كلمة رئيس جمعية مصارف لبنان
الدكتور جوزف طربيه
في افتتاح مؤتمر "فرست بروتوكول " الخامس
حول
" مصارف لبنان تحت الضغط"
فندف فينيسيا انتركونتيننتال ، بيروت 4 حزيران 2012
سعادة الحاكم،
أيّها الزملاء المصرفيون،
أيّها الإعلاميّون الكرام،
سيّداتي سادتي،
يطيب لي المشاركة في افتتاح هذا المؤتمر الذي تعقده شركة فيرست بروتوكول ، التي تحرص على انتظامه ودوريّته تأكيداً للاهتمام المتواصل والدائم بالقضايا المالية والمصرفية الهامة التي تعني وطننا ومؤسساتنا ، والتي لها تأثير أكيد على حياتنا العامة ، من خلال الشأنين المالي والاقتصادي ، خصوصاً في هذه الظروف التي يجتاز فيها لبنان أوضاعاً سياسية وأمنية حرجة ، مرتبطة بدورها بتطورات إقليمية ودولية بالغة الدقة.
أيّها السيّدات والسادة،
لعلّنا نجد في عنوان هذا المؤتمر "مصارف لبنان تحت اختبارات الضغط"، مناسبة سانحة للتنويه بقدرة مصارفنا على مجابهة كل الضغوط، سواء كانت ضغوط ناتجة عن إنعكاس أزمة المنطقة على لبنان واقتصاده ومصارفه بما فيها مصارف الإنتشار، أو كانت ضغوط جارية على مصارفنا نتيجة الأزمة المالية الدولية، وما سببته من مراجعة للقواعد التي ترعى العمل المصرفي بإتجاه التشدد الرقابي، وضخ الرساميل الإضافية وإلتزام قواعد الحوكمة والإدارة الرشيدة وتعزيز درجات الإفصاح.
فعلى الصعيد الداخلي، تعمل مصارف لبنان منذ عقود ضمن مناخ عدم إستقرار له إنعكاساته على الإقتصاد والنمو. وقد برعت مصارفنا في حسن إدارة المخاطر وإجتازت كل الإختبارات بنجاح، وبرهنت وما تزال أن جبه الضغوط والتحدّيات يكسبها المزيد من المنعة والخبرة والثقة بنفسها وبالسياسة العامة التي تنتهجها بوعي واقتناع ، كما بتوجيه حكيم ومتبصّر من السلطتين النقدية والرقابية. ونتيجة ذلك لم تسجل أية خسارة لمودع في مصارف لبنان. وبينما تحتاج معظم المصارف العالمية اليوم للدعم المالي من دولها ومن البنوك المركزية لتستطيع الإستمرار في ظل الأزمة المالية العالمية، فإن مصارف لبنان هي التي تمول وتدعم الدولة اللبنانية مجنبة لبنان التعثر المالي وإثاره المدمرة.
ثمّة محوران أساسيّان تدور حولهما أعمال هذا المؤتمر،هما : خبرة مصارف الانتشار في جبه الضغوط، وتحديات قانون الامتثال الضريبي الأميركي للحسابات الخارجية ، الذي بات يُختصر بمصطلح FATCA. إننا على يقين من أن السادة المحاضرين والمنتدين سوف يشبعون هذين المحورين حقهما من الدراسة والتحليل، لذا سوف نكتفي بطرح موقف جمعية المصارف من هذين الموضوعين.
بدايةً ، معلوم أن مصارفنا مشهود لها بانفتاحها التاريخي على الخارج، وهي ذات انتشار إقليمي وعالمي آخذ في التوسّع والتعمّق منذ سنوات ، بحيث يعمل في السوق اللبنانية 12 فرعاً لمصارف تجارية عربية وأجنبية في حين أن لدى 17 مصرفاً لبنانياً انتشاراً في 31 بلداً ، وأن مصارفنا تتعامل مع عدد كبير من المصارف المراسلة في مختلف أنحاء العالم. ثم أن معظم ، إن لم يكن كل الدول المضيفة لمصارفنا تلتزم تطبيق معايير الصناعة المصرفية الدولية الموضوعة من مختلف المرجعيّات والهيئات المعنيّة والمختصّة، مثل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE ومجموعة غافي GAFI ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA FATF ومنتدى الاستقرار المالي FSF لدى صندوق النقد الدولي IMF ولجنة بازل BASEL. ومن البديهي أن هذا الواقع يجعلنا ، كقطاع مصرفي لبناني، لا نشذّ عن هذه المعايير بما فيه الالتزام بالعقوبات والقرارات التي يقررها المجتمع الدولي أو بعض أطرافه. والأمر نفسه سوف ينسحب على قانون الامتثال الضريبي لحسابات المواطنين الأميركيين خارج بلدهم ، أي الـ FATCA . فالمصارف اللبنانية ذات الانتشار الخارجي الواسع سوف تلتزم بمضمون هذا القانون. لكنها تنتظر إصدار الحكومة الأميركية النصوص التطبيقية النهائية وآلية التنفيذ في التعامل مع المصارف والمؤسسات المالية عبر العالم.
أما في ما يخصّ الربط بين هذا القانون والسرية المصرفية، فلا بدّ أولاً من التذكير والتوضيح بأن السرية موجودة أصلاً لحماية الزبائن وليس المصارف ، ومن الطبيعي أن يكون الزبائن المعنيّون ، أي الرعايا الأميركيون ، حريصين على الامتثال لمندرجات هذا القانون، وأن رفع السرية المصرفية لتمكين المصارف من التصريح للغير سيكون بقرار من الزبائن أنفسهم وبإرادتهم، خصوصاً وأنه قد يكون مطلوب منهم أن يملأوا استمارات مباشرة توزّعها عليهم سفارات الولايات المتحدة في أنحاء العالم. وفي حال الضرورة، يمكن استعمال الآلية التي تضمّنها القانون رقم 318 والتعاميم المرتبطة به، أي إعطاء المعلومات من خلال هيئة التحقيق الخاصة. فالسرية المصرفية لم تكن يوماً لحماية الأموال الناتجة عن النشاطات غير الشرعية بل لحماية أموال مودعينا ومدخراتهم من التسلط والتعسف والمصادرة. السرية المصرفية هي عندنا جزء من مجموعة قيمنا الوطنية ومن حقوق الإنسان في بلداننا وهي حاجز بوجه فساد السلطة واستبدادها.
يكفي التذكير في هذا المقام بأن مجموعة العمل الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب (غافي) وضعت لائحة بأسماء 40 دولة تعاني بطريقة أو بأخرى من نواقص في تطبيق معايير المكافحة ، ولبنان غير مندرج في هذه اللائحة. ما يعني أن مصارف لبنان تلتزم أصلاً احترام القوانين والأنظمة المعمول بها في الدول التي لها فيها مصارف مراسلة، والتي يتمّ من خلالها تلبية حاجات الزبائن اللبنانيّين، مقيمين وغير مقيمين. وقد جاءَ التعميم 126 لهذا العام ليمنح السياسات والإجراءَات التي دأبنا منذ سنوات على العمل بها غطاءً قانونياً واضحاً وليطمئن كذلك المجتمع الدولي حول جدية انخراطنا في سياساته وتدابيره.
وها نحن اليوم نكرّر العزم على مواصلة النهج ذاته ، حرصاً على مصلحة لبنان العليا، المتمثلة بمصالح المساهمين والمودعين والاقتصاد الوطني بكليّته بعيداً عن الحسابات الآنية والمصالح الضيقة.
أخيراً ، لا يسعنا غير أن نُثني على جهود القيّمين على تنظيم هذا المؤتمر ورعاته وداعميه ، مع التمنّي بالتوفيق والنجاح في أعماله ، آملين أن يشكّل فرصة مفيدة لجميع المشاركين.