كلمــــة
الدكتــور جـوزف طربيــه
رئيــس
الإتحـاد الدولي للمصرفييـن العــرب
اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
جمعيـة مصـارف لبنـان
في
حفل إفتتاح
منتـــــدى
« تحديات تطبيق بازل III في المصارف العربية »
15 ـ 16 آذار/مارس 2012
بيروت ـ الجمهورية اللبنانية
أيها السيدات والسادة،
يسعدني اليوم أن نفتتح معاً فعاليات منتدى "تحديات تطبيق بازل III في المصارف العربية"، كما يسعدني أن أرحب بكم جميعاً لنبحث معاً في قضية كانت ولا تزال شأناً مصرفياً عربياً بإمتياز، كونها الميزان والبرهان على سلامة أدائنا المصرفي.
لقد أثبتت المصارف العربية في الإجمال، خلال الأزمة المالية والمصرفية العالمية الأخيرة، قدرتها على تحمل الصدمات التي تسببت بها الأزمات المتلاحقة، كما لعبت هذه المصارف في بعض الأحيان دور المسعف لعدد من مصارف الغرب التي تورطت بأصول أصبحت فيما بعد غير قابلة للتداول في الأسواق العالمية. ومن هذا المنطلق، فإن الإلتـزام بمعاييـر "بازل 3" قد يكون أسهل بالنسبة للقطاع المصرفي العربي الملتزم أساساً بمعايير "بازل2"، مع العلم أن "بازل 3" تتضمن معاييراً جديدة، كما تتضمن معاييراً تعديلية لمعايير "بازل2" التي تبين أنها كانت غير كافية لتساعد المصارف على التصدي لإهتزازات مالية كانت هزت العالم من 2007 إلى 2009 والتي إستدعت لجنة بازل لإعادة النظر في المعايير السابقة، في إتجاه أن تقوم المصارف بالإعتماد على نفسها أكثر من دون مساعدة البنوك المركزية والحكومات.
اليوم وقد أدت الأزمة المالية العالمية إلى ما أدت إليه من خسائر مالية ضخمة وإنهيارات إقتصادية طاولت العديد من المؤسسات المالية الدولية، وإمتد أثرها ليشمل عدداً من الإقتصادات المتقدمة في أوروبا وأميركا وآسيا، الأمر الذي دفع بمراكز صنع القرار والسياسات في الهيئات الدولية والمنظمات المرتبطة إلى البحث عن مواطن الضعف في أنظمة التحكم والرقابة والإشراف وبالتالي إلى مراجعة عميقة وشاملة للأنظمة والتشريعات المالية والمصرفية على المستوى المحلي في كل دولة وعلى المستوى الدولي بالنسبة للمعايير والقواعد المصرفية الدولية.
أيها الحضور الكريم....
لقد أصبح واضحاً أنه يتوجب على مقررات بازل3 أن تجيب اليوم عن أسئلة كثيرة فرضتها تداعيات الأزمات المتلاحقة بدءاً من الأزمة المالية العالمية، إمتداداً إلى أزمة المديونية الأوروبية وصولاً إلى التحولات الكبيرة التي شهدتها معظم دولنا العربية، وأن نعالج بالتالي الخلل الكبير في النظام المصرفي العالمي. لكن السؤال الكبير، هل ستكون معايير بازل3 أكثر فاعلية من معايير بازل2؟ أم أن هذه المعايير لم تكن أساساً على قياس أزمة كبيرة التي إجتاحت العالم منذ بداية العام 2007؟
ففي حين فشلت بازل2 في حماية المصارف من المخاطر الإئتمانية التي تعرضت لها عام 2007، أتت متطلبات بازل3 لتعالج، إضافة إلى مخاطر الإئتمان، مخاطر السيولة والتشغيل والسمعة وغيرها لمنع أية أزمة من الوصول إلى قلب الإقتصاد الحقيقي.
وبعيداً عن مسلسل الأحداث والتطورات التي أدت إلى ما أدت إليه، أخذت الأوساط المصرفية تطرح تساؤلات كثيرة في الخلفيات والأسباب، لكن الرد الفوري السريع لسد الثغرات المالية الخطيرة، كان في إطلاق معايير جديدة تضبط الفوضى التي إنتشرت في السوق المصرفية، ومعايير أخرى تعدل من معايير بازل2، التي أخذ عدد من الخبراء عليها بأنها تسببت بتراخي المصارف في التعاطي مع القروض والإستثمارات عالية المخاطر، يضاف إلى ذلك أن مصارف عديدة لم تطبق أصلاً هذه المعايير.
أيها السيدات والسادة....
قبل الحديث عن بازل3، والدخول في قدرتها على منع حدوث الأزمات، من المناسب معرفة لماذا فشلت مقررات بازل2 في منع حدوث الأزمة المالية العالمية. والجواب هنا، أنه بالإضافة إلى التطبيق البطيء وغير المنتظم لهذه المعايير خاصة في الأسواق المتقدمة، فإن مقررات بازل2 أخفقت في معالجة بعض نقاط الضعف الإشرافية في عدد من المسائل الهامة، مثل عدم وجود تعريف موحد لجودة رأس المال، وأسقف الإئتمان، ومعايير مشتركة للسيولة، بالإضافة إلى عدم إستيعابها للمخاطر المفرطة للسوق في مجال عمليات المتاجرة والمشتقات المالية التي إرتفعت بشكل حاد بين البنوك الكبرى، لذلك، فإن بازل2 لم تتمكن من الإيفاء بشكل تام بالغرض المطلوب منها.
أما بالنسبة لبازل3، فإنها لم تعالج فقط أوجه القصور في نسختها السابقة، بل تجاوزت ذلك من خلال تقديم مجموعة متنوعة من المفاهيم الجديدة في المعايير الرقابية العالمية التي أعتمدت على نتائج الدروس المستفادة بعد العام 2007 بالإضافة إلى ما توصلت إليه سلطات الإشراف المصرفية العالمية. وقد أدخلت بعض الإصلاحات الرئيسية على بازل3 مثل رفع مساهمة حقوق المساهمين في رأس المال الأساسي، كما تم إستحداث مفهوم تعزيز الإحتياطيات في رأس المال لمواجهة التقلبات الدورية، فيما إعترفت بازل3 بأن السيولة لا تقل أهمية، بل قد تجاوزت أهمية رأس المال لسلامة المؤسسات المصرفية، كذلك وضعت سقفاً للإستفادة من خدمات التمويل في المؤسسات المالية مما يقيد المصارف من الإفراط في تحمل المخاطر.
ولا بد من التنويه، في هذا المجال، بتركيز بازل3 إهتمامها على المخاطر في مجال عمليات المتاجرة والأنشطة الإستثمارية، خاصة المشتقات المالية والمعاملات خارج الميزانية، وقد ذهبت بازل3 إلى أبعد من ذلك بكثير لتحسين بعض المجالات مثل مخاطر الإئتمان للأطراف المقابلة والقيمة السوقية للإئتمان في حال تراجع الملاءة الإئتمانية للجهة المقابلة، ويتوقع من هذه الإجراءات تعزيز إدارة المخاطر والحوكمة والإشراف على أنشطة مثل التوريق وإعادة التوريق والمشتقات الإئتمانية. وهناك تركيز كبير على إختبارات الضغط في المؤسسات المصرفية لمختلف المخاطر، الأمر الذي يتطلب قيام المصارف بتطوير فرضيات الضغط من أجل معرفة قدرتها على الصمود والبقاء في ظل الظروف المالية غير المواتية، وكذلك، الأمر بالنسبة للسلطات الإشرافية التي عليها إجراء إختبار الضغط على مستوى النظام المالي، ولا بد من الإشارة إلى أن أبرز المجالات الهامة التي حظيت بإهتمام لجنة بازل، هي تعزيز الرقابة على المؤسسات المالية الهامة في النظام المالي العالمي، وسوف تخضع هذه المؤسسات لنظام رقابة أكثر صرامة وفاعلية، وستكون عرضة لمتطلبات أعلى لكفاية رأس المال.
بإختصار.. إن أبرز الإصلاحات التي تقدمت بها بازل3، شددت في جعل رأس المال أكثر تحديداً وشفافية، وإن يكون قادراً على إستيعاب أي خسائر فور حدوثها من خلال إلزامية تكوين إحتياط لحماية رأس المال خلال الأزمات، وتخصيص رأس مال إضافي مقابل العمليات التجارية، وتكوين مؤونات لأخطار متوقعة أثناء الفورة الإقتصادية وفترات الإنتعاش. كما شددت هذه الإصلاحات على تعزيز مسألة السيولة لحماية المصارف في مواجهة الأزمات المالية في المستقبل وأقترحت في موضوع السيولة إعتماد أمرين: نسبة السيولة الجاهزة على المدى القصير، ومدى توفر مصادر التمويل المستقرة لنشاطات المصارف التجارية والتسليفية، كما فرضت هذه الإصلاحيات تنظيم وتوحيد مركزية سوق المشتقات والإستثمارات العالمية المخاطر، وتنظيم ومراقبة عمل وكالات التصنيف الإئتماني، ووضع قوانين وتشريعات في المصارف المتعلقة بمنح مكافآت وحوافز للعاملين والمديرين التنفيذيين، إضافة إلى إضطلاع مجلس إدارة المصرف بمسؤوليته الكاملة عن المصرف.
وأود أن أنتهز هذه المناسبة، لألقي الضوء على آداء القطاع المصرفي اللبناني الذي إستطاع من بين القلائل في منطقة الشرق الأوسط أن يتخطى الأزمة العالمية رغم غياب الإستقرار السياسي خلال السنوات الماضية، حيث واصل مسيرة نموه، ولهذا أسباب كثيرة تأتي في طليعتها سياسة حاكمية مصرف لبنان الحكيمة والمحافظة، إضافة إلى إعتماد المصارف اللبنانية على الودائع كمصدر أساسي، كونها المحرك الأساسي لنمو النشاط المصرفي والتي بلغت حتى نهاية العام 2011 حوالي 116 مليار دولار، موزعة بين 94,40 مليار دولار لمجموع ودائع القطاع الخاص المقيم و 21,27 مليار دولار مجموع ودائع القطاع الخاص غير المقيم وشكلت نسبة نمو الودائع خلال العام 2011، 7,94 %. وبلغ إجمالي الموجودات خلال العام الماضي 140,62، بحيث بلغت نسبة نموها 9,04 % عن العام 2010. وقد زاد حجم الأموال الخاصة، إلى نحو 10,74 مليار دولار، ما أدى إلى أن يبلغ معـدل الرسملـة 7,63 %، وقد بلغت نسبة نمو رأس المال المجمع خلال العام 2011 16,26 %، وهنا أود أن أشير إلى أن غالبية المصارف اللبنانية جاهزة اليوم لتطبيق معايير كفاية رأس المال بحسب بازل3.
ومما يزيد الثقة في الإقتصاد اللبناني وقطاعه المالي والمصرفي، إمتلاك المصرف المركزي إحتياطي من العملات بلغت حوالي 31 مليار دولار يضاف إليها ماقيمته 14 ملياراً من الذهب وبلغت نسبة نمو العملات الأجنبيـة خـلال العام الماضي 7,75 %.
أيها السيدات والسادة....
إننا في إتحاد المصارف العربية والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب نأمل من خلال هذا المنتدى، التعمق في آفاق متطلبات بازل3، وزيادة عدد الخبراء في هذا المجال، لأن المصارف أو الشركات لا تملك الحق بعد اليوم بعدم الإلتزام الكامل بهذه المعايير المهمة، فعليها الحفاظ على قدرتها التنافسية وتعزيز نموها، وأن تعمل على تطوير ممارسة الحوكمة لديها وتحقيق التميز، حيث أن هذا الإتجاه بات يشكل مرتبة متقدمة بين أولويات المصارف والمؤسسات في ظل الظروف الإقتصادية الحالية، وعلى المصارف أن تكون في طليعة الساعين إلى تقرير الآليات المؤسسية بما يسهم في تحسين الشفافية والمساءلة والنزاهة، لأن إنهيارها يؤدي إلى إضعاف النظام المالي ذاته، ويؤثر بالتالي على الإقتصاد بأسره.
أتمنى لكم النجاح في تحقيق الأهداف المرجوة من لقائكم
شكراً لإصغائكم.