كلمة رئيس جمعية مصارف
الدكتور جوزف طرب
في
الجمعيَّة العموميّة السنويّة
30 حزيران 2016
أيّها الزملاء والزميلات الكرام،
يُسعدني بل يُشرّفني أن أفتتح أعمال الجمعيّة العمومية الرابعة والخمسين لجمعية مصارف لبنان التي ظلّت منذ تأسيسها عام 1959 أمينةً على تحقيق أهدافها، إن على صعيد خدمة وتعزيز المهنة المصرفية والدفاع عن قضاياها أو على صعيد خدمة وتطوير الإقتصاد الوطني، أو أخيراً على صعيد خدمةِ لبنان بلدِنا الذي نعتَّزُ بانتمائنا إليه وبإحتضانه لمصارفنا الأم وللعديد من المصارف العربية والأجنبية دونما أيّ تمييز.
إن تقرير مجلس الإدارة الموزّع عليكم يعرض لأداء الجمعية ونشاطها بشكل وافٍ منذ انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة في حزيران 2015. لذا، لن أخوض في تفاصيل محتوياته، بل سأكتفي بإيجاز أبرز التطورات التي رافقت عملنا، وما أنجزته جمعيتنا خلال السنة الأولى من ولاية مجلس إدارتنا الحالي.
أيّها السادة الزملاء،
في العام 2015 ، ظلّ الإقتصاد اللبناني على ضعفه المستمرّ منذ مطلع العقد الحالي بحيث تراجع معدل نموه الى حوالى 1% بسبب مجموعة تطوّرات، بعضها داخلي، وأبرزها استمرار الفراغ الرئاسي وتعطّل عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية ، وبعضها خارجي، يتعلّق بالأحداث في المنطقة العربية وبخاصّة في سورية. وقد انعكست هذه التطوّرات سلباً على الاستثمارات الداخلية والخارجية كما على حركة الاستهلاك. بيد أن استمرار تحويلات العاملين في الخارج والتسليفات المصرفية، رغم التراجع الطفيف للأولى وتباطؤ نمو الثانية، ظلّتا تساهمان، كما هي الحال دائماً، في دعم الحركة الاقتصادية.
في موازاة ذلك، تراجعت وضعية المالية العامة في العام 2015 قياساً على العام 2014. وقد وازى العجز العام ما نسبته 7,8% من الناتج المحلي الإجمالي وانخفض الفائض الأولي المحقق من 2,6% من الناتج في العام 2014 الى 1,4% في العام 2015. ومن جرّاء ذلك، زادت المديونية العامة بحيث وصل حجم الدين العام في نهاية العام 2015 الى 70,3 مليار دولار أميركي، ما استتبع ارتفاع نسبة الدين العام الإجمالي الى 138% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 134% في نهاية العام 2014.
غير أن الوضع النقدي في العام 2015 بقي مستقرّاً، مظهراً متانةً لافتة رغم دقّة الأوضاع العامة في البلاد. ويعـود ذلك، من جهـة، الى الإمكانات الكبيرة المتوافرة لدى الجهاز المصرفي (مصرف لبنان والمصارف) والى الإجراءات والهندسات المالية التي اتّخذها البنك المركزي، بالتعاون الوثيق مع المصارف.
وبالإضافة الى مساهمتنا الفاعلة في الاستقرار النقدي، فقد استمرّت مصارفنا في توفير التمويل للاقتصاد الوطني بحجمٍ كافٍ وبكلفة متدنّية قياساً على ما هو سائد في دولٍ تتمتّع بتصنيف أفضل بكثير لمخاطرها السيادية. فقد زاد حجم القروض للقطاع الخاص بما يقارب 3,3 مليارات دولار ، أي بنسبة 6,5%، وزاد تمويلنا للدولة بقيمة 448 مليون دولار ، وأودعنا المصرف المركزي ما يوازي 7 مليارات دولار، بما قوّى احتياطياته، لا سيّما بالعملات الأجنبيّة، وبما انعكس استقراراً في سوق القطع. هذه الزيادة في التوظيفات البالغة 10,3 مليارت دولار خلال السنة الماضية إنما تمّ تمويلها من خلال نمو ودائعنا بما يزيد عن 7 مليارات دولار وزيادة رساميلنا بما يقارب المليار دولار ، مع بقاء توظيفاتنا الخارجية عند مستوى 24 مليار دولار.
باختصار، وصل حجم التسليفات للقطاعَيْن إلـى ما يقارب 86 مليـار دولار في نهايـة العـام 2015 موزّعة بنسبة 44% للقطاع العام و56% للقطـاع الخاص. وقد ساهم البرنامجُ التحفيزي الذي أطلقه مصرف لبنان في تعزيز النشاط الإقراضي ، وهو شمل رزمة من السيولة للمصارف بكلفة متدنّية، استفاد منها بوجه خاص قطاعا السكن والتكنولوجيا، إضافةً الى حوافز معطاة لتسليف اقتصاد المعرفة بضمانة من المصرف المركزي.
أما على صعيد المهنةِ المصرفية، فقد تعاونّا مع مصرف لبنان لتطبيق مندرجات اتفاقيات لجنة بازل للرقابة المصرفية، عبر تحقيقِ إلتزام المصارفِ العاملة في لبنان بمستوى من الملاءة يتخطّى المعدل المطلوب عالمياً ، وقد بلغ 15,1% في نهاية العام 2015. وتبرِّر المخاطر العديدة والعالية المحيطة بنا الجهد الترسملي الإضافي الذي ارتضيناه. كما تبرِّر هذه المخاطر معدَّلات السيولة العالية التي نحتفظ بها قياساً على المعايير الدولية، مع كامل إدراكِنا لإنعكاسِ هذه السيولة العالية على معدَّل ربحيّةِ توظيفاتنا. لكنَّ سلامةَ أموال مودعينا ومساهمينا تتقدَّم على أيّ اعتبارٍ آخر، بما فيه الربحيّة.
وأبعد من ذلك، غطّى تعاونُنا مع السلطات النقدية والرقابية جوانبَ مصرفية متعدّدة في مجال الرقابةِ الداخلية والمؤونـاتِ الإجمالية، بما فيها تلك العائدة إلى محفظةِ قروضِ التجزئـة. وغطّى كذلك التوظيفاتِ الخارجية لمصارفنا بالإضافـة إلى العمليّاتِ لحسابِها الخــاص في الأدواتِ المشتقَّة والمُركَّبة. واستكمالاً للإطـار النِظامي للجنة بازل، يجري العملُ مع السلطات النقديـة والرقابية على تعزيـزِ الإدارة الرشيدة في مصارفنا كما على تقوية السياسات والإجراءات التي من شأنها تعزيز حمايـة المستهلك، ولاسيّما تثقيف العملاء وتوضيح حقوقهم عبر برامج للتوعية وآليات واضحة للمراجعات مع إدارات المصارف.
على الصعيد المهني أيضاً، نتابع النقاش الجدّي والمعمّق مع اتحادِ موظفينا، وهم جزءٌ كريمٌ من أُسرتِنا المصرفية حول تجديد عقد العمل الجماعي، بعد أن وافق مجلس إدارة الجمعية على إنشاء صندوق التقاعد. وينصبّ الجهد حالياً، بتوافق الجانبين وبشكل حصري، على آلية تطبيق النظام الأساسي للصندوق وعلى توفير الإدارة الرشيدة له ضماناً لفعاليّته واستمراريّته، ونأمل إنجاز موضوع الصندوق وتجديد العقد في أقرب فرصة ممكنة استناداً الى التعاون الإيجابي القائم بين الطرفين.
أيّها السيّدات والسادة،
المصارفُ تؤدّي دورَ الوسيط بين المودعين والمقترضين. وهي تؤدّي هذا الدور باحتراز كبير، من جهة، حفاظاً على المدّخرات التي نحن مؤتَمنون عليها، ومن جهة ثانية، حفاظاً على مصلحةِ الطرفِ الآخر في المعادلة، عنَيْنا به الأُسَر والمؤسّسات وخزينة الدولة.
إنّ السلطاتِ النقدية والرقابية، وهي الناظمُ لعملِنا والمراقبُ له، تشهدُ على حُسنِ أداءِ هذه الوظيفة ضمن أفضلِ المعاييرِ الدولية. ودورُ الوساطةِ هذا نؤدّيه كذلك بين الداخلِ والخارج عبر المصارفِ العالميّةِ المراسلة.
ولمزيد من الحرص على السمعة الإقليمية والدولية للقطاع وعلى انتظام وديمومة تعامل مصارفنا مع النظام المالي العالمي، واصل مجلس الإدارة تطبيق خطـة التحرّك الداخلي والخارجي التي وضعها والتي تقوم على ثلاث ركائز متزامنة ومتكاملة هي:
أولاً، حركة اتصالات محليّة بسفراء الدول الكبرى والمؤثّرة المعتمدين في لبنان؛
وثانياً، حركة اتّصالات دوليّة عبر زيارات مباشرة واجتماعات مكثّفة مع شخصيّات ذات نفوذ وتأثير في مواقع القرار داخل السلطات التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا،لاسيّما فرنسا وبريطانيا، كما في البنك الدولي وصندوق النقد وكبريات المصارف العالمية والمراسلة لمصارفنا؛
وثالثاً، حملة إعلاميّة وإرشاديّة متمثّلة خصوصاً بإصدار نشرة دوريّة إلكترونيّة متخصّصة على موقع الجمعية بهدف إبراز نشاطات القطاع المصرفي اللبناني على صعيد الإلتزام بمستجدات قواعد العمل المصرفي وبالمعايير الدولية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وإصدار سلسلة أدلّة حول السياسات والإجراءات المتعلّقة بهذا الموضوع، وبتطبيق قانون الإمتثال الضريبي الأميركي (فاتكا) وبالعقوبات الدولية، وحول أخلاقيّات العمل وحماية الزبائن، وذلك بالتعاون مع شركة "ديلويت" ولجنة التحقّق في الجمعية.
أيّها الزملاء،
لقد واصلت الجمعية تأكيـد التزامها بالشأن الوطني العـام، مع إبـداء حرصها على تكثيف حضورهـا وتعزيـز موقعهـا المرجعي كإحدى الهيئات الاقتصادية الأساسيّة فـي لبنـان، وتعزيز مشاركتها في المؤتمرات والمحافل الإقليمية والدولية واستضافتها العديد من رؤساء البعثات الديبلوماسية المعتمدة في لبنان ومن الوفود المصرفية العربية والأجنبية، وتوزيع منشوراتها ونتائج دراساتها، وإغناء محتويات مكتبتها وموقعها على شبكة الإنترنيت، ومتابعة الدورات التدريبيّة المكثفة للموارد البشرية المصرفية، وتطوير وتقوية برامج التدريس في المعهد العالي للدراسات المصرفيّة بالشراكة مع جامعة القديس يوسف.
أخيراً، على صعيد التشاور الداخلي، حرصنا كرئاسة وكمجلس إدارة، على انتظام أعمال الجمعية بحيث عقد مجلس الإدارة الحالي 14 جلسة عادية واستثنائية منذ آخر جمعية عمومية، وعلى تكثيف التشاور الدائم مع إدارات المصارف، لا سيّما من خلال اللجان الإثني عشر التي تضمّ 160 عضواً من مختلف المصارف يؤدّون دوراً مهماً ومشكوراً في بلورة العديد من المواقف حيال مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي تعني القطاع.
أيّها الزملاء الكرام،
إننا نشاطر اللبنانيّين عموماً وسائر الهيئات الاقتصادية بوجه خاص الدعوة الى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية من أجل استقامة الحياة السياسية وانتظام عمل المؤسسات الدستورية، والى متابعة الحوار الوطني حول القضايا الجوهرية العالقة بين مختلف القوى السياسية ومكوِّنات النسيج المجتمعي اللبناني، درءاً لمزيد من الأخطار وحرصاً على السلم الأهلي والإستقرار الأمني وتفعيل أداء مؤسسات الدولة وتنشيط الحركة الإقتصادية وتزخيم النمو المتوازن والمستدام في البلاد.
كما نودّ أن نشكر مجدّداً اللبنانيّين جميعاً لمشاطرتهم إيّانا في إدانة واستنكار عملية التفجير التي تعرّض لها مؤخّراً بنك لبنان والمهجر، والتي اعتبرها مجلس إدارتنا في حينه اعتداءً على القطاع المصرفي بأكمله.وإننا نهيب على هذا الصعيد بالسلطات والأجهزة القضائية والأمنية كشف الفاعلين وإحالتهم الى العدالة.
في النهاية، يطيب لي أن أوجّه تحيّة تقدير الى جميع أعضاء اللجان الإستشارية الذين كرّسوا الكثير من جهدهم ووقتهم في خدمة الأسرة المصرفية، كما أنوّه باسم المجلس وباسمكم جميعاً، إذا سمحتم، بالأمين العام وسائر كوادر وموظفي الأمانة العامة الذين مكّننا تفانيهم المهني من تأدية مهامنا على المستوى المطلوب.... وشكراً لإصغائكم.