كلمة رئيس جمعية مصارف لبنان
الدكتور جوزف طربيه
في اللقاء الدوري
مع الإعلام الإقتصادي
الصيفي – بيروت
في 18 شباط 2016
زملائي المصرفيّين،
أيّها الإعلاميّون الكرام،
يسرّني أن أستضيفكم اليوم في رحاب جمعيّة مصارف لبنان شاكراً لكم تلبية دعوتنا الى هذا اللقاء الدوري مع الصحافة الإقتصادية والذي يشكّل مناسبة نستعرض فيها مع هذه النخبة من الإعلاميّين المختصّين تطور أهم المؤشّرات المالية والإقتصادية، وموقف الجمعيّة من أبرز القضايا والشؤون الوطنية والإقتصادية والمهنية المطروحة في البلاد.
معلوم أن لبنان يمرّ حالياً في فترة سياسية حرجة تنعكس على عمل المؤسّسات الدستورية مع فراغ متمادٍ في الرئاسة الأولى. ونَحمَدُ اللهَ أن الجيش والقوى الأمنية تؤدّي مهامها بما يحفظ الأمن على الحدود وفي الداخل، وأن الحدّ الأدنى من التفاهم ومن لقاءات الحوار بين مكوِّنات النسيج المجتمعي اللبناني يحصّنان البلاد والعباد من الانفلات والفوضى التي تضرِبُ معظم الدول في جوارنا، وأن حكمة المصرف المركزي تصون الإستقرار النقدي بشكل راسخ ومستدام.
أما الاقتصاد، فيُسَجِّلُ معدّل نمو ضعيف يقارب 1% في العام 2015، أما الايجابيات فتتمثل في تراجع طفيف في أسعار السلع والخدمات، واستقرار في مستوى الاجور وفي معدّلات الصرف والفوائد.
وتترافق الأوضاع الموصوفة أعلاه مع اختلالات متكرّرة في المدفوعات الخارجية حيث سجل ميزان المدفوعات في العام 2015 عجزاً بلغ 3,4 مليارات دولار أميركي على الرغم من تراجع العجز في الميزان التجاري بما يقارب المليارَيْ دولار، ما يعني أن ثمّة تراجعاً ملحوظاً في التدفقات المالية الوافدة، وبخاصة في حجم الإستثمارات الأجنبية المباشرة.
وبالرغم من المعطيات المتمثلة بالنمو الاقتصادي وعجز المدفوعات الخارجية فقد سجَّل قطاعنا المصرفي نمواً في الودائع قدره 5% عام 2015 ويعني هذا المعدَّل ازدياداً في حجم الودائع بما مقداره 7,3 مليارات دولار عام 2015 وهو أكثر من كافي لتغطية الاحتياجات التمويلية للإقتصاد الوطني بقطاعَيْه العام والخاص، والتي لم تتعدَ في مجملها بما يقارب 3.1 مليارات دولار خلال العام 2015.
أما رساميلنا وأموالنا الخاصة، فقد قاربت مستوىً تاريخياً بلغ 16,7 مليار دولار إذ تمَّت إضافة 937 مليون دولار عام 2015، وتكتسب هذه الأموال الخاصة أهمية كبرى لجهة تعزيز ثقة المودع المحلّي والأجنبي بالقطاع المصرفي اللبناني. إن هذه الإضافة إلى موارد المصارف تتّصف بكونها موارد طويلة الأجل يمكن استعمالها في عمليات الإقراض المتوسط والطويل، كما أنها تقوّي المراكز المالية للمصارف بحيث من المقدّر أن يكون معدل الملاءة في القطاع قد فاق الـ 14% حسب معايير بازل 3 في نهاية العام 2015.
من جهة أخرى، فإن إجمالي قروضنا للقطاع الخاص، المقيم وغير المقيم، من دون احتساب قروض مصارف الأعمال والاستثمار، قاربت 54,2 مليار دولار في نهاية العام 2015، أي بزيادة قدرها 3.3 مليارات دولار ونسبتُها 6.5% مقارنةً مع نهاية العام 2014. ومع تراجع الاستثمارات الخاصة المحلية الوافدة ، يصبح التسليف المصرفي السبب الأول والأهم للنمو الاقتصادي في لبنان، ولو بنسبة ضئيلة (1%). ولولا هذا النشاط التسليفي لكان الناتج المحلي الإجمالي للبلد قد سجَّل معدّل نمو سلبي بحدود 1.5%!..
وعلى سبيل الذكر، زادت القروض الشخصيّة الممنوحة من المصارف في الأشهر العشرة الأولى من العام 2015 بنسبة 7,5% ، وهي تشمل بخاصة القروض التعليمية (+10,6%) والقروض السكنية (+3‚8%). وقد أمّن القطاع المصرفي من خلال مختلف آليات الإقراض السكني مسكناً لحوالى 112 ألف أُسرة لبنانية في مختلف المناطق، ما رفع حجم محفظة القروض السكنية الى نحو 10,7 مليارات دولار في نهاية تشرين الأول العام 2015. وهي بمعظمها لصالح ذوي الدخل المحدود وبفوائد متدنّية ومدعومة، علماً أننا أضفنا الى هذه المحفظة خلال العام المنصرم وحده حوالى 7 آلاف قرض سكني جديد، كدليل إضافي على أن الإستقرار الإجتماعي هو من أولويّات المصارف اللبنانية.
وتُظهر الإحصاءات أن إجمالي التسليفات المدعومة الفوائد ، الموافَق عليها في فترة 1997- نهاية حزيران 2015 وصل الى 9694 مليار ليرة (ما يعادل 6,4 مليارات دولار). وقد شكّلت حصة الصناعة من إجمالي هذه التسليفات 59% مقابل 30% للسياحة و11% للزراعة.
في السياق ذاته، بلغ مجموع القروض الممنوحة للمؤسّسات الصغيرة والمتوسطة، بضمانة شركة "كفالات" ، ما يوازي 93 مليون دولار في العام 2015 مقابل 110 ملايين دولار في العام 2014 ، استفادت منها 677 مؤسسة مقابل 838 في العام 2014.
ولم تترافق زيادة التسليفات المصرفية مع أي تدهور في نوعية محفظة الإقراض للقطاع الخاص، إذ بقيت نسبة الديون الصافية غير العاملة (NNPL’S) إلى إجمالي المحفظة في مستوى متدنٍّ وبحدود 3 %، علماً أن نسبة المؤونات إلى الديون المشكوك بتحصيلها تحديداً تخطَّت 70%.
ولا يكون عرضنا لنشاط المصارف وأدائها مكتملاً دون التوقف عند نتائج العام 2015 الأوّلية، باعتبار أنها ما زالت غير مدقّقة. فالنتائج الأولية تُظهِر أن معدّل الربحيّة على الأموال الخاصة فاق 9% فيما بقيَ بحدود 1 % على متوسط الموجودات. وتُعتَبر هذه المعدّلات جيّدة بالمقاييس العالمية والإقليمية وآخذين بالاعتبار على الظروف المحيطة بعمل المصارف.
أخيراً، على صعيد تمويل القطاع العام، لا بدّ من التذكير بأن العام 2015 شهد إصدارين (في شباط وتشرين الثاني) لسندات يوروبوند بقيمة إجمالية قدرها 3,8 مليار دولار أميركي، لآجال تراوح بين 10 و20 سنة ، وقد اكتتبت المصارف بجزء كبير منها، حرصاً منها على تلبية حاجة الدولة إلى التمويل بالعملات الأجنبية لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها ومن تغطية نفقاتها بالعملات الأجنبية في ظلّ استمرار العجز في المدفوعات الخارجية. وباتت المصارف تحمل في ميزانياتها 70% من محفظة سندات اليوروبوندز ونسبة تقارب 54% من مجمل مديونية الدولة العامة بالليرة والعملات.
أيّها السيّدات والسادة،
يشكّل القطاع المصرفي الركيزة الأساسيّة للاستقرار الإقتصادي والمالي والإجتماعي في البلاد، وهو أيضاً دعامة دائمة للاستقرار الأمني الذي يضمنه ويظلّله الجيش اللبناني وسائر المؤسّسات العسكرية والأمنية الشرعية.
فالقطاع المصرفي اللبناني، المؤلّف من 69 مصرفاً في نهاية العام 2015 يساهم بحوالى 6% في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، وهو يستخدم حوالى 24 ألف موظف، بينهم 46% من الإناث و75% من حمَلة الشهادات الجامعية. كما أنه يقدّم لموظفيه ، من خلال عقد العمل الجماعي، شروط عمل لائقة تُعدّ من الأفضل في البلاد.
على صعيد آخر، تساهم المصارف بموجب البروتوكول الموقّع بينها وبين وزارة المالية في تسهيل جباية الرسوم والضرائب المستحقّة على المكلّفين لصالح الوزارة، ما يساعد على دخول الأموال المتوجّبة بسرعة وفعالية إلى حسابات الخزينة.كما يساعد هذا الأمر المكلّف في تسهيل إجراءاته مع الوزارة وتوفير جزء من الوقت والمعاناة.
أخيراً، يهمّنا التوقّف تكراراً في هذا المؤتمر الصحافي الأول لهذا العام عند الإنجاز التشريعي الذي تحقّق بتاريخ 24 تشرين الثاني الماضي والمتمثّل بإقرار مشاريع القوانين المالية الأربعة حول : تبادل المعلومات الضريبية، وتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال، ومشروع التصريح عن نقل الأموال عبر الحدود، واتفاقية الأمم المتحدة المتعلّقة بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب. فهذه النصوص التشريعية الجديدة تُوفّــر للمصارف إطاراً قانونياً صلباً لمكافحة الجرائم المالية ولتعاون لبنان مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، ويوجّه رسالة قوية حول جدّية التزام الدولة اللبنانية والقطاع المصرفي على هذا الصعيد.كما أنها تعزّز تعامل القطاع المصرفي اللبناني مع الأسواق العالمية والمصارف المراسلة، بحيث تستمرّ مصارفنا بكفايتها المعهودة في تأدية دورها الناشط والحيوي في خدمة الإقتصاد الوطني وفي صون سمعة لبنان المالية عربياً ودولياً. وهنا ، يهمّ الجمعية أن تجدّد التنويه بالجهود التي بذلها مصرف لبنان، وبخاصة سعادة الحاكم، على صعيد التواصل الحثيث مع السلطات الرسمية والقيادات المعنيّة لتبيان أهمية وضرورة إقرار القوانين المذكورة، وتكرّر الشكر الى رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء ومعالي وزير المالية كما الى مختلف القيادات السياسية والكتل النيابية التي تفهّمت واقع الأمور وتجاوبت مع مساعي الجمعية والسلطات النقدية في هذا الصدد.
أيّها الإعلاميّون الكرام،
تثبت هذه المعطيات أن القطاع المصرفي اللبناني استطاع أن يبرهن مرةً أخرى عن مناعة راسخة في وجه التحدّيات الداخلية والخارجية، وعن قدرة واضحة وأكيدة على التكيّف مع أصعب الظروف السياسية
والأمنية والإقتصادية وأكثرها تعقيداً. فالنتائج التي حقّقها قطاعنا إيجابية وجيّدة في ظلّ الأحداث التي شهدتها البلاد، من اضطرابات أمنية متنقّلة ومن فراغ في سدّة الرئاسة الأولى وتعثّر كبير في عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية. يُضاف الى ذلك تلبّد الأجواء الإقليمية المنعكسة سلباً على مختلف مجالات الإستثمار في لبنان، بما فيه الإستثمار المالي. مصارفنا قوية بقاعدة مودعيها الصلبة! وهي قوية بنوعية محافظ إقراضها وقوية بقاعدة رساميلها العريضة وأخيراً قوية بشبكة انتشارها الداخلية والخارجية، وكفاءة مواردها البشرية.
شكراً لحضوركـم...
RELATED PHOTO ALBUM: