كلمــــة
الدكتــور جـوزف طربيــه
رئيــس الإتحـاد الدولي للمصرفييـن العــرب
رئيس اللجنة التنفيذية لإتحاد المصارف العربية
في
القمّة المصرفية العربية الدولية
« دور المصارف في بناء القدرات المدنية في الدول ما بعد النزاعات »
27-28 يونيو/حزيران 2013
النمسا ـ فيينا
أصحاب المعالي والسعادة،،،
ايها الحفل الكريم،،،،
نتطلع اليوم من خلال أعمال هذا المؤتمر إلى إحياء وتجديد علاقة تاريخية قائمة منذ سنين طويلة بين القطاعات المصرفية والمالية العربية وبين جمهورية النمسا الصديقة.
ويسرنا في هذا المقام أن نتقدم بجزيل الشكر من حكومة النمسا على إستضافتها فعاليات اليوم الأول من المؤتمر هنا في مقر الرئاسة، كما يسعدنا أن نغتنم هذه المناسبة لنتوجه بالدعوة من فيينا إلى دول أوروبا شرقاً وغرباً من أجل السعي الجاد إلى إرساء قواعد علاقة متكافئة ومستدامة بينها وبين الدول العربية على الصعد السياسية والإقتصادية قوامها الحرية والعدالة وحقوق الإنسان وإحترام حق الشعوب بإستثمار ثرواتها وتحولها الديمقراطي وتداول السلطة سلمياً دونما قيود أو ضغوط من اي جهة كانت.
أيها السيدات والسادة،،،،
نجتمع اليوم في اجواء عدم اليقين التي تسيطر على منطقتنا وكذلك في مختلف انحاء العالم حيث لا تزال تتوالى في الأسواق، الترددات المالية الناتجة عن بقايا الأزمة العالمية والتي نقلت أوزارها في الأشهر الماضية الى دولة قبرص وتطلّبت تدخلاً من الاتحاد الأوروبي للمساعدة على حل لم تصبح مفاعيله ناجزة حتى اليوم. أما منطقتنا العربية، فتعيش مخاضاً تختلط فيه مختلف التوقعات، مع الميل في المحصلة الى بزوغ فجر سياسي واجتماعي جديد يتناسب مع تطلعات الشعوب العربية الى التقدم والنمو والازدهار والشراكة الحضارية في التقدم البشري.
في ظل هذه الأجواء تم اختيار عاصمة بلدكم الساحرة مقراً للقمة المصرفية العربية الدولية للعام 2013 والتي ينظمها إتحاد المصارف العربية والإتحاد الدولي للمصرفيين العرب وغرفة التجارة العربية النمساوية ومكتب الأمم المتحدة في فيينا الذي نتوجه إليه بالشكر أيضا" لإستضافته فعاليات اليوم الثاني للمؤتمر وذلك لإلقاء الضوء على عدد من القضايا الجوهرية أهمها:
• دور القطاع المصرفي في بناء القدرات ومواجهة التحديات في زمن ما بعد النزاعات.
• الأهمية الإستراتيجية للشراكة بين القطاعين العام والخاص في تحقيق النمو الإقتصادي.
• فرص تعزيز العلاقات الإقتصادية العربية النمساوية.
وبناءً عليه يتضح جلياً أمامنا جميعاً أن مجالات التعاون، خصوصاً في زمن التواصل والإنفتاح بين دول أوروبا والعالم العربي، متنوعة وواسعة وواعدة في آن معا" ولاسيما في النواحي التالية:
1) الإصلاحات الإقتصادية والمالية والمصرفية.
2) معالجة المديونيات العامة ( الديون السيادية) والتشدد في أنظمة الرقابة المصرفية.
3) معالجة ارتفاع نسبة البطالة غير المسبوقة وتراجع معدلات النمو إلى مستويات مقلقة.
4) مكافحة الجرائم المنظمة العابرة للحدود كغسل الأموال وتمويل الإرهاب و التهرّب الضريبي والفساد.
5) إدارة المخاطر المصرفية نظرا" لأهميتها في تأمين النمو الإقتصادي والإستقرار المالي.
6) زيادة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة والناشئة.
7) التوافق على التخفيف تدريجياً من السرية المصرفية وصولاً إلى شفافية الحسابات المصرفية.
8) تسهيل تبادل المعلومات بين دول الإتحاد الأوروبي والدول العربية في المسائل ذات الإهتمام المشترك.
9) تيسير آليات تبادل الخبرات والمنتجات والإستفادة من الطاقة المتجددة لدى الدول العربية مقابل نقل التكنولوجيا الأوروبية لبناء قاعدة إنتاجية إقتصادية عربية متينة.
10) تعزيز أوجه التعاون البناء بين دول المنطقتين وخصوصا" في قضايا البيئة والأمن الغذائي.
11) تفعيل العلاقات بين القطاع المالي والمصرفي النمساوي والقطاع المالي والمصرفي العربي.
أيها السيدات والسادة،،،
لقد شهدت الصناعة المصرفية العالمية خلال العقدين الماضيين كثيرا" من التطورات والتغيرات وأفرزت عديدا" من الأدوات والمنتجات المالية الجديدة ما وضع هذه الصناعة أمام تحديات عديدة تستلزم تضافر الجهود من اجل الإستثمار في هذه المستجدات من جهة وتقليل المخاطر الناجمة عنها من جهة أخرى.
وإلى ذلك كله يلاحظ في السنوات الأخيرة أن دول أوروبا تبدو حائرة بين سياسة التقشف وسياسة تحفيز الإنفاق بحثاً عن أيهما أضمن في تحقيق النمو الإقتصادي المنشود في الوقت الذي يتراءى للجميع أن الضعف الذي أصاب إقتصادات دول جنوب أوروبا العليلة بات يتمثل وهنا" في إقتصادات دولها الشمالية القوية، بمعنى أن معظم دول أوروبا ما زالت تعاني منذ سنوات عديدة بعض تجليات الأزمة الإقتصادية والمالية العالمية الأخيرة والمتمثلة اليوم خصوصاً في حالة التضخم في منطقة اليورو إضافة إلى الركود الإقتصادي السائد والكساد في حجم المبيعات وتسريح الإيدي العاملة وإنعدام سعر الفائدة على الرغم من وجبات الإنقاذ المالية المتلاحقة التي وضعتها الحكومات الأوروبية متعاونة مع كل من البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية.
وفي المقابل تشهد معظم الدول العربية في الآونة الأخيرة حراكاً مجتمعياً عميقاً ، يتناول اعادة النظر في محاور اساسية، سياسية منها واقتصادية واجتماعية. وما يهمنا منها برامج الاصلاح الاقتصادي التي بقيت قاصرة في بلدان عديدة عن الاستجابة لحاجات أسواق العمل وطمأنة الرساميل الإستثمارية العربية والأجنبية، ما يفسر تضاؤل معدلات النمو وازدياد معدلات البطالة، في الوقت الذي توسعت فيه برامج الإنفاق الإجتماعي والإسكاني في الدول العربية النفطية.
أيها السيدات والسادة ،،
في ضوء ما تقدم يتبّدى واضحاً اتساع المساحة المشتركة التي تتلاقى عليها مصالح جوهرية لكل من الإتحاد الأوروبي والعالم العربي، ما يستلزم بالضرورة الإسراع في بناء رؤية مشتركة، بل موحدة بينهما خصوصاً وأن معظم المشروعات التي بادر الإتحاد الأوروبي إلى إقتراحها من جانب واحد في سياق مساعدته في تنمية الإقتصادات العربية أبتداءً من مؤتمر برشلونة عام 1994 مروراً بسياسة الجوار ثم الإتحاد من أجل المتوسط قد وصلت للأسف إلى طريق مسدود لأسباب متعددة، الأمر الذي يستوجب اليوم من صنّاع القرار في هاتين المنطقتين المتجاورتين الجلوس إلى طاولة حوار تناقش، بشفافية وصدقية وموضوعية، وعلى قدم المساواة والمسؤولية، الموضوعات محل الإهتمام المشترك، أملاً في الوصول إلى بناء تصورات وشراكات مستقبلية واعدة لدول أوروبا والشرق الأوسط.
وعلى هذا، فإن دول الإتحاد الأوروبي مدعوة اليوم، على الرغم من صعوبة تحقيقها معدلات نمو مماثلة لتلك التي كانت قائمة قبل العام 2008، إلى تفعيل سياسة الجوار مع دول العالم العربي وتلك الواقعة شمال افريقيا، خاصة وان اوروبا هي الجار الأقرب للمنطقة العربية، وذلك عن طريق القيام بمبادرات تنموية حقيقة وفعاّلة في هذه البلدان واستحداث برامج تعاون ونقل للمعرفة والخبرات وتطوير اليد العاملة المحلية، وخلق فرص عمل تضمن تفعيل النمو وابقاء اليد العاملة في بلدانها، لتلافي ما يمكن أن تستتبعه مشاكل الهجرة وتفاقم مخاطرها على الأوضاع الإجتماعية في أوروبا. وهنا لا بد لنا من أخذ العبر من التطورات التي نعيشها، والوعي لأهمية الإصلاح الإقتصادي، مع التركيز على إحتياجات الناس ومطالبهم وحقهم في التنمية المستدامة، التي يجب أن تكون ذات بعدٍ إجتماعي وإنساني، تعطي كل فرد في المجتمع حقه في أن يحصل على حياةٍ أفضل، مما يعيد السكينة الى النفوس والرغبة في الإستقرار لمجتمعاتنا المضطربة.
اننا في الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، ننظر الى التطورات الحاصلة بكثير من الحيطة وكذلك بكثير من الامل. الأمل بدورٍ جديدٍ للمصارف العربية نظراً لحجم التسليفات التي تقدمها إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة والتي بلغ مقدارها نهاية العام 2012 ما يزيد 1,5 تريليون دولار ما يؤشر إلى مكانة هذا القطاع الذي يتعدى دوره التقليدي إلى القيام بمسؤولياته الإجتماعية في دعم قطاعات البيئة والإسكان والتربية والتعليم وسواها، ما يحتم عليه الإلتزام بتطبيق المعايير الدولية وخصوصا" مقررات بازل III وما أدخل عليها من تعديلات لجهة القضايا التطبيقية التي تواجهها السلطات الرقابية إن لجهة إصلاح رأس المال أو لجهة وضع إطار لقياس مخاطر السيولة وكيفية مراقبتها وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحوكمة والمهنية العالية المطلوبة في إدارة المصارف جراء المخاطر الكبيرة والمتنوعة التي يتعين حسن إدارتها في ظل تعقيدات المعايير والأنظمة الدولية المتكاثرة والواجبة التطبيق. ان دور المصارف الكبير في دعم حركات الإصلاح الإقتصادي المطلوبة، يساهم الى حد كبير في تحقيق التكامل الإقتصادي الذي أصبح ضرورة ملحة على ضوء ما أظهرت الإضطرابات المتنقلة بين عدة بلدان عربية والتي أظهرت كم هي شعوبنا متلاحمة وتشدها آمالٌ متشابهة.
وختاماً نأمل أن تتكلّل فعاليات هذا المؤتمر بنتائج وتوصيات من شأنها تلبية تطلعات وطموحات القطاعين المصرفيين الأوروبي والعربي في سبيل توثيق أواصر العلاقة التاريخية السياسية والإقتصادية بين أوروبا والعالم العربي بما يكفل مواجهة الضغوط والصدمات والتحوط لإحتواء الأحداث والأزمات غير المتوقعة.
أرجو لمؤتمركم هذا أن يحقق الأهداف المرجوة منه وفقكم الله،
وشكرا" لإصغائكم