الدكتور جوزيف طربيه
رئيس
جمعية المصارف في لبنان
رئيس
الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب
في
المؤتمر الوطني حول تعزيز القدرات المالية
21-22 تشرين الأول 2015
فندق فينيسيا - بيروت
السيدات والسادة،
أودّ بادئ ذي بدء أن أرحّب بكم جميعاً لمشاركتكم في هذا المؤتمر الوطني حول تعزيز القدرات المالية والذي يتجسّد فيه التعاون القائم بين القطاعين العام والخاص في لبنان مسنداً بدعم دولي، أعني بهم جمعية المصارف، وزارة المالية ووزارة التربية والشبكة الدولية للتربية المالية " INFE " التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية "OECD ".
في الواقع، استحوذ موضوع التثقيف المالي على اهتمام الكثير من الهيئات والبلدان بعد نشوء الأزمة المالية في العام 2008، التي أظهرت تبعاتها ان غياب الثقافة المالية لدى الكثير من المستهلكين، اضافة الى غياب معايير الشفافية والملاءمة في التعامل مع العملاء، كانت المسبب الأبرز للأزمة ولتغذيتها. وقد أدركت الدول متانة العلاقة التي تربط التعليم بالنمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، بحيث ان زيادة الاستثمار في رأس المال البشري وتعزيز قدراته المالية تنتج زيادةً في نمو الاقتصادات وتطوّر المجتمعات.
ماذا نعني بتعزيز القدرات المالية؟
تبيّن نتيجة الأزمة المالية أنه يجب العودة إلى النظرية الاقتصادية الكلاسيكية في ترشيد الاستهلاك وتشجيع الادّخار. فلا نموّ من دون استثمار، ولا استثمار من دون ادّخار. ومن شبّ على شيء شاب عليه. من هنا، دور الأسرة الإرشادي في الموضوع. وكلنا يعلم أن عصرنا هو عصر الانفتاح وسرعة الوصول الى المعلومات، وعصر الاقتصاد الشامل للمعرفة، وعولمة الانظمة المالية والمصرفية وتالياً عولمة المخاطر والنجاحات، حيث ان المستهلكين والمستثمرين على حد سواء مدعوون لاتخاذ قرارات مالية غالباً ما تكون معقدة، في ادارة شؤونهم الحاضرة والمستقبلية. ومن شأن تعزيز القدرات المالية ان يساعد في تكوين مستهلكين أكثر مسؤولية ووعياً والتزاماً مالياً، يمكـّنهم من تنشيط الابتكار ودفع ديناميكية الاسواق، والتعاطي بصورة افضل مع حالات المداخيل غير المنتظمة والمستحقات الكبيرة الموسمية.
ومن الممكن ان يبدأ تعزيز القدرات المالية في المدارس، كي يؤمـّن للنشء الجديد التعليم المالي على حد سواء كالرياضيات وغيرها من علوم الحياة. إضافة الى ضرورة تأمين الوصول الى الخدمات المالية للمبادرين الصغار في الوضع الاقتصادي الصعب الراهن.
وفي ما يخصّ التعامل مع المصارف، نسمع الكثير عن الجماعات المهمّشة ويتمّ في أكثر الأحيان ذكر النساء والمؤسّسات الصغرى (الميكروية) من ضمن هذه الجماعات. صحيح أن عدد الأميّات يمثّل ضعف عدد الأميّين في لبنان، إلاّ أن وضع النساء التعليمي في المجتمع اللبناني قد تطوّر بشكل لافت، خلال السنوات العشرين الماضية. فلم تعد " قضية المساواة بين الجنسين وإتاحة الحصول إلى التعليم مشكلة"، وأصبح عدد الفتيات في الجامعات أكبر من عدد الشبان. لكن، والوضع على حاله، غنيّ عن البيان أنّ نسبةً لا بأس بها من النساء، متعلّمات كنّ أم غير متعلّمات، تفتقر الى القدرة على التحكّم بمقدراتهنّ المالية، كما ظهر لنا في دراسة قامت بها جمعية المصارف بالتعاون مع تجمّع الباحثات اللبنانيات حول تعامل النساء مع المصارف في لبنان. وقد يعود ذلك إلى الثقافة المتوارثة كالاتكالية على الرجل، من جهة، وإلى مستوى التعليم واستيعاب الحسابات المالية، من جهة أخرى. وهنا يكمن دور التربية والتعليم.
