كلمة رئيس جمعية مصارف لبنان
الدكتور جوزف طربيه
في
الجمعيَّة العموميّة السنويّة
5 تموز 2013
أيّها الزملاء الكرام،
باسمي الشخصي وباسم مجلس الإدارة، أرحّب بكم في مستهلّ الجمعية العموميّة السنوية الحادية والخمسين لجمعية مصارف لبنان التي تعمل منذ تأسيسها في سبيل تعزيز المهنة المصرفية وتطوير النشاط المصرفي كما في سبيل خدمة الاقتصاد الوطني ولبنان.
إن تقرير مجلس الإدارة الموزّع عليكم يعرض لأداء الجمعية ونشاطها بشكل وافٍ منذ انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة في حزيـران 2012. لذا، لن أخوض في تفاصيل محتوياته، بل سأكتفي بإيجاز أبرز التطورات التي رافقت عملنا، وما أنجزته جمعيتنا خلال السنة الأولى من ولاية مجلس إدارتنا الحالي.
أيّها السادة الزملاء،
لقد راوح معدل نمو الإقتصاد اللبناني في العام 2012 بين 1,5% و2% بحسب التقديرات الأولية متابعاً منحى التباطؤ الذي عرفه في العام 2011، وذلك بسبب مجموعة تطوّرات منها داخلية وأبرزها استمرار التجاذبات السياسية والتفلّت الأمني في البلاد ، ومنها خارجية تتعلّق بالأحداث في المنطقة العربية وبخاصّة في سورية. وقد انعكست هذه التطوّرات سلباً على الاستثمارات الداخلية والخارجية بسبب تفضيل مجتمع الأعمال التريّث والترقّب في ظلّ الحالة الضبابيّة السائدة. بيد أن تحويلات العاملين في الخارج حافظت على مستواها المرتفع كما تابعت التسليفات المصرفية ارتفاعها بنسبة جيدة فساهمتا معاً ، وكما هي الحال دائماً ، في دعم الحركة الإستهلاكية والاستثمارية.
في المقابل، شهدت المديوينة العامة في 2012 تطوراً سلبياً ، إذ ارتفع الدين العام بنسبة 7,5% قياساً على العام الذي سبق بعدما بلغت نسبة هذه الزيادة 2% في 2011. وفي جميع الأحوال ، تجاوز نمو الدين العام معدل النمو الإقتصادي في العام 2012 وارتفعت نسبته الى 136,8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتكاد تكون المرّة الأولى التي ترتفع فيها هذه النسبة منذ العام 2006!.
غير أن الوضع النقدي بقي متماسكاً عام 2012 . ويعـود ذلك، من جهـة، الى الإمكانات الكبيرة المتوافرة لدى المصرف المركزي، ومن جهة ثانية، الى المصداقية العالية المكتسبة بعد النجاح طوال العقدين الماضيين في إدارة أزمات متتالية بالتعاون الوثيق مع المصارف.
وبالإضافة الى مساهمتنا الفاعلة في الاستقرار النقدي، فقد استمرّت مصارفنا في توفير التمويل للاقتصاد الوطني بحجمٍ كافٍ وبكلفة متدنّية قياساً على ما هو سائد في دولٍ تتمتّع بتصنيف أفضل بكثير لمخاطرها السيادية. وخير معبّر عن ذلك نسبة التسليفات لكلّ من القطاعَيْن العام والخاص إلى الناتج المحلّي الإجمالي. فقد وصل حجم التسليفات للقطاعَيْن إلـى ما يقارب 74,6 مليـار دولار في نهايـة العـام 2012 موزّعة بنسبة 41,7% للقطاع العام و58,3% للقطـاع الخاص. كما تجدر الإشارة إلى أنه منذ العام 2010، باتت حصة القطـاع الخاص تتجاوز حصة القطـاع العـام من التسليفات المصرفية. وقد ساهمت في تثبيت هذا المنحى تعاميم مصرف لبنان المتعلّقة بتمديد مهلة الاستفادة من الشروط التحفيزية الممنوحة منذ العام 2009 ومنح تنزيلات من الإحتياطي الإلزامي للقروض الممنوحة بالليرة لبعض القطاعات.
ولكي لا يظلّ تمويل الاقتصاد مقتصراً على المصارف، وبخاصة التجارية منها، ندعو إلى الإسراع في تفعيل القانون رقم 161/2011 المتعلّق بالأسواق المالية والذي لا تزال خطوة تعيين هيئة الأسواق خطوة يتيمة في مسار تطبيقه وغير كافية لإعطاء حركة بورصة بيروت الزخم المنشود. ويؤمَل أن تلعب مصارف الأعمال دوراً أكبر مع انطلاق عمل هيئة الرقابة على الأسواق المالية وأن تساهم بفعالية في تطوير هذه الأسواق، الأمر الذي نعمل من أجله بالتنسيق مع السلطات النقدية.
على صعيد أنظمة الدفع والتقنيات المرتبطة بها، فقد شهد العام 2012 إنجازاً تمثّل في مباشرة تنفيذ " نظام التسوية الإجمالي الفوري" الذي يشكّل نقلة نوعية هامة ، يُرتقب أن يكون من أبرز تطبيقاته سداد مختلف الضرائب والرسوم ومدفوعات القطاع العام إلكترونياً.
وتأكيداً على إرادة مصارفنا وقرار السلطات النقدية بالحفاظ على انفتاح السوق المصرفية اللبنانية على العالم وحماية أموال المودعين والمستثمرين في القطاع وصوناً لسمعته، تركّز إداراتُنا على مواصلة اعتماد المعايير الدولية في المجالات كافةً، ومنها بوجه خاص ما يعود الى مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتهرّب الضريبي، وأخيرا وليس آخراً ، التزام العقوبات الدولية على بعض دول المنطقة. وعلى الرغم من الإجراءات التي تمارسها مصارفنا بقرار ذاتي على هذا الصعيد، تعرّض قطاعنا في العام الماضي لحملة إعلامية شرسة استهدفت سمعته الإقليمية والدولية، فكان أن اعتمد مجلس الإدارة خطة تحرّك مضاد حشدت لها الطاقات اللازمة، وقد قامت هذه الخطة على ثلاث ركائز متزامنة ومتكاملة هي : حركة اتصالات محليّة بسفراء الدول الكبرى والمؤثّرة المعتمدين في لبنان، وحركة اتصالات دوليّة عبر زيارات مباشرة واجتماعات مكثفة مع شخصيات ذات نفوذ وتأثير في مواقع القرار داخل السلطات التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة الأميركية كما في البنك الدولي وصندوق النقد وكبريات المصارف العالمية والمراسلة لمصارفنا، وأخيراً إصدار منشورة خاصة وإنشاء موقع إلكتروني مستقلّ عن موقع الجمعية في الولايات المتحدة نفسها ، بهدف الدفاع عن سمعة القطاع المصرفي اللبناني وإبراز دوره الإيجابي على صعيد الإلتزام بتطبيق العقوبات الدولية والمعايير الدولية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
أيّها الزملاء،
لقد واصلت الجمعية تأكيـد التزامها بالشأن الوطني العـام، مع إبـداء حرصها على تكثيف حضورهـا وتعزيـز موقعهـا المرجعي كإحدى الهيئات الاقتصادية الأساسية فـي لبنـان، وتعزيز مشاركتها في المؤتمرات والمحافل الإقليمية والدولية واستضافتها العديد من رؤساء البعثات والديبلوماسية المعتمدة في لبنان ومن الوفود المصرفية العربية والأجنبية، وتوزيع منشوراتها ونتائج دراساتها، وإغناء موقعها على شبكة الانترنيت، ومتابعة الدورات التدريبية المكثفة للموارد البشرية المصرفية. أخيراً، على صعيد التشاور الداخلي ، حرصنا كرئاسة وكمجلس إدارة، على انتظام أعمال الجمعية بحيث عقد مجلس الإدارة الحالي 12 جلسة عادية واستثنائية منذ آخر جمعية عمومية، وعلى تكثيف التشاور الدائم مع إدارات المصارف، لا سيّما من خلال اللجان الإثني عشر التي تضمّ 154 عضواً من مختلف المصارف يؤدّون دوراً مهماً ومشكوراً في بلورة العديد من المواقف حيال مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي تعني القطاع.
أيّها الأخوة، أيّها الزملاء الكرام،
لقد قمنا كقطاع بكل ما يمكن عمله لإنهاض لبنان واقتصاده وجذب الاستثمارات والرساميل إليه، وخلق فرص العمل الجديدة لاستيعاب الأجيال الطالعة، والتخفيف من هجرة الشباب ونزف الأدمغة. كما دعم القطاعُ المصرفي الدولةَ بقوةٍ على أمل أن تجري إصلاحاً اقتصادياً ومالياً حقيقياً ينطلق من معالجة المشاكل المتفاقمة للمالية العامة، من خلال وقف الهدر وترشيد الإنفاق العام وجباية الضرائب من كل الشرائح والمناطق.غير أن أداء مختلف القوى السياسية لم يكن ، للأسف الشديد ، على مستوى طموحاتنا ولا على مستوى تطلّعات اللبنانيّين.
ونعلم جميعاً مدى خطورة الأوضاع المحيطة بنا، والتي هي غير مؤاتية لنشاطنا الاقتصادي. وكنا نأمل كمجتمع أعمال أن تشكّل التحديّات الخارجية دافعاً لتحسين الأداء الداخلي، وان تنجح سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة لتجنيب لبنان تمدد أحداث المنطقة إليه، وأحداث سوريا بوجه خاص. ولكن التطورات جاءت عكس التمنيات وتفاقمت الخلافات إلى حدّ التباعد والتنافر، وأحياناً التقاتل، ما فرض استقالة الحكومة في ظروف بالغة الدقة والحراجة وتأجيل استحقاق الانتخابات النيابية ، الأمر الذي انعكس سلباً على أداء الدولة والإدارات العامة، وعلى استقرار لبنان وسمعته واستمرار دورة الحياة الاقتصادية الطبيعية فيه.
إننا نجدّد الدعوة، التي أطلقناها مع سائر الهيئات الاقتصادية، الى نقل الحوار حول كل المشكلات من الشارع ومن منابر الإعلام الصاخب الى رحاب المؤسسات الدستورية والقانونية. كما إننا أيّدنا وما زلنا نؤيّد دعوة فخامة رئيس الجمهورية الى انعقاد هيئة الحوار الوطني التي تشكّل المكان الصالح والمناسب لطرح كل المواضيع الخلافية الأساسيّة، إذ لا يمكننا التسليم بانقطاع الحوار بين أبناء البلد الواحد، ولو اختلفت مشاربهم السياسية، في وقت تتصاعد الأخطار الداخلية والخارجية.
أخيراً، ما زالت الجمعية تحاول منذ مدة غير قصيرة ومن خـلال المفاوضات التوصّل الى صيغة عقد عمل جماعي مع إتحاد نقابات موظفي المصارف. وعلى الرغم من التقدم النسبي الذي أمكن إحرازه في هذا المجال بفضل جهود معالي وزير العمل وحاكميّة مصرف لبنان، ما تزال مواقف الجمعيّة وإتحاد نقابات الموظفين على شيء من التباعد. ونحن نأمل إنجاز صيغة العقد تقريباً مع الإتحاد. وفي هذه الأثناء، يدرك موظفونا أننا نحافظ على المجموعة الواسعة من التقديمات والعطاءات التي نوفرها لهم ، سواء بوجود عقدٍ أو بدون عقد.
في النهاية، لا يسعني غير أن أوجّه تحية تقدير الى جميع زملائي أعضاء مجلس الإدارة الذين شكّلوا فريق عمل واحداً ومتجانساً طوال ولاية المجلس وكرّسوا الكثير من جهدهم ووقتهم في خدمة الأسرة المصرفية، كما أنوّه باسم المجلس وباسمكم جميعاً، إذا سمحتم، بالأمين العام وسائر كوادر وموظفي الأمانة العامة الذين مكّننا تفانيهم المهني من تأدية مهامنا على المستوى المطلوب.