كلمة الدكتور جوزف طربيه
رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية
فـــــي
حفـــــل إفتتـــــــاح منتـــــدى
" آليات تجفيف منابع تمويل الإرهاب "
14-15 مايو/أيار 2015
فندق كورال بيتش – بيروت
- معالي الوزير الأستاذ نهاد المشنوق، وزير الداخلية والبلديات
- معالي الدكتور محمد بن علي كومان، أمين عام مجلس وزراء الداخلية العرب
أصحاب المعالي والسعادة
أهل الصحافة والإعلام
أيها الحضور الكريم،
يسعدني أن أشارك في هذا اللقاء للتداول بموضوع هام وحيوي يشغل اليوم أهم مراكز القرار السياسي والاقتصادي في العالم وهو موضوع "آليات تجفيف منابع تمويل الإرهاب"، حيث باتت الجرائم المالية من أخطر الجرائم ذات الانعكاسات الخطيرة على الاقتصاد والمجتمع، لكونها القاسم المشترك لمعظم الأعمال غير المشروعة، فكلما ازداد حجم عمليات غسل الأموال، كلما تفاقم الخلل الاقتصادي، واحتدم الصراع الطبقي، واندثرت معه أخلاقيات العمل المنتج، وتضررت القيم الانسانية.
أيها السيدات والسادة،
لقد تغيـّر العالم خلال العشرين سنة الماضية تغيراً عميقاً، كما تغيرت القواعد التي ترعى الكثير من العلاقات الدولية القانونية منها والاقتصادية والسياسية والمصرفية. وعلى الصعيد المصرفي، أظهر تداخل الاقتصادات العالمية وكثافة التحويلات المالية العابرة للحدود، تعاظم المخاطر الناتجة بصورة خاصة عن تبييض أموال الجريمة المنظمة والمخدرات وتمويل الارهاب وغيرها من الآفات الاجتماعية التي يبحث القائمون بها عن ملاذات آمنة للأموال الناتجة عنها، أي اعادة ادخالها في النظام المالي وفي الدورة الاقتصادية الطبيعية، بحيث يستفيد اصحابها منها كأنها أموال نظيفة. وتحت تأثيرات العولمة وانفتاح الأسواق المالية، وكون جريمة تبييض الأموال عابرة لحدود الدول، برزت الحاجة سريعاً الى ضرورة خلق آليات للتعاون الدولي لمواجهتها. وتمثـّل ذلك في ادخال هذه الجريمة ضمن صلب التشريعات الداخلية في كل بلد وعقد معاهدات دولية لتبادل المعلومات بين الدول. وقد أدرجت الدول التي لا تتفق تشريعاتها مع هذه المعايير على لائحة الدول غير المتعاونة في مكافحة تبييض الأموال، مع ممارسة ضغوظ على أنظمتها المالية لإجبارها على الامتثال.
من هنا إنبرت كافة دول العالم إلى التصديّ لهذه الآفة ، فعمدت إلى تفعيل التعاون والتنسيق فيما بين أجهزتها الأمنية والقضائية المختصة، وتوصلت هذه الأجهزة بعد جولات طويلة من المباحثات إلى وضع التشريعات المناسبة للحد من هذه الظاهرة، لا بل والقضاء عليها. كما تم تشكيل التجمعات المهنية الدولية لهذا الغرض ولعل أبرزها كان مجموعة العمل المالي ( FATF) ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF).
وبالتوازي مع الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة، أصدرت لجنة بازل للرقابة على المصارف مبادئ توجيهية حول كيفية قيام المصارف بإدراج مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب ضمن إدارتها الشاملة للمخاطر.
في هذا الاطار، نجح لبنان في العام 2002 في حذف اسمه عن لائحة الدول غير المتعاونة بعد الاستجابة لعدة متطلبات أهمها اصدار القانون رقم 318/2001 لمكافحة تبييض الأموال، الذي تميز بإنشاء جهاز تحقيقٍ له طابع قضائي لدى مصرف لبنان يرأسه الحاكم، هو هيئةُ التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال (Special Investigation Commission). وقد أعطيت الهيئة كامل الصلاحية لرفع السرّيّة المصرفية والاتصال بالسلطات المحلية والخارجية لتبادل المعلومات عند الاشتباه بحالات تبييض أموال. كما تجاوبت المصارف اللبنانية مع متطلبات مجموعة GAFI بانشاء أجهزة امتثال لديها وآليات لمكافحة تبييض الأموال ومنها آليات "اعرف عميلك" KYC وادخال برمجيات متطورة ضمن اعمالها، مما أعطى مصداقية للبنان من حيث تشريعاته وتجاوب قطاعه المصرفي وفعالية رقابة مصرفه المركزي.
وفي المقابل، عززت المصارف اللبنانية إجراءاتها الداخلية بحيث أنشأ كلّ مصرف وحدة مختصّة سُمّيت "وحدة التحقق" Compliance Division وتم تدريب الموارد البشرية وتأهيلها وادخال البرمجيات المعتمدة عالمياً بهدف الحفاظ على سمعة لبنان كمركز مالي نشيط وهيكل للمال النظيف.
ولكن كل هذا لا يعني أن لبنان قد أكمل كل متطلبات الامتثال لما هو مطلوب دولياً، اذ لم يـَبت المجلس النيابي حتى الآن بثلاثة مشاريع قوانين مطلوبة دولياً، أحالتها الحكومة اللبنانية في منتصف آذار 2012 اليه، وهي تتناول إلزامية التصريح عن المبالغ النقدية عند عبور الحدود، وكذلك توسيع لائحة الجرائم التي ينتج عن ارتكابها أموال غير مشروعة، واعتبار جريمة تبييض الأموال جريمة أصلية مستقلة بذاتها، والأهم من ذلك كله، مشروع قانون تبادل المعلومات الضريبية. وهذه المشاريع لا تزال عالقة أمام المجلس النيابي، ولكن لن تتوقف الضغوط الدولية لا على لبنان ولا على غيره من الدول للامتثال للقوانين المستحدثة.
السيدات والسادة،
تواجه بعض دولنا العربية تحديات في التصدي للمنظمات الارهابية للحد من مخاطرها وإيقاف تمويلها. ولذلك، تعمل هذه الدول على مكافحة هذه الآفة بتعديل تشريعاتها، ووضع تشريعات جديدة خاصة بهذه الجرائم. ومن المهم في هذا المجال الإضاءة على عدد من المبادرات التي قامت بها الدول العربية في هذا المجال.
فقد تبنـّى إتحاد مصارف الإمارات مواجهة جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، واعتمد القوانين العالمية لمكافحة الجرائم المالية. وكان من أبرز الاجراءات اعتماد سياسة " إعرف عميلك " وإعداد برنامج تشخيص العميل لمراقبة الحسابات ذات المخاطر المرتفعة، الى جانب الرقابة المسبقة على الحساب في ما يتعلق بالعمليات المشبوهة.
أما في الكويت، فقد تم إعداد سياسات وإجراءات متعلقة بغسل الاموال، ومنها عدم التعامل مع بنوك "الظل"، ومراجعة وفحص كافة البنوك المراسلة مقابل القوائم السوداء الدولية، واتباع اجراءات العناية الفائقة قبل البدء في علاقة مع بنك مراسل، والالتزام ببرنامج "اعرف عميلك"، وتدريب الموظفين، وإجراء عمليات تدقيق واختبارات مستقلة.
ويسري الأمر نسفه بالنسبة للاجراءات التي تتخذها وحدة مكافحة غسل الأموال في مصر. ونشير إلى أن البنك المركزي المصري قد اتخذ اجراءات صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
وفي العراق، حيث الاوضاع الراهنة تشكل أرضا" خصبة لنمو وانتشار ظاهرة تمويل الارهاب وتدفق الاموال لتمويل النشاطات الإرهابية، فقد تم اعتماد العديد من الاساليب للحد من تنامي هذه الظاهرة، ومن أهمها التدريب الفعال والعلمي للمصارف، والتحري عن سير المنتوجات المصرفية وخاصة التي تدخل فيها كمية من النقود الالكترونية، وكذلك مراقبة الاقتراض وإعادة الاقتراض، وتشديد الإجراءات الخاصة بفتح الحسابات وغيرها.
إلى ذلك، تتبع الجمهورية الجزائرية أيضاً اجراءات عديدة لمكافحة تبييض الاموال، منها التأكد من هوية وعنوان زبائنها، والاستعلام حول مصدر الاموال ووجهتها، ومراقبة كل البنوك وارسال تقارير سرية الى الهيئة المختصة.
أمّا الاردن فيحتلّ المركز الثالث عربياّ في مؤشر مكافحة تبييض الاموال بعد أن أقرّ مجلس النواب قانون غسل الاموال ومكافحة تمويل الارهاب وفرض عقوبات على كل من ارتكب أو شرع في ارتكاب جريمة غسل اموال.
السيدات والسادة،،
أود أن أشير أخيراً إلى أن التطبيق الفعّال لقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يستوجب الاعتماد على مختلف الخبرات والكفاءات التي تتوفر لدى كافة القطاعات المعنية بهذا الأمر، وهو ما يقتضي إعداد وتنفيذ برامج تدريبية وتأهيل الأشخاص الذين أسند لهم القانون مهمة مكافحة أو مراقبة الأنشطة المالية وتحركات الأموال، كموظفي المصارف والمؤسسات المالية والجهات القضائية والقانونية. وهذا ما نركز عليه في إتحاد المصارف العربية والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب منذ سنوات عبر مؤتمراتنا ومنتدياتنا وندواتنا وورش العمل التي نجول فيها على كافة عواصم منطقتنا العربية لنشر ثقافة جدية لمكافحة هذه الآفة الخطيرة وتحصين مجتمعنا المصرفي من أخطارها.
أجدّد شكري لمعالي الوزير نهاد المشنوق، ولسعادة الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، ولكلّ من شارك في نجاح هذا اللقاء، وأتمنى لكم التوفيق والنجاح في الخروج بتوصيات عملية نساهم من خلالها بالتعاون مع مجلس وزراء الداخلية العرب في وضع تصورات مشتركة وخطط مستقبلية قادرة على وضع حدّ لهذه الجرائم الخطيرة.
وشكراً لحسن إصغائكم.