أما بالنسبة الى المؤسسات المالية ومن بينها المصارف، فأنا متأكّد من أننا تخطّينا مرحلة التنبيه إلى أهمية اندماج أكبر عدد ممكن من الشرائح الاجتماعية في القطاع المالي. فقد أنشأت بعض المصارف منذ زمن ليس بقصير وحدات متخصّصة للاهتمام بتمويل المؤسّسات المتناهية الصغر وكذلك طبعاً المؤسسات الصغيرة ، وأُنشئت شركة "كفالات" منذ عام 1999 بغرض مساعدة المؤسّسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في لبنان للحصول على تمويل مصرفي، وهي تساند أصحاب الأفكار المبدِعة على إمكانية الحصول على رساميل وقروض دون ضمانات مادية.
وبهدف دفع عجلة النمو المستدام، طرح المصرف المركزي في السوق اللبنانية في السنوات الـ 4 الأخيرة سلة تحفيز اقتصادي بلغت قيمتها 5 مليارات دولار ، تخدم قطاعات حيوية كالتنمية والابتكار وريادة الاعمال والتعليم والتسليف الاجتماعي ومشاريع الطاقة والبيئة، واقتصاد المعرفة، وكلها أهداف يسعى حاكم البنك المركزي الى تحقيقها بالتعاون مع المصارف لخلق المزيد من القيمة، والمساهمة في الاستقرار، في وقت تعاني فيه الدولة اللبنانية من صعوبات سياسية حالت منذ عدة سنوات دون إصدار موازنة عامة، وتحقيق إدارة فاعلة ورشيدة للاقتصاد.
كما أنه، تماشياً مع الممارسات العالمية الفضلى International Best Practices وتجنّباً لمخاطر الوقوع في إشكاليّات مع العملاء، وضع مصرف لبنان في أيار 2010 التعميم رقم 124 حول الشفافية في شروط التسليف، ثم أتبعه في شباط من العام الجاري بالتعميم رقم 134 الذي يفرض فيه على المصارف أصول إجراء العمليات مع الزبائن، ومنها تثقيف هؤلاء وتزويدهم المعلومات الدقيقة والوافية حول شروط المنتجات أو الخدمات ومنافعها والمخاطر المتأتّية عنها. ولكن، لا بدّ من توافر المبادئ الأولية لدى العميل لفهم واستيعاب هذه المعلومات. وإيماناً منّا في جمعية المصارف بوجوب حماية العملاء، حرصاً على مصلحتهم، من جهة، وعلى مصلحة مصارفنا عبر تجنيبها الوقوع في إشكاليات مع زبائنها، لا سيّما مع التعقيدات المتزايدة في المنتجات المالية، من جهة أخرى، فلقد أصدرنا أوائل الشهر الجاري، بمساعدة مؤسّسة ديلويتDeloitte العالمية، دليلاً إرشادياً لسياسات وإجراءات المصارف حول "أخلاقيات العمل المصرفي وحماية الزبائن".
السيدات والسادة،
بالعودة إلى مؤتمر اليوم وقبل ظهر الغد، أتمنّى أن يحقّق المؤتمر الأهداف المرسومة لتنظيمه وأن نخرج غداً بفهم واضح لما يصلح التأسيس له في مجال التثقيف المالي في لبنان، أيّ بخطة للأعمال التي تستأهل القيام بها ودعمها بالوسائل المتاحة للجهات المعنيّة كافة، وهي ما أسميناه الاستراتيجية الوطنية لتعزيز القدرات المالية.
نحن على ثقة تامة بنجاح المؤتمر وتوصّله إلى الأهداف المرجوّة. فلقد خضنا تجارب متعدّدة مع المعهد المالي التابع لوزارة المالية، منذ أن وقّعتُ، باسم جمعية المصارف في لبنان ومركز الدراسات المصرفية مذكّرة التعاون عام 2005. كما أن تجربتنا مع وزارة المالية طويلة جداً، وقد توطّدت لما فيه خير البلد، منذ استفحال الدين العام. أما مع وزارة التربية والتعليم العالي، فكانت لجمعية المصارف تجربة رائدة في إنشاء المعهد العالي للدراسات المصرفية بالتعاون مع جامعة القديس يوسف وتجربة أخرى ناجحة عبر المعهد المالي، هذه المرّة، ضمن برنامج تعزيز معارف أساتذة الاقتصاد، لا سيّما المالية منها. أما بالنسبة الى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، فنحن نعود دائماً في عملنا إلى التعليمات التي تضعها هذه المنظمة على الصعيد العالمي، وإلى إرشاداتها، لا سيّما في ما يخصّ الحوكمة، والشفافية، وأخلاقيات العمل، والمسؤولية الاجتماعية للمؤسّسات الخاصة والحفاظ على البيئة. وسوف نستعين في المستقبل القريب بالمعايير التي وضعتها هذه المنظمة حول تبادل المعلومات المالية بين البلدان عند إقرار قوانين بهذا الشأن في لبنان.
وشكرا لحسن اصغائكم.