كلمــــة
الدكتــور جـوزف طربيــه
رئيــس الإتحـاد الدولي للمصرفييـن العــرب
رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية
في
حفل افتتاح
الملتقى السنوي لرؤساء إدارات الصيرفة بالتجزئة في المصارف العربية
4 فبراير/شباط 2016
فندق الكورال بيتش - بيروت
معالي وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور آلان حكيم
أيها الحضور الكريم،
يسرّني أن أفتتح اليوم فعاليات " الملتقى السنوي لرؤساء إدارات الصيرفة بالتجزئة في المصارف العربية " في دورته الأولى في عاصمة العواصم العربية بيروت، وبرعاية كريمة من معالي الدكتور آلان حكيم وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني، الذي أصر على مشاركتنا هذا الملتقى بالنظر الى الأهمية التي يعلّقها على نتائجه المرجوة . وما لقاؤنا اليوم كمصرفيين عرب ولبنانيين الا دليل واضح على الاهمية التي نوليها لهذا الموضوع نظراً للتطور الهائل الذي شهده قطاع الصيرفة بالتجزئة في السنوات العشر الأخيرة لجهة تنوع القروض وتعدد غاياتها وأهدافها.
أيها السيدات والسادة،
يحظى موضوع ملتقانا اليوم باهتمام المسؤولين في الصناعة المصرفية ليس على المستوى العربي فحسب إنما أيضاً على مستوى العالم، حيث تشير دراسات البنك الدولي الى ان نحو 38% من البالغين في العالم أي ما يقارب الملياري نسمة لا يزالون خارج الانظمة المصرفية، وغالبيتهم موجودين في دول جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، التي يعتبر بعضها الأقل شمولاً مالياً في العالم. وهناك نحو 75% من الفقراء لا يتعاملون مع المصارف بسبب ارتفاع التكاليف وبعد المسافات والمتطلبات المرهقة في غالب الأحيان لفتح حساب مالي.
والوضع في بعض الدول العربية أكثر تعقيداً ، إذ هي تعاني من مشاكل أليمة تضرب جذورَها في البطالة والفقر، وعدم الاستقرار واستبعاد شرائح كبيرة من السكان وخاصة الطبقة الشابة والنشيطة اقتصادياً عن الخدمات المالية، ما أدّى إلى انتشار ظاهرة الارهاب ونمو التطرف، والنقمة على المجتمع، وهذا ما يستدعي الى التأمل والتفكّر في كيفية معالجة هذه المشكلة.
أما دورنا كمصرفيين عرب، فهو لا يقتصر على معاينة هذه الظاهرة والأسف أمام تداعياتها، بل معالجة جذورها أي محاربة التهميش المالي الذي يحول دون الأمل والحياة الانسانية الكريمة، وادخال فئات متعاظمة من مجتمعاتنا – وخاصة في المناطق البعيدة عن المدن - ضمن الشرائح المنتجة، مما يفتح أمامها باب النمو والحياة والتطور.
ومن هنا الدور المهم لقروض التجزئة الذي يمكّن الأفراد من تحقيق ما يرغبون من أفكار أو مشاريع، ما يجنّبهم الهجرة من مدنهم وقراهم وبلدانهم، أو اللجوء الى مصادر خطيرة للتمويل وتورّطهم في جرائم وآفات اجتماعية لا تحمد عقباها. إضافة الى ان وجود المصارف في الأطراف يساعد حركة المصانع والمؤسسات، وخلق فرص عمل وترسيخ السكان في أرضهم.
أيّها الحضور الكريم،
بحكم ان المصارف والمؤسسات المالية تملك أو تدير الثروة، فقد باتت تغطّي غياب تقديمات القطاع العام في بعض من دولنا العربية. وهكذا فإن المنتجات المصرفية بالتجزئة تساعد ذوي الدخل الضئيل على مواجهة مستلزمات الحياة اليومية والتعاطي بصورة افضل مع حالات المداخيل غير المنتظمة، والمستحقات الموسمية الكبيرة، وتوفر للمؤسسات الصغيرة الاموال التي تحتاجها لتطوير وتوسيع نشاطاتها. وفي حين أن نسبة 18% فقط من السكان في المنطقة العربية يملكون حساباً مع مؤسسة مالية، و8% من اجمالي قروض البنوك العربية تذهب الى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تبقى فرص نشر المنتجات المصرفية بالتجزئة كبيرة وواعدة جداً.
ومما لا شك فيه ان الصيرفة بالتجزئة التي تطال شرائح واسعة من الناس تساهم في تعزيز الشمول المالي Financial Inclusion، وهذا بدوره يساهم من جهة في تعزيز نمو المصارف وانتشارها على المستوى الافقي، ومن جهة ثانية يساهم في نشر الثقافة المصرفية والتوعية المالية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وزيادة النمو في الاقتصاد المحلي.
ولما كان يُعقد هذا المنتدى على أرض لبنان، كان لا بد في هذا السياق، أن نتوقف عند الجهود الكبيرة التي يقودها مصرف لبنان مع المصارف التجارية والذي يستمر في سياسة "الحوافز المالية" لتحفيز النمو واصدار قرارات متكاملة لرزمات تحفيزية للتسليف بلغت لغاية اليوم ما يفوق الخمس مليارات دولار، عن طريق تقديم برامج تسليف تدعم الاقتصاد الوطني، بحيث تستفيد من تمويل المصارف شرائح كثيرة وفئات اجتماعية مختلفة من سكان القرى والأطراف، ويشمل ذلك بصورة خاصة التمويل المتناهي الصغر Micro Finance)) والتمويل المغطّى من مؤسسة كفالات للمؤسسات الحرفية وقطاعات الزراعة والسياحة إضافة الى تمويل اقتصاد المعرفة ومشاريع الطاقة المتجددة وتمويل التعليم وغيرها، بما يساعد على تحقيق التنمية المستدامة وتالياً تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على صعيد السكان والمناطق. وقد أفضت هذه المشاريع الى نتائج مهمة، مثل زيادة حجم المقترضين، وتأمين النمو في ظروف صعبة للبنان والمنطقة. حيث تجاوز عدد المقترضين في لبنان اليوم عتبة الـ 800 ألف مقترض مقارنة بـ 60 ألفاً في العام 1993.
وفي السياق نفسه، تشير الإحصاءات المصرفية وفق الميزانية المجمعة للمصارف اللبنانية الى ان القروض الفردية شكلت نسبة 30.7% من مجموع القروض الممنوحة الى القطاع المالي اللبناني في نهاية النصف الأول من العام 2015 ، وشكلت قروض الاسكان النسبة الأعلى من القروض الفردية بـ 61% تلتها الاستهلاكية بـ 27% والسيارات بـ 8%، وبطاقات الائتمان بـ 3% و1% للقروض الطلابية.
وقد نمت القروض الفردية بنسبة 3.25% منذ بداية العام 2015 وبلغت 17.11 مليار دولار أميركي. ويعود سبب هذا النمو إلى زيادة الـ 5.29% في قيمة القروض السكنية التي بلغت 10.4 مليارات دولار أميركي، وزيادة الـ 3.62% في قيمة القروض الاستهلاكية التي بلغت 4.6 مليارات دولار أميركي.
أيّها الحضور الكريم،
إن ما يجب على المعنيين في مصارفنا العربية الانتباه إليه، هو العمل على تعزيز نصيب الصيرفة بالتجزئة من محفظة التسليف وتوسيع شريحة المستفيدين من هذا النوع من التسهيلات الائتمانية، ومواكبة تطورات التكنولوجيا المتسارعة من صيرفة الكترونية وتطبيقات الهواتف الذكية وغيرها بهدف تسخيرها للوصول السريع الى المستهلكين بأقل كلفة ممكنة وأسرع وسيلة وأعلى درجات الأمان لخدمتهم وتحقيق تطلعاتهم ومشاريعهم. من هنا أهمية انعقاد هذا الملتقى الذي نتمنى له النجاح في تحقيق الأهداف المرجوة منه.
وشكراً لإصغائكم،،