كلمــــة
الدكتــور جـوزف طربيــه
رئيــس الإتحـاد الدولي للمصرفييـن العــرب
رئيس اللجنة التنفيذية في اتحاد المصارف العربية
في
حفل إفتتاح
منتـدى المال والاعمال
« مكافحة الفساد: بين القول والعمل »
18 آذار 2015
فندق فينيسيا - بيروت
أيها الحضور الكرام
في كل مناسبة جامعة، خاصة كانت أو عامة، نسعى دوماً الى إبراز مزايا لبنان وإقتصاده من دون التخلي عن موضوعيتنا ومسؤوليتنا التي توجب الاشارة الى العثرات ونقاط الضعف بالتوازي مع تسليط الضوء على الايجابيات ومكامن القوة، ومن ثم المساهمة في اقتراح المعالجات المناسبة .
حاولت أن لا أخرج عن هذا التقليد في هذا المنتدى، فكانت مهمتي صعبة. ففي موضوع الفساد ومكافحته ليس للبنان أي علامة مضيئة يضاهي بها. بل اننا نحرج عند ذكر ترتيب بلدنا عالميا ومن يتقدمه ومن يليه في مؤشر مدركات الفساد. هذا مؤشر خطير على فشلنا وعلى مسارنا المتسارع للوصول الى مرحلة الدولة الفاشلة.
لكن، وبقدر ما نستاء ونحزن لموقع لبنان ومعه أغلب الدول العربية على لائحة الشفافية الدولية ، فاننا نفرح بتواصل تقدم دول عربية أخرى وحيازة مراتب دولية متقدمة تعفيها من أي توصيات. ويظهر المؤشر العالمي أن 18 دولة عربية من 20 وردت في التقرير، نالت رصيداً أقل من 50/100، وهذا ما يعكس مستوى الفساد المرتفع فيها على صعيد القطاع العام، والذي، بحسب تقرير المنظمة، يؤدي إلى تقويض العدالة والتنمية الاقتصادية، فضلاً عن تدميره الثقة الشعبية بالحكومات والقادة.
ايها السيدات والسادة
نحن نفهم أن حروبنا الطويلة أورثتنا الكثير من النتائج الكارثية ، وندرك جيدا أن اعوجاج أوضاعنا الداخلية يحول دون استيعاب كامل التداعيات المتواصلة. لكن هذا لا يبرر مطلقا هذا الانحدار المتتالي في موقع البلد وترتيبه على لائحة منظمة الشفافية الدولية ولا على لائحة التنافسية العالمية. فهذا أيضا نقيض صارخ لحقيقة أن لبنان كان من أول البلدان المستقلة والديموقراطية في المنطقة، وأولها المعتمد للنظام الاقتصادي الليبرالي، وطليعتها المبادر الى أنشاء مؤسسات الرقابة والتفتيش والمحاسبة العمومية .
واسمحوا لي، ومن واقع تجربتي الخاصة، أن أؤكد أن لبنان لا ينقصه لا عنصر الكفاءات الادارية والقضائية من جهة ولا عنصر البنية المؤسسية الفاصلة بين المسؤوليات والمهام العامة بما يشكل البيئة الصالحة للخروج من مرض الفساد في بعض قطاعه العام وعدواه الممتدة الى بعض مؤسسات القطاع الخاص.
هذا الواقع أكدته التحركات ألأخيرة لبعض الوزراء من أصحاب النخوة في مجالي سلامة الغذاء ومكافحة التهريب وأعمال التزوير الجمركية والعقارية . فعندما تعلو كلمة الدولة تتحرك حمية النزاهة الكامنة وتنتقل المؤسسات من موقع الضعيف المتفرج الى موقع القوي الفاعل.
أيها الحضور الكرام
مع تقديرنا للتحركات والمبادرات التي تلاحق بعض الظواهر النافرة بشدة في القطاعين العام والخاص، فاننا ندعو الى ورشة وطنية جامعة للقطاعين وشاملة للمجتمع المدني ومؤسساته الناشطة تستهدف استعادة الهوية المؤسسية للبلد واعادة تفعيلها ضمن نظم المعلوماتية والحداثة.
من الممكن جمع هذه الجهود ضمن هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد تأخذ على عاتقها وضع خريطة طريق، ونقترح أن يكون من أبرز احداثياتها :
• اعادة الاعتبار للادارات المعنية بتصويب مهام وأعمال ومصروفات القطاع العام، وفي مقدمها: مجلس الخدمة المدنية، التفتيش المركزي، ديوان المحاسبة، أجهزة الرقابة وحماية المستهلك في الوزارات والادارات، وذلك عن طريق ملء الفراغات في ملاكات هذه الادارات ورفع الايدي السياسية عنها وتمكينها من ممارسة مهامها بحرية ومسؤولية.
• تطوير البنية التشريعية عبر اقرار مشاريع قوانين بعضها موجود حاليا أمام اللجان النيابية وبعضها يتم من خلال تطوير وتوسيع نطاق قوانين سارية بما يضمن حق الوصول الى المعلومات وحماية كاشفي ومكافحي الفساد في كل المجالات.
• الشروع في اعداد صيغة متكاملة وتفاعلية لارساء مفهوم جدي للحكومة الالكترونية بما يشمل تحديث الادارة وتجهيزها بالكفاءات والاجهزة اللازمة لتكون بدورها قادرة على تبسيط وتسريع وتسهيل جميع المعاملات الخاصة بألأفراد والمؤسسات.
• الاحتكام الى المرجعية القضائية مع توسيع شامل للنيابات العامة المالية وانشاء نيابات متخصصة عند الاقتضاء على غرار الاقتراح بانشاء نيابات عامة خاصة بالصحة وسلامة الغذاء .
• التفاعل الجدي مع "المشروع الإقليمي لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في البلدان العربية" القائم ضمن اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ( ترعاه وتدعمه UNDP ) والهادف خصوصا الى تقوية التعاون وتعزيز العمل الجماعي ضدّ الفساد.
ايها السيدات والسادة
ان خريطة الطريق التي نقترحها تنسجم تماما وتتناغم مع توجهات منظمة الشفافية الدولية التي تركز على ان استئصال الفساد يتطلب تعزيز وتطوير آليات الأداء البرلماني، ووجود قضاء قوي مع تعزيز استقلاليته ونزاهته ، وتحسين النصوص التشريعية بما ينسجم مع حق الإطلاع وحرية الحصول على المعلومات، ووجود الخطط الاصلاحية الهادفة إلى مكافحة الفساد ووضعها حيز التنفيذ بشكل فاعل ومؤثر على ارض الواقع والشفافية في الميزانيات العامة و في رسم السياسات العامة واتخاذ القرارات الحكومية. فضلاً عن تبني مبدأي المشاركة والشفافية في عملية الاصلاح و مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في صنع القرارات المتعلقة بمحاربة الفساد ووضع الخطط الاصلاحية، وتعزيز قيم المواطنة الصالحة، والتوسع في خيار إنجاز المعاملات الرسمية عن طريق الحكومة الإلكترونية.
أيها السيدات والسادة
أبها الحضور الكرام
لدينا في القطاع المالي تجربة نموذجية للرقابة نطورها ونحدثها باستمرار بالتعاون والتنسيق مع البنك المركزي. وهي تكفل بكفاءة عالية تحصين مؤسساتنا وتقوية مناعتها ضد أي عمليات مشبوهة أو محاولات تمرير أموال غير مشروعة. فعلى المستوى العام لدينا لجنة الرقابة على المصارف المولجة بمراقبة ومتابعة سلامة العمليات المصرفية ومنع أي تهور أو استغلال اداري. ولدينا هيئة التحقيق الخاصة المكلفة بتلقي الشكاوى والتدقيق في أي عمليات تحمل شبهة الجريمة المالية. أما على المستوى الخاص فلدى كل مؤسسة وحدات تدقيق ورقابة داخلية ووحدات التزام ( Compliance ).
رغم ذلك لست أذيع سراً أن اعلنت أمامكم ان لبنان والقطاع المالي مهددان أيضا بعقوبات ولوائح سوداء بسبب التأخير في التشريع الذي نأمل تداركه بإقرار مشاريع قوانين محالة الى المجلس النيابي منذ ربيع العام 2012 . وهي ذات أهمية قصوى للبلد وقطاعه المالي ، وتشمل مشروع قانون لتنظيم نقل الاموال والتصريح عنها عبر الحدود، ومشروع قانون تبادل المعلومات في مجال التهرّب الضريبي ومشروع قانون يهدف الى توسيع جهود مكافحة تبييض الاموال.
ان تحصين القطاع المالي والشروع في حملة وطنية لمكافحة الفساد يساهمان في حماية البلد واقتصاده . هذه واجبات وطنية تشاركية نأمل أن تلقى الاهتمام المطلوب قبل فوات ألآوان .. والوقت ثمين أكثر مما نعتقد
شكرا لاصغائكم