كلمــــة
الدكتور جوزف طربيه
رئيس جمعية المصارف في لبنان
رئيس مجموعة الإعتماد اللبناني
فــــي
حفل إفتتاح
منتدى المال والأعمال
"كلنا في خدمة الإقتصاد"
بيروت – فندق فينيسيا
22 آذار/ مارس 2016
دولة الرئيس
ايها الحضور الكريم
مع كل التقدير للجهود الطيبة التي بذلها منظمو هذا المنتدى وحرصهم على الطابع الدوري لانعقاده ، يعز علينا أن تنصب اهتماماتنا المشتركة على انقاذ الاقتصاد وحمايته ، بعدما كنا حتى أمد قريب نتنافس في تسويق قطاعاتنا الانتاجية ومزاياها ، ونملك هامش التخصيص أو الاستنساب في قبول الاستثمارات والرساميل الوافدة من أسواق قريبة وبعيدة .
هو المشهد السوريالي يتكرر في لبنان ، وكأنه قدر محتوم نسير اليه كمن يفقد البصر والبصيرة معا . مشهد مؤلم يتجلى فيه العجز السياسي بصورة غير مسبوقة ويدفع الناس والاقتصاد أثمانه في سنوات عجاف متتالية . نمو الناتج ينحدر من متوسط 8 في المئة الى 1 و 2 في المئة . فائض ميزان المدفوعات الذي لامس 8 مليارات دولار في العام 2009 ، ينقلب الى عجز سنوي متكرر. تكون بيروت على لائحة افضل الوجهات السياحية والاستثمارية ، ثم يصبح نهر النفايات فيها مثارا لتهكم العالم واعلامه وعنوانا لمآسي اللبنانيين ومعاناتهم المتنوعة .
سلسلة المقارنات طويلة ، وفي كل منها ضرر يتكاثر ويتجمع ليضيف تحديات أكبر واصعب أمام قطاعات العمل والانتاج . ولولا فسحات ضوء الاستقرار الداخلي المدعوم سياسيا والمضمون بمظلة الجيش وسائر القوى العسكرية ، ولولا مبادرات انقاذية واستيعابية يتولاها خصوصا البنك المركزي والقطاع المصرفي لحفظ الاستقرار الاقتصادي والمالي والاجتماعي لكان المشهد أكثر اربكا وأشد ايلاما ، في ظل الحروب التدميرية المجاورة لحدود لبنان ومداه الاقليمي .
أيها السيدات و السادة،
أود ، ومن ضمن عنوان المنتدى ومحاور جلساته ، أن أؤكد على عدد من الثوابت التي يتم التداول بها كهواجس أو شبه مخاوف في المرحلة الحاضرة :
يمثل الاستقرار المالي والنقدي عنوانا رئيسيا لسياسة متكاملة انتهجها لبنان والبنك المركزي ، وتحظى بأوسع قبول سياسي واجتماعي واقتصادي . وأثبتت التجربة المتواصلة على مدى عقدين متتاليين صوابية هذا الخيار الاستراتيجي ونجاعته .
ولسنا نعتقد بأي حال بان أي تطورات جديدة سياسية كانت أو غير سياسية يمكن أن تغير في الاجماع الوطني والاقتصادي على مواصلة اعتماد هذه السياسة كخيار استراتيجي للاقتصاد الوطني والاستقرار الاجتماعي .
نعتقد وبقدر عال من الثقة ، بأن تطورات المواقف السعودية ألأخيرة وبعض دول مجلس التعاون الخليجي تجاه لبنان لن تستمر دون معالجة. ولا نجد أي مصلحة لأحد وعلى كل المستويات في تضخيم المواقف أو اطلاق تحليلات وتقديرات عن امكانية حصول تحولات غير مرغوبة بالمطلق من قبل الطرفين المعنيين ، سواء لجهة طبيعة الروابط القائمة في كل المجالات أولجهة منظومة العلاقات التاريخية بين لبنان ودول الخليج ، شعوبا وحكومات وقطاعات اقتصادية واجتماعية.
هذه المعادلة تنطبق أيضا على الاستثمارات والتوظيفات الخليجية في لبنان وكذلك اللبنانية في الخليج ، والعائدة بمعظمها لأفراد ومؤسسات من القطاعات الخاصة . فاللبنانيون شركاء مخلصون في نهضة دول الخليج واقتصاداتها وأوفياء لهذه المجنمعات التي احتضنتهم ، والخليجيون بدورهم شركاء تاريخيون وأصيلون في العديد من القطاعات الانتاجية اللبنانية ، وأصحاب نخوة وحمية في المراحل الصعبة .
مواصلة تحصين الجهاز المصرفي ووحداته الناشطة داخليا وخارجيا ، مع تأكيد خيار الالتزام التام بالمتطلبات الدولية وخصوصا في مجال مكافحة العمليات وألأموال المشبوهة. ويهمنا ، في هذا المضمار ، التوقف عند الاعلان الرسمي ألأخير لمجموعة غافي ، والذي أكّدت فيه أن لبنان يستوفي كل الشروط المطلوبة من حيث القانون ومن حيث الممارسة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وسلاح الدمار الشامل. ولن يكون هناك أي مطالبة إضافية تخص لبنان.
هذا ما يدعونا للتنويه تكراراً بالإنجاز التشريعي الذي تمثل بإقرار مشاريع القوانين المالية الأربعة. فهي تعزّز تعامل القطاع المصرفي اللبناني مع الأسواق العالمية والمصارف المراسلة، بحيث تستمرّ مصارفنا بكفايتها المعهودة في تأدية دورها الناشط والحيوي في خدمة الإقتصاد الوطني وفي صون سمعة لبنان المالية عربياً ودولياً.
هذه الرسالة سنبلغها بكل وضوح الى المسؤولين ألأميركيين في وزارة الخزانة وبنك الاحتياط الفدرالي والبنوك المراسلة خلال زيارتنا الى أميركا الشهر المقبل ، وحيث نشارك، كجمعية مصارف لبنان، بالتعاون مع اتحاد المصارف العربية، في تنظيم مؤتمر مصرفي عربي أميركي في نيويورك .
بالرغم من المعطيات غير المؤاتية ، فقد سجَّل قطاعنا المصرفي نمواً في الودائع قدره 5% عام 2015، ويعني هذا المعدَّل ازدياداً في حجم الودائع بما مقداره 7,3 مليارات دولار ، وهو أكثر من كافٍ لتغطية الاحتياجات التمويلية للإقتصاد الوطني بقطاعَيْه العام والخاص، والتي لم تتعدَّ في مجملها ما يقارب 3.1 مليارات دولار خلال العام 2015.
أما رساميلنا وأموالنا الخاصة، فقد قاربت مستوىً تاريخياً بلغ 16,7 مليار دولار . إذ تمَّت إضافة 937 مليون دولار عام 2015، وتكتسب هذه الأموال الخاصة أهمية كبرى لجهة تعزيز ثقة المودع المحلّي والأجنبي بالقطاع المصرفي اللبناني. إن هذه الإضافة إلى موارد المصارف تتّصف بكونها موارد طويلة الأجل يمكن استعمالها في عمليات الإقراض المتوسط والطويل، كما أنها تقوّي المراكز المالية للمصارف بحيث من المقدّر أن يكون معدل الملاءة في القطاع قد فاق الـ 14% حسب معايير بازل 3 في نهاية العام 2015.
من جهة أخرى، فإن إجمالي قروضنا للقطاع الخاص، المقيم وغير المقيم، من دون احتساب قروض مصارف الأعمال والاستثمار، قارب 54,2 مليار دولار في نهاية العام 2015، أي بزيادة قدرها 3.3 مليارات دولار ونسبتُها 6.5% مقارنةً مع نهاية العام 2014. ومع تراجع الاستثمارات الخاصة المحلية الوافدة ، يصبح التسليف المصرفي السبب الأول والأهم للنمو الاقتصادي في لبنان، ولو بنسبة ضئيلة (1%). ولولا هذا النشاط التسليفي لكان الناتج المحلي الإجمالي للبلد قد سجَّل معدّل نمو سلبيّاً بحدود 1.5%!..
هذه مرتكزات صمود وأمل في زمن صعب ومعقد ، تسهم بفعالية في جبه العواصف المحلية والاقليمية ، وتعزز موقعنا المالي والمصرفي، وتطمئن الى امتلاك مفاتيح النمو القوي اذا ما استوى المسار المحلي ، ومدخله انتخاب رئيس الجمهورية واعادة انتظام كل السلطات وجمع الجهود في مقاربة ومعالجة المشكلات المتكاثرة ، وتضمن لبيروت دورا متقدما في عمليات ما بعد حروب التدمير الاقليمية .
وشكراً لاصغائكم