالجتها.
ويأتي من ضمن هذه المواضيع الموضوع الذي يشغل بال المصارف اليوم، وهو ظاهرة تجنّب المخاطر De-Risking، هذه الظاهرة التي أخذت تنتشر في أوساط المصرفيين العرب وغير العرب نتيجة لاحتمال عدم تمكّن المصارف أحياناً من الالتزام بمتطلبات الحيطة والحذر والعناية الواجبة Enhanced Due-Diligence التي تفرضها السلطات الرقابية، مثل التشدّد بالحصول على المعلومات الواجبة عن الزبائن (KYC) وغيرها من إجراءات التحقق عن العملاء والعمليات المصرفية والمالية. هنا قد يلجأ المصرف إلى الابتعاد عن بعض الزبائن أو العملاء، أو القطاعات، وقد يفضّل عدم التعامل مع هذه الأنواع من الزبائن والعمليات، وهذا ما يعرف بظاهرة De-Risking.
وانه مما لا شكّ أنّكم تعلمون علم اليقين ماذا يحدث اليوم في العالم من صراعات ونزاعات وتنازع على السلطة وإرهاب، ومحاربة للإرهاب، وتعلمون ولا شك أن كل ذلك يحتاج إلى تمويل وإلى تخطيط، وإلى قنوات لا بدّ من استخدامها للقيام بما تحتاجه من تمويل. هنا تجد المصارف والمؤسسات المالية نفسها في قلب الحدث، وفي صميم المعركة، وهنا أيضاً تجد السلطات الرقابية والسلطات الأمنية والقضائية نفسها في مواجهة مع المنظمات والأفراد الذين يستخدمون تلك القنوات للوصول إلى أهدافهم.
ومن المعروف أيضاً أن هذه الإشكالية باتت تثير قلق جميع المعنيين من مختلف الجهات الرسمية والخاصة. فبتنا ننام على إجراء، أو رزمة من الإجراءات، ونستفيق على رزمة جديدة من الإجراءات والتشريعات والقوانين، وأصبح هذا الأمر يشكّل هاجساً للجميع، وأصبح علينا جميعاً العمل على متابعة تلك التطورات، والسعي لفهم الإجراءات المفروضة وإستيعابها والإلتزام بها.
هنا برزت التحديات التي علينا أن نستوعبها ونعمل على التعامل معها بما يتناسب مع خطورتها وشموليتها ونسعى إلى التغلّب عليها. وهنا أيضاً تبرز أهميّة التنسيق ما بين مختلف الجهات المعنية بهذه المسألة، وأهميّة تطوير وسائل المواجهة على مختلف الصعد القانونية والتشريعية والإلكترونية واللوجستية والعلمية والإدارية.
ومن البديهي القول أن هذه اللقاءات الدورية بين مختلف الجهات المعنية بهذا الموضوع تشكل فرصة لتبادل الآراء والخبرات بين المشاركين، وتشكل منصّة للعصف الذهني تتيح لهم الإستفادة من كل جديد يطرح، وتتم مناقشته في هذا المجال. وليس أفضل من هذه المناسبة لتحقيق الغاية من لقائنا اليوم، الذي اتمنى له كلّ النجاح وتحقيق الأهداف المرجوة منه.
وفقكم الله؛
وشـكراً لإصغائكـم،،،