كلمة الدكتور جوزف طربيه
رئيس مجلس ادراة جمعية مصارف لبنان
رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس مجلس الإدارة - المدير العام لمجموعة الإعتماد اللبناني
في مؤتمر فيرست بروتوكول
تحت عنوان
Partnership Between
Financing and Investment
PPP Days
21-22 أيار / مايو 2013
فندق فينيسيا – بيروت
السيدات والسادة،
أيها الحضور الكريم،
يسعدني أن أرحّب بكم اليوم في هذا المنتدى الذي تنظمه شركة فيرست بروتوكول للبحث في مواضيع "الشراكة بين القطاعين العام والخاص" وتسليط الضوء على كلّ ما يتعلّق بمفهوم الشراكة وآلياتها وامكانيات تطبيقها في لبنان. وانه ولو كنا نعيش في اجواء غير مشجعة للعمل الاقتصادي بفعل الإضطرابات الإقليميّة مع ما يخلفه من قلق وعدم يقين، لا يغيب عن بالنا أن الأوضاع الإقتصادية تدفع بنا للتفكير بجدية، كمصرفيين وإقتصاديين الى جانب السياسيين وأصحاب القرار، في وجوب إعادة تقويم مناهجنا الإقتصادية لادارة المرحلة الحالية في ظل تراجع معدلات النمو الإقتصادي، وتصاعد المديونية العامة وتراجع مستوى الخدمات الحكومية وتدهور البنية التحتية، وعدم توفر التمويل المناسب لتحديثها وتوسيعها.
في هذا السياق، برز في لبنان جدل حول طريقة معالجة هذه الأمور مجتمعة، فرفع أولاً شعار الخصخصة لبعض القطاعات كحل لإيفاء جزء من المديونية العامة وكذلك لتحديث هذه القطاعات وتطويرها، علماً إن القطاع العام في لبنان ليس واسعاً ولا تتوفر فيه فرص كثيرة للخصخصة إذ نأت الدولة بنفسها منذ الإستقلال عن موجات التأميم التي انهكت بعض الدول العربية، وتميز لبنان بالمحافظة على الحريات الإقتصادية وإحترام حقوق الملكية للشركات والأفراد، مما أبقى حجم القطاع العام الإقتصادي محدوداً.
في هذا السياق وكمرحلة أولى، كان مجلس النوّاب اللّبناني قد أقرّ في العام 2000، قانون إنشاء المجلس الأعلى للخصخصة، ثم صدّق في العام 2002 على القانونين المتعلّقين بخصخصة قطاعي الكهرباء والإتّصالات. وقد حظي هذا الطرح بدعمٍ من الجهات المانحة التي ربطت صرف بعض الهبات والقروض التي تمّ التعهّد بها خلال مؤتمري باريس 1وباريس 2 بتنفيذ بعض الخطوات المتعلّقة بخصخصة بعض القطاعات. إلاّ إنّ قطار الخصخصة اصطدم بمجموعة من العراقيل السياسية، وبالمقابل حظي موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص بقبول أكبر من مختلف الفئات في لبنان، خاصة وإنه يقوم على الجمع بين دور الدولة ودور القطاع الخاص، وعلى حشد الطاقات والموارد والخبرات لدى كل من القطاعين في إنشاء وتشغيل المشاريع بمختلف أنواعها . ويبدو مقبولاً مفهوم "الشراكة بين القطاعين العام والخاص" كحل لإعادة هيكلة وتفعيل القطاع العام لزيادة إنتاجيّته، وتحسين نوعيّة الخدمات المسداة للمواطن بأسعار تنافسيّة من جهة، مع الإحتفاظ في الوقت نفسه بملكيّة القطاع العامّ لمؤسّساته. ويمكن للشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ أن تتّخذ أشكالاً عدّة، من عقود الخدمات العاديّة إلى عقود الشراء والبناء والتشغيل (BBO)، وذلك إستناداً إلى مدى مشاركة القطاع الخاصّ في المشروع ومخاطره. علماً أنه للبنان تجارب سابقة في إطار الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ، منها عقود التشغيل مع شركتي الخليوي ألفا و(أم تي سي) والشركة المسؤولة عن الخدمات البريديّة ليبان بوست وشركات أخرى.
إن مقاربة موضوع الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ تتطلب تحديد الخيارات بواقعية، تترجم الاحتياجات الوطنية التي تبدأ من أولوية تحديد القطاعات الإقتصادية التي ستستفيد من الشراكة، وإيجاد الشريك والتمويل المناسبين، وتأمين الهيئة الناظمة للإشراف على المشروع.
كما تتطلب الشراكة في الأساس موقفاً سياسياً مبدئياً، هو مدى قبول القطاع العام في الحد من سيطرته على نشاط معين.
ايها الحضور الكرام
وفقاً لدراسة أعدها البنك الدولي، فأن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا تحتاج الى إنفاق 106 مليارات دولار سنوياً على البنية التحتية لغاية سنة 2020، أي ما يوازي 7 في المئة من اجمالي الناتج المحلي للمنطقة . هذا يعني عمليا انه على لبنان تخصيص ما لا يقل عن 3 مليارات دولار سنويا ، وربما يكون بحاجة الى انفاق أعلى بسبب ترهل البنى التحتية ألأساسية والتغييب المتواصل للأنفاق الاستثماري، اذا نحن نتحدث عن ضرورة ضخ نحو 20 مليار دولار خلال السنوات السبع المقبلة بالتوازي مع عجز الموازنة العامة بما لا يقل عن 30 في المئة سنويا .
بالنسبة للقطاع المصرفي، وهو في لبنان الممول الأساسي للقطاعين العام والخاص، فهو ينظر بإيجابية كبرى إلى نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص ويرى إن إعتماده في تنفيذ وإدارة بعض النشاطات العامة ذات الطابع الاستثماري سيؤثر إيجابياً في الإقتصاد اللبناني. وإن الحياة الإقتصادية لا غنى لها عن تضافر جهود القطاعين العام والخاص، كل في مجال اختصاصه، وإن التعايش بينهما ضروري والخيار بينهما يجب عن يقوم على أساس الجدوى الإقتصادية والتكامل وليس على اساس التجاذبات السياسية والتنافر.
كما أننا نرى التمويل عن طريق الشراكة سيشكل بديلاً عن تصاعد الدين العام الذي ينتج عن إضطرار الدولة الى تمويل نفقات البنية التحتية ومصالح الإستثمار الخاسرة. إن المصارف اللبنانية تسعى للإستثمار في مشاريع ذات جدوى إقتصادية من شأنها تحسين مستويات نمو الناتج الوطني. لكن المعضلة التي قد تواجه مشاريعٍ مماثلة تكمن في إمكانيّة كلّ مشروع من تأمين تدفّقات نقديّة كافية لتسديد القرض ضمن الشروط والمعايير والمهل المحدّدة، إضافة إلى بعض الصعوبات لدى المصارف في ادارة الموجودات والمطلوبات (Asset/Liability Mismatch) الناجم عن منح المصارف لخطوط إئتمانيّة طويلة الأمد، مقابل طبيعة الودائع القصيرة الأمد إجمالاً. وفي هذا الاطار، يمكن أن تلعب مصارف الأعمال دوراً كبيراً في تقييم المشاريع ووضع دفاتر الشروط وتسويقها وإيجاد الشريك المستثمر المناسب من القطاع الخاص.
في وضع لبنان الاقتصادي الراهن، يمكن أن تشكل آليّة مشاركة القطاع الخاصّ في إدارة وتشغيل مرافق القطاع العامّ في لبنان حلاًّ لمعالجة معضلة تردّي مستوى البنية التحتيّّة، ووضع البلاد على السكّة الصحيحة لمعالجة جزء من الحلقة المفرغة من عجز متكرّر في الماليّة العامّة وتنامي الدين العام. ويبقى من الضروري وضع الأطر التشريعيّة الملائمة لمشاريع الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ، بالإضافة إلى تأمين جوّ من الإستقرار السياسي والأمني والإقتصادي الذي يبقى المطلب والشرط الأساس للاستثمار والازدهار.
أخيراً، تبقى المطالبة الملحة للحكومة في تطبيق خطوات إصلاحية على صعيد المالية العامة والادارة الحكومية، وتنفيذ توصيات صندوق النقد الدولي لجهة تطبيق خطط الإصلاح، وتطوير البنى التحتيّة، وتحسين بيئة الأعمال، اضافة الى إعتماد الإجراءات اللازمة لحماية البلاد من تداعيات الأزمة على الإقتصاد اللبناني، وبالتحديد لجهة الحفاظ على "الإنضباط المالي"، وضرورة إستمراريّة الحكومة بتخفيض نسبة الدين العامّ من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المقبلة. هذا طبعاً، اضافة الى الحاجة الى تحسين فعاليّة قطاع الكهرباء وغيره من القطاعات الحيوية، حتى نستعيد معدلات النمو المشجعة التي سبقت الأزمة في سورية ونطمئن المستثمرين الأجانب والعرب لتشجيعهم على الاستثمار في مستقبل بلدنا.
اننا نرى في الشراكة بين التمويل والاستثمار، إحدى الوسائل الناجعة التي من شأنها أن تساعدنا في مسعانا لتحفيز اقتصادنا.
أتمنى لهذا المنتدى أن يحقق الأهداف المرجوة منه وأن يشكِّل منصة للتباحث بالمشكلات المستجدة ومحاولة ايجاد الحلول المناسبة لها.