كلمة الدكتور جوزيف طربيه
رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب
رئيس اللجنة التنفيذية في اتحاد المصارف العربية
في العشاء التكريمي لسعادة حاكم مصرف لبنان
الأستاذ رياض سلامة
6 حزيران 2013
فندق فينيسيا – بيروت
يسرني بإسمي الشخصي، وبإسم الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، أن أرحب بكم أجمل ترحيب في هذا العشاء السنوي الذي يقيمه الاتحاد في مدينة بيروت، كما يشرفنا أن يرعى هذه المناسبة دولة الرئيس نجيب ميقاتي، وأن تشاركنا فيه قيادات مصرفية من لبنان ومن العالم العربي لبّت دعوة الاتحاد تعبيراً عن إيمانها بالعمل العربي المشترك، ودعماً للخطوات والنشاطات التي يقوم بها الاتحاد في خدمة الاقتصادات العربية، وخاصة في هذا الوقت الذي تطغى فيه الهموم الكيانية والوجودية في عدة أوطان عربية، على الهم الاقتصادي والمالي في حين أن الأحداث الجارية وانعكاساتها ستكون ذات كلفة اقتصادية لا تحتمل، وان معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية ستكون في نفس صعوبة معالجة الأوضاع السياسية والأمنية. وانه لا بد أن تواكب المصارف العربية والسلطات النقدية مرحلة العودة إلى الاستقرار، إذ لن يقوم استقرار اقتصادي واجتماعي، ومن بعده ازدهار، إلا على أكتاف هؤلاء.
نجتمع هذا المساء لتكريم حاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامه لاختياره أفضل حاكم بنك مركزي عربي للعام 2012-2013. وإن الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، بهذا التكريم يشارك المجتمع العربي والدولي بتسليط الأضواء، في هذه الظروف الصعبة التي يجتازها لبنان حالياً، على الميزات القيادية التي أدار بها الحاكم سلامه السلطة النقدية في لبنان منذ عشرين عاماً متواصلا. فهو بهذه الأقدمية، عميد حكام البنوك المركزية، استحق العمادة بجدارة، ليس فقط بسبب الأقدمية، وإنما أيضا نتيجة سجل حافل بالانجازات منذ تسلمه لمنصبه على رأس البنك المركزي اللبناني.
لقد تسلّم الحاكم سلامه منصبه في ظروف سياسية واقتصادية ونقدية صعبة. واجه بمرونة وشجاعة وروح إبداعية كل الصعوبات وتغلب عليها. اختار سياسة الاستقرار النقدي ونجح في وقف التقلبات الحادة للنقد اللبناني صعوداً ونزولاً، ولم ترهبه توصيات صندوق النقد الدولي التي كانت تتعارض مع سياسة الاستقرار النقدي، ولم تثنيه عن سياسته انتقادات بعض الاقتصاديين والمنظرين الماليين في وطن يختلط فيه الرأي التقني بالاقتصادي والسياسي.
لقد صمد الحاكم سلامه في خياراته التقنية وينعم الاقتصاد اللبناني بنجاح هذه الخيارات النقدية، وقد خفتت الأصوات وتلاشت تلك التي كانت تهاجم سياسة الاستقرار النقدي التي كافح من اجلها الحاكم؛ لا بل أن صندوق النقد الدولي وغيره من الجهات المعنية تنظر اليوم بإعجاب لهذه السياسة التي ساعدت على لجم التضخم والمحافظة على القوة الشرائية للأجور والاستقرار الاجتماعي.
أما على الصعيد المصرفي، فقد ساعدت السياسة المصرفية الحكيمة التي اتبعها البنك المركزي اللبناني في عهد الحاكم رياض سلامه، على نمو وازدهار القطاع المصرفي، وقد ساعد ذلك عشرات المصارف على الخروج من السوق عن طريق الاندماج أو الحيازة أو التصفية الذاتية، دون أن تلحق بالمودعين أية خسارة، كما جذبت هذه السياسة مصارف واستثمارات عربية وأجنبية جديدة للدخول إلى السوق اللبنانية، مما عزز بذلك رأسمال الثقة بمصارف لبنان الذي هو أهم من الملاءة والسيولة. هذا ما أثبتته الأزمة الأخيرة التي تعيشها أسواق المال الدولية والتي نتجت عن انهيار الثقة بالنظام المالي العالمي نتيجة ترك البنوك تتعثر، والمودعين والمستثمرين يخسرون أموالهم فيها، فلم يعد ينفع ضخ السيولة والمعالجات الأخرى.
وقد أتت أزمة الأسواق المالية الدولية الأخيرة، التي أصابت بشظاياها النظام المالي العالمي برمته، والتي لا تزال آثارها بادية في عدة بلدان وآخرها دولة قبرص، لتثبت مرة أخرى كفاءة الحاكم رياض سلامه الذي استطاع إبعاد القطاع المصرفي في لبنان عن أسباب هذه الأزمة وذلك عن طريق فرض سقوف على التسليف العقاري والتسليف على الأسهم ومنع التداول بالأدوات المالية المركبة. وكم تبدو اليوم هذه الإجراءات الاحترازية التي اتخذها البنك المركزي اللبناني في حينه، والتي لا يزال يتخذها اليوم في محلها.
ولا يمكن أن ننسى في هذا السياق سلة التحفيز الاقتصادي التي طرحها البنك المركزي اللبناني في السوق اللبنانية والتي تخدم أهداف استعادة النمو والتسليف الاجتماعي والسكني والتعليمي ومشاريع الطاقة والبيئة، وكلها أهداف انبرى الحاكم سلامه لخدمتها بالتعاون مع المصارف لخلق المزيد من القيمة ودفع عجلة النمو المستدام في وقت تعاني فيه الدولة اللبنانية من صعوبات سياسية حالت منذ عدة سنوات دون إصدار موازنة عامة و تحقيق إدارة فعالة للاقتصاد.
أيها السيدات و السادة،
إن أغلى الأصول التي يملكها لبنان هي الثقة بقطاعه المصرفي، هذه الثقة التي هي وليدة تعاون وشراكة مميزة بين السلطة النقدية التي يرأسها سلامه، والقطاع المصرفي الذي وثق بهذا الرجل وبصدقيته وسياساته وهندساته المالية التي حفظت أموال المودعين وأوصلت الاحتياطات النقدية للبنان لمستويات تاريخية. وإذا كان اللبنانيون منقسمين حول أمور عديدة، فإنهم جميعاً متوحدون حول القطاع المصرفي والحفاظ عليه لأنه يخدم بأمانة مصلحة لبنان، وهو العمود الفقري للاقتصاد اللبناني وقاطرة نموه وصورة لبنان المشرقة في العالم.
أيها السيدات والسادة،
ليس بجديد أن تتوالى مناسبات للتكريم لحاكم مصرف لبنان الأستاذ رياض سلامه في لبنان وفي الوطن العربي، وفي العالم. ولكن أن يكرمه الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب كأفضل حاكم مصرف مركزي عربي لعامي 2012 و2013، فهو تكريم يأتي من تجمّع مصرفي يضم معظم قيادات المصارف العربية وحكام البنوك المركزية العرب؛ أي أنهم أهل الدار يكرمون زميلهم المستحق.
لقد خدم الحاكم رياض سلامه المهنة المصرفية العربية بجدارة تستحق التقدير. ويتشرف الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب بتهنئته لانجازاته وتقديم درع الاتحاد له مع التمني بان تستمر هذه المسيرة الناجحة التي هي موضع تقدير الاتحاد والمجتمع المصرفي العربي.