كلمة الدكتور جوزف طربيه
رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية
رئيس مجلس الإدارة - المدير العام لمجموعة الإعتماد اللبناني
في المؤتمر المصرفي العربي السنوي للعام 2013
واحتفالات مرور 40 عاماً على تأسيس اتحاد المصارف العربية
تحت عنوان
"التداعيات الاقتصادية للتحولات العربية،
الاصلاحات ودور المصارف"
تشرين الثاني / نوفمبر 2013
فندق فينيسيا - بيروت
- فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان،
ممثلاً بمعالي الوزير نقولا نحاس،
- سعادة حاكم مصرف لبنان،
- أصحاب الدولة والمعالي والسعادة،
- محافظو البنوك المركزية العربية،
- الأخوة زملائي المصرفيين،
- أيها الحضور الكريم،
أتوجه أولاً بالشكر لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان على رعايته مؤتمرنا هذا. وأرحب بالحاضرين في هذا المؤتمر، من المصرفيين وصناع القرار السياسي والاقتصادي، والاعلاميين، من الدول العربية الشقيقة والدول الصديقة، وكذلك ممثلي الهيئات الإقتصادية والمالية الإقليمية والدولية. كما أشكر المؤسسات المصرفية والمالية الراعية لفعاليات هذا المؤتمر، ولكل من ساهم في نجاح إنعقاده.
السيدات والسادة،،،
ينعقد مؤتمرنا اليوم تحت عنوان " التداعيات الاقتصادية للتحولات العربية، الاصلاحات ودور المصارف" تزامناً مع احتفالات مرور 40 عاماً على تأسيس اتحاد المصارف العربية الذي تتشرف بيروت باحتضان مقره العام، وهي تحمل معه، أمام الصراع الحاصل في منطقتنا، هموم العالم العربي وقضاياه، في وقت يتراجع فيه الشأن الاقتصادي أمام التحولات العربية المذهلة وسط تداخلات وتبدلات جوهرية في تمركز القوى الاقليمية والدولية، وحيث تجدنا نقف بأسف امام حروب الهوية وانتشارها كالنار في الهشيم في أوطاننا واقتصاداتنا، حيث يحرق لهبها بلدان كسوريا وليبيا واليمن والعراق، وتتسرب آثارها الى بلدان اخرى، خالقة النفور بين مكوناتها الاجتماعية، ومسببة التدمير في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والتراثي فيها، وفاتحة ابواب التدخل الأجنبي على مصراعيه، ومشاريع الاستئثار والهيمنة، وتأخير الحلول من المرجعيات الدولية، والتباطؤ في اقرار الحلول، كأن السّياسة العالمية ترتاح حالياً الى شرق أوسط يتخبط في الصراعات المحلية.
وهكذا، فقد أدّت التحولات الجارية في بلدان الاضطرابات الى تفاقم حجم التحديات الاقتصادية والتنموية التي كانت سائدة فيها قبل الاحداث، مؤدية إلى تراجع كبير في النمو الإقتصادي، ونمو المصارف وزيادة العجز في الموازنات الحكومية، وزيادة الدين العام، وكذلك زيادة معدلات البطالة وخاصة بين الشباب، والتي كانت أصلاً من أعلى معدلات البطالة في العالم، اضف الى ذلك الارتفاع في معدلات الفقر والتراجع في مستوى المعيشة والتعليم. هذا عدا عن دفع رؤوس الاموال العربية إلى مزيد من الهجرة، وترسيخ البيئة الطاردة للاستثمار في الوطن العربي.
الكلفة الاقتصادية إذاً لما يحصل من اضطرابات وحروب وقتال، كبيرة جداً، حيث شهدت الاستثمارات الوافدة الى الدول العربية التي تشهد اضطرابات تراجعاً حاداً في السنوات الأخيرة، مما يضعنا جميعاً أمام تحديات مصيرية تتناول وجوب الضغط لإنهاء النزاعات القائمة وإعادة البناء السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي والانساني.
وفي هذا الصدد، تبرز أمام مصارفنا العربية الفرصة في صياغة دور جديد لها، يكون على فاعلية أكبر في استقطاب الموارد المالية وادارتها وتوظيفها في الاقتصادات العربية، مع الاشارة الى أن انتهاء الأحداث والوصول الى تسويات سياسية عادلة، سيخلق فرصاً استثمارية هائلة توفرها مشاريع اعادة الاعمار، ويمكن أن تلعب فيها رؤوس الأموال العربية الدور البارز من خلال تحقيق التعاون والتكامل المصرفي العربي، عن طريق الآليات المعروفة لعقد الشراكات الاستراتيجية بين المصارف وخلق التجمعات العملاقة، وتشجيع الاستثمار العابر للحدود بين الدول العربية، بما يساعد على تحفيز النمو وايجاد فرص عمل جديدة تستوعب موجات البطالة الكبرى الناتجة عن تدمير المؤسسات والتهجير والنزوح السكاني.
أيها السيدات والسادة،
أمام هذا المشهد الذي يهدد استقرار دولنا، ولو بدرجات متفاوتة، العبرة هي في ما يمكن ان تفعله كل دولة من دولنا منفردةً، وما يمكن ان نفعله مجتمعين لمواجهة الارتدادات المدمرة للأزمة، في وقت لم تعد الحدود الجغرافية والسياسية حامية للدول أو حافظة لاستقرارها نتيجة سهولة انتقال عدوى الاضرابات وشيوع احاديث الفتنة ومناخاتها.
إننا نعتقد أن آفاق التعاون الاقتصادي واسعة، بل هي ضرورية بعد انتهاء الاحداث وعودة الاستقرار الى المنطقة. بالطبع، لا يقع على عاتق المصارف العربية وحدها مسؤولية بناء خطط النهوض والتمويل، إذ نرى الدور الأساسي على هذا الصعيد للمنظمات المالية الدولية، والصناديق الاستثمارية العربية، والصناديق السيادية، لأنه يستحيل على تلك الدول التي تشهد نزاعات حالياً، إعادة إعمار ما تهدم بإمكاناتها الذاتية، وحل المشكلات الاقتصادية التي كانت سائدة قبل الأحادث وتلك الناجمة عنها. ويقتضي التخلي عن فكرة بعض السياسات القائمة على حصر المساعدات بالاعانات للفقراء وللنازحين، إذ يجب تخطيها وإبدالها بالانفاق لبناء البنى التحتية، وتطوير الموارد البشرية، اذ لا يمكن معالجة الفقر بالإحسان، بل بخلق فرص العمل وتدريب الأيادي العاملة للعودة الى العمل المنتج. نحن نقر مسبقاً بأن هذه الأهداف ليست سهلة المنال في واقعنا العربي المشتت، ولكنها ليست بالمستحيلة أيضاً.
فإن لم تتبع الثورات السياسية في عالمنا العربي، اصلاحات مؤسساتية ونمو اقتصادي وانساني، ضاعت فرص عودة الاستقرار والازدهار وحلت بدلاً منها النقمة والفقر والتخلف والتطرف القابل للانتشار والعدوى.
أما بالنسبة للبنان الذي استضاف موجات هائلة من النازحين السوريين يقارب عددها ثلث سكانه، فقد دفع غالياً ثمن الاضطراب الاقليمي وتلكؤ المجتمع الدولي عن تقديم الدعم الكافي له، وللنازحين على أراضيه، إذ بلغت الخسائر التراكمية للإقتصاد اللبناني بفعل الأزمة السورية بمبلغ قد يصل الى 7,5 مليار دولار في نهاية العام 2014 بحسب تقديرات البنك الدولي. وعلى الرغم من ذلك، أظهر لبنان تماسكاً في وجه الاعصار الحاصل، فبقيت مؤسساته الادارية والعسكرية تعمل بالحد الكافي في ظل ظروف غير طبيعية.
وفي المحصلة،
ان التحديات التي تواجه عالمنا العربي الآن ليست اقتصادية فقط بل هي كيانية. من هنا فإن قياداتنا ومسؤولينا في المنطقة العربية مدعوون للتعاطي مع مشهد آخر لم نعتد عليه، بعد ركود الأحداث وانتهائها. من هنا فإن حضور هذا الجمع المميز من قادة المصارف والمؤسسات العربية والخبراء لرسم رؤية جديدة لمتطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والاصلاحات ورسم دور جديد للمصارف في ظل التداعيات الاقتصادية للتحولات العربية، لهو بادرة خير، نأمل لمؤتمرنا أن ينجح في تظهيرها، وأن نخرج بالنتيجة بتوصيات تؤدي الى تحقيق إصلاحٍ حقيقي.
وشكراً لحسن إصغائكم.