كلمــــة
الدكتــور جـوزف طربيــه
رئيــس جمعيـة المصـارف في لبنـان
رئيــس الإتحـاد الدولي للمصرفييـن العــرب
رئيــس مجموعة الاعتماد اللبناني المصرفية
في
حفل إفتتاح
"ملتقى العراق المصرفي"
15-16 ايلول 2015
فندق فينيسيا
بيروت - لبنان
ايها الحضور الكريم،
يطيب لي بداية، أن أكرر الترحيب بضيوفنا الأكارم من العراق الشقيق. فأنتم تحلون في بلدنا أهلا وأصدقاء، لا كزملاء مهنة فحسب، نعتز بمناقبيتهم ومهنيتهم. ونحن الذين اكتوينا بنيران الحروب الطويلة وويلاتها، نتألم أشد الألم لما أصاب ويصيب بلدكم من ارهاب، وما تسبب به من قتل وتدمير وتهجير وتخريب. ذلك في وقت أحوج ما كنتم فيه لاستكمال بناء الدولة ومؤسساتها ومواصلة الاعمار والنهوض وتعويض ما فاتكم بفعل الحروب أيضا.
حقيقة، منطقتنا بكاملها في قلب نفق مظلم. والتكلفة المتوجبة موجعة على كل الأصعدة، بما يشمل الاقتصادات الوطنية. فالخسائر تتراكم وتتفوق على قدرات الاحصاء والجمع. لا نمو حقيقي ولا تنمية ممكنة، بل تفاقم صعودي حاد للأزمات الاقتصادية والاجتماعية القائمة أصلا. هذا المشهد العام الذي يظلل بلداننا واقتصاداتنا، يؤثر حكماً في كل مفاصل العمل والانتاج. لكن المقلق أكثر، هذا التحول المتسارع صوب خارطة جيوسياسية جديدة، بدأت مفاعيلها بفرض تغييرات كيانية وبنيوية وتحولات مجتمعية وديموغرافية واقتصادية موازية .
لذا، وفي موازاة التشاركية في الهموم والهواجس، تكتسب المناسبات المشتركة قيمة مضافة في هذه المرحلة العربية الصعبة. فهي الممر النموذجي لتثبيت ركائز التشاركية الايجابية، وخصوصاً لجهة تنمية التعاون وتعزيز التبادلات، والسعي الجدي لدعم منظومات العمل العربي المشترك، واعادة هيكلة مقومات التكامل التي تعرضت بدورها للضغوط والتداعيات والتجاذبات والمحاور، بفعل التطورات المذهلة في السنوات ألأخيرة .
أيها الحضور الكريم
لهذا الملتقى الثنائي أهمية كبيرة للعراق وللبنان وللقطاع المصرفي ومؤسساته في كلا البلدين. هذا ما تثبته وتدعمه المشاركة المشهودة على أعلى المستويات القيادية ومراكز القرار في السلطات النقدية والمؤسسات المصرفية. ونحن نشجع انعقاده دورياً ، ونتطلع معكم الى تعزيز بنيته كمنصة للتواصل والحوار المباشر وتبادل الخبرات وطرح المشكلات واقتراح المعالجات، وبما يفضي الى فتح كل مجالات التعاون المصرفي والمالي.
ولعله من بشائر الخير وتكبير حجم الطموحات والآمال، الخطوات النوعية التي تقدم عليها تباعاً السلطات المعنية في العراق الشقيق لجهة تطوير البنية المصرفية قانونياً وعملانياً، وخصوصاً منها ما يتعلق بنظام الخدمات المصرفية وقانون التوقيع الالكتروني وإعادة تحديد الرساميل المطلوبة للوحدات المصرفية الوافدة. هذا فضلاً عن التوجه لتشديد الاجراءات في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب، وتأسيس شركة ضمان الودائع، ووضع ضوابط مناسبة لخطابات الضمان، وإنشاء وحدات الاستعلام ومركزية المخاطر، والتعليمات الخاصة بالصيرفة الاسلامية، وقانون الصكوك الاسلامية .
هذا تقدم كبير في الجهود المبذولة من قبل السلطات المالية والنقدية العراقية. وتمثل، فضلاً عن إستراتجيات التطوير، إستجابة واعية لمتطلبات تطور الجهاز المصرفي الوطني ولمراجعات الوحدات العاملة في السوق وما تبديه من هواجس. وهذا ما يحفزنا أكثر كمسؤولين عن وحدات مصرفية لبنانية موجودة حالياً في السوق العراقية أو في طور الترخيص، لاعادة تأكيد حرصنا الشديد على إنجاح دورنا في إنماء الاقتصاد العراقي الذي لا يمكن أن يتقدم دون قطاع مصرفي ناجح الذي هو رافعة الاقتصاد والأساس في كل استقرار اجتماعي وسياسي.
ايتها السيدات والسادة
يحفل برنامج هذا الملتقى بموضوعات حيوية من شأنها نقل الصورة الحقيقية للوضع الاقتصادي والمصرفي في العراق، وتحديد أفضل أطر التعاون المرحلي والمستقبلي. كما نولي أهمية كبيرة للقاءات الثنائية التي يزمع محافظ البنك المركزي العراقي عقدها مع المسؤولين التنفيذيين للمصارف اللبنانية العاملة في العراق.
ومع التقدير المسبق لجهود المحافظ ، ولما سيصل اليه الملتقى من خلاصات وتوصيات، يسرني التأكيد باسم جمعية مصارف لبنان، التي أتشرف برئاسة مجلس ادارتها، بأننا نضع خبراتنا وامكاناتنا بتصرف البنك المركزي والبنوك العراقية، وبما يساهم في استكمال تجهيز البنية التحتية لتطوير الجهاز المصرفي وفقا للمواصفات الدولية وتوسبع آفاق أعماله ومنتجاته في خدمة الاقتصاد الوطني العراقي.
فالى جانب التدريب وتقديم الاستشارات وتمكين مسؤولي المصارف العراقية من الاطلاع عن كثب على أنظمة العمل والعمليات اليومية وألأعمال ألأساسية وتوزع الوحدات والاقسام وفصل المهام والمسؤوليات والتكنولوجيات المستخدمة، وغير ذلك مما يفيدهم في تطوير الوحدات العاملة وأنظمتها وأعمالها. يهمني، في هذا السياق، تحديد بعض المجالات الحيوية التي يمكن تحقيق استفادة مشتركة ومجزية و\ أو توفير الوقت والمال على البنوك العراقية الشقيقة، ومنها:
• تملك المصارف اللبنانية خبرات مشهودة في عمليات الوساطة المالية وادارة اصدارات في ألأسواق الدولية.
• طورت المصارف اللبنانية منظومات متكاملة وحيوية في اطار الصيرفة الشاملة. وتنويع حزمات الخدمات والمنتجات في مجالات الصيرفة بالتجزئة Retail، والصيرفة المخصصة للشركات Corporate، والصيرفة الاستثمارية Investment.
• تحوز المصارف اللبنانية مواقع متقدمة وذات مواصفات دولية في نطاق الصيرفة الالكترونية. واصدار وادارة البطاقات المصرفية من ألأنواع كافة . ونشر وتشغيل أحدث أجهزة الصرف الآلي.
• خاض لبنان مبكراً تجربة المصارف الاستثمارية، وصار لنا باع في تحديد الالويات والمحاذير.
• تواصل المصارف إعتماد أفضل الممارسات في اطار الحوكمة ، وفصل المهام والمسؤوليات .
• تنتشر المصارف اللبنانية في 33 بلداً حول العالم. ويصح أن تستثمرها البنوك العراقية كمنافذ لتلبية طلبات عملائها في هذه الأسواق.
• لدى البنوك اللبنانية خبرات مهمة في انشاء وادارة صناديق استثمار مالية ، يتم توظيف اكتتاباتها في قطاعات اقتصادية حيوية .
• تتمتع المصارف بأنظمة وتجهيزات من الأحدث في عالم التكنولوجيا المصرفية. ولديها كوادر بشرية ذات كفاءات وخبرات عالية وعالمية.
• يملك لبنان تجربة حيوية ممتدة في مجال مكافحة الأموال غير المشروعة. وبالاضافة الى القانون وتعاميم البنك المركزي ، طورت المصارف وحدات الرقابة الداخلية والكوادر البشرية التي تتولى هذه المسؤوليات وفقا لأعلى المواصفات الدولية .
• يتولى الجهاز المصرفي تمويل القطاعين العام والخاص بكفاءة ومهنية باعتراف مؤسسات مالية دولية .
• ان القطاع المصرفي اللبناني يدير أصولا محلية تزيد عن 180 مليار دولار حالياً ، اي ما يماثل نحو 3.5 اضعاف الناتج المحلي . وهو يحافظ على تألقه ونموه الجيد مستثمرا ما اكتسبه من مرونة فائقة في ادارة التعامل مع احداث طارئة ، وما راكم من خبرات اثبتت جدواها في استيعاب تداعيات حالات متكررة من اختلال الاستقرار الداخلي والتأثيرات الخارجية.
أيها الحضور الكريم
لقد كانت مصارفنا سباقة في الاستجابة لانفتاح العراق الشقيق على المصارف الخاصة وفتح السوق للمصارف الوافدة . ووحداتنا المصرفية العاملة في العراق حاليا تتبع اجمالا لأكبر المصارف العاملة في لبنان ، ومهمتها خدمة الاقتصاد العراقي وأنشطته بقدر ما تسمح به ألأنظمة المرعية الاجراء ، ومع مراعاة قواعد السوق ومستوى المخاطر . لا شأن لمصارفنا ولا مصلحة لها في تمرير أو تسهيل عمليات مالية مخالفة لتعليمات البنك المركزي .
ومن المهم التأكيد بأن مصارفنا تلتزم اعتماد أقصى التدابير والاجراءات لمنع مرور أي عملية مشبوهة، وتطبق في هذا السياق أنظمة داخلية ورقابية متشددة للغاية . ما نركز عليه دوماً دون تردد أو ضعف، هو سلامة القطاع المصرفي وعملياته من جهة، ومواصلة الالتزام بأفضل المعايير الدولية للعمل المصرفي من جهة موازية. هذا يحقق مصلحة استراتيجية للمصارف، ويكرس تميزها في المنطقة وخارجها لجهة السلامة والثقة. وتطبق مصارفنا بحزم توجيهات وتعاميم البنك المركزي ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة التي تتوافق مع المعايير الدولية .
وفي الختام،
إن القطاع المصرفي اللبناني يلعب دوراً مفصلياً ويواجه بقوة ونجاح التحديات السياسية والاقتصادية والامنية التي يمر بها لبنان، وما كان لهذا النجاح أن يتحقق لولا الاستقرار التشريعي، والاستراتيجيات الناجحة للبنك المركزي اللبناني في الحفاظ على الحريات الاقتصادية الاساسية وعلى رأسها حرية القطع وحرية التحويل، وكذلك كفاءة ادارات المصارف.
إن التجربة المصرفية اللبنانية المستمرة بنجاح منذ منتصف القرن الماضي جديرة بأن تعطى الفرصة للنجاح على أرض العراق الشقيق.
وشكراً لاصغائكم